صاحب السعادة.. أو بهجت الذي يطل علينا بعد المغرب الرمضاني عبر قناة mbc في حضور مؤثر آخر للفنان الكبير عادل إمام،يبقى ذلك الرجل الذي يفترض السعادة بالحياة، بعيدًا عن الانشغال بتعقيداتها، أو الدخول في عراكٍ معها وهي رؤيا أخرى تبحث عن السعادة في الفوضى الخلاّقة، وعناق اللحظة أنّى تجيء وكيفما كانت، بصورة قد تبدو للآخرين مشوّشة وغريبة وأقرب إلى عالم الجنون.. وتعدّ امتدادًا لرؤيا المتنبي وتصوّره لمفهوم السعادة في الوجود حين افترض بجرأة خالدة على أن صفاء الحياة مرتبط بتلك الفوضى وتعطيل العقل بالجهل والغفلة تارةً وبالتخييل القادر على تلوين الحياة بالحلم تارةً أخرى حينما قال: تصفو الحياة لجاهلٍ أو غافلٍ عما مضى منها وما يُتوقع ولمن يغالطُ في الحقائق نفسه فيسومها طلب المحال فتطمع وكل تلك الصفات التي افترضها المتنبي قبل ألف عام أو يزيد وقاربها بهجت أبو الخير في هذا المسلسل العصري، تتكئ في مجملها على الطمأنينة التي يفترضها الجهل أو الغفلة أو الحلم، وبالتالي كان العقل وتوابعه من التفكّر، والتدبّر والمعرفة مدعاة للقلق والاضطراب، لأن العاقل سيدرك حقيقة الفناء وضغط العمر عليه فيكون كل ذلك إدراكًا لعدمية المستقبل على مستوى الحياة الدنيا بالنسبة إليه مهما كان الأمل فسحةً لهذه الحياة كما يقول الطغرائي الذي جاء بعد جده المتنبي بحوالي مائة عام.. لكن وبصورة مقلوبة لهذه الرؤية الوجودية القديمة سيبقى هذا العقل الذي يشقي صاحبه يحمل على عاتقه حضارة هذه الأرض حين استثمر الإنسان قدرات عقله ووظّفها لإسعاده وراحته، وتحسين معيشته سواءً طال به العمر أو قصُر، وهذه حقيقة حفظها التاريخ حينما يبقى الإنسان بأثره أكبر من عمره وأبقى من مصيره، والمحزن دائما في هذا الشأن أن أكثر أولئك الأشقياء أصحاب العقول والمعرفة ماتوا بشقائهم دون أن يدركوا أثرهم، لكنهم حتما لم يختاروا الجهل راحة ولا الغفلة متكأ كما يرى المتنبي ويفعل بهجت أبو الخير، بل اختاروا الشقاء على أن يتركوا الأثر لنا والخلود لهم..!