هناك من يصدق كل شيء وهناك من يشكك في كل شيء، كلاهما يشكلان نمطا تفكيريا متطرفا إن صح التعبير، فأن تصدق كل ما يقال لك أو كل ما يروى لك فإن هذا قد يعني أنك لا تفلتر المعلومة او انك لا تملك المخزون المعلوماتي الذي يجعلك تنظر لكل شيء بعين فاحصة. وأن تشكك في كل ما يقال لك وتكون ردة فعلك الأولية هي تسفيهه أو تكذيبه فإن هذا يعني أنك تعاني من رهاب فكري أو أنك مخدوع في قدراتك التفكيرية والثقافية بحيث ترى أنك وحدك تملك الحقيقة. لعل أفضل مثال للتفكير المنهجي هو التفكير العلمي النقدي، فهنا تتعلم قراءة المعلومة باستقلالية عن مصدرها وبتجرد عن رأيك الشخصي، وتخضع المعلومة لتمحيص نقدي يبدأ بدراسة الأدلة والتفكير في المعلومة المضادة أو المناقضة وفي احتمالية تحقق المعلومة المضادة. في العلم التطبيقي لا يمكنك الوصول لنتيجة بناء على الظن والتخمين لا يمكنك أن تثبت أو تنفي أو تفسر نظرية بأن تسقط عليها أحساسيك أو مشاعرك أو رغباتك. النتيجة هنا هي محصلة الدليل العلمي، والرأي هنا يتبع المنطق العلمي وهو حصيلة تراكم معرفي. والمعرفة هنا هي نتيجة مشاهدات ومعلومات مختلفة. والتفكير العلمي النقدي يعتمد على مناقشة المعلومة بطريقة منطقية لا انحياز فيها في محاولة للوصول لنتيجة منطقية لا تعميها فوضى الانفعالات ولا ضبابية النرجسية الفكرية. لذلك حين يختار الانسان طريق البحث العلمي فإنه يتعلم النقد العلمي وقراءة المعلومة بتجرد لتتسع آفاقه. التفكير أساسه الأسئلة، لعل بدايات تفتح عقلك كطفل حين تبدأ تتعرف على محيطك وعلى ما حولك، فتبدأ بتحليل ما تستقبله حواسك، تتعرف على الأصوات ثم تردد ما تسمعه، تمسك يدك بكوب شاي حار فينتبه عقلك لأول إشارة تحذيرية وهي أن يبتعد عن الخطر، تبدأ تتحدد مفاهيمك حول الممكن والمسموح. تكبر قليلا وتبدأ بالتفاعل مع من حولك، تبدأ بالأسئلة ولعل اكثرها يبدأ ب"لماذا؟ وكيف؟" وهذه اللفظة هي إشارة عقلية أنك تريد أن تعرف وأنك تخضع كل ما يمر عليك لفلتر "لماذا؟". عقلك الظمآن قد يروي عطشه بمصادر معرفة مختلفة كالكتب والأعمال الفنية المختلفة وحتى ما يقوله الآخرون لك في أحاديثهم، فلا تنسى أن أول سؤال لك وجهته لأبيك أو أمك أو معلمك بحثا عن الاجابة، وبناء على هذه الاجابة أو لنقل الاستجابة سيكون قرارك بأن تستمر في الأسئلة او أن تقمعها. انظر الى نفسك الآن؛ هل انت عنجهي و تعتقد أنك وحدك تملك المعلومة والرأي السليم؟ هل أنت سهل الانقياد تسرع في نشر خبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أن تتحقق من مصداقيته؟ هل تتوقف وتفكر وتعمل المنطق؟ هل لديك القدرة العقلية كي تستوعب الرأي الآخر لأنه يضيف لك حتى وإن كان يخالفك؟ هل تسعى لأن تثري مصادرك المعلوماتية أم أن المعرفة لديك انتهت بحصولك على الشهادة وانتقالك للعمل الوظيفي؟ ما هي الطريقة التي تتبعها في التفكير وكيف اكتسبتها وتعلمتها؟