في تحد مثير للإعجاب، قام الثلاثي المكون من الممثل القدير يحيى الفخراني والسيناريست كمال عبدالرحيم والمخرج الشاب الموهوب المبدع شادي الفخراني (نجل يحيى الفخراني) بتقديم رائعة شكسبير "الملك لير" في مسلسل يبدو (حتى الآن) أنه قد تم اقتباسه بشكل متقن ومدروس وملهم بعنوان "دهشة". وهو يعرض حالياً على قناة MBC دراما. من المعروف أن أعمال شكسبير هي من أكثر الأعمال الكلاسيكية اقتباساً لأنها صالحة لكل زمان ومكان فهي تروي مآسي إنسانية، ولكن بلا شك فالاقتباس فن، خاصة إذا ما استطاع المُقتبِس أن يؤصل العمل في بيئة محلية ويضفي عليه نكهته الخاصة. ولذلك ففيلم "Ran" لإكيرا كيروساوا يعتبر من أجمل الاقتباسات السينمائية للملك لير لأنه وضع المسرحية في السياق الياباني الخالص. ويمكن القول أنه حتى الآن، وإن كان هذا الرأي يعتبر مبكراً حتى الانتهاء من مشاهدة العمل كاملاً، فكمال عبدالرحيم قد نجح في كتابة نص مقتبس لا يبدو فيه لمن لا يعرف المسرحية أن القصة أجنبية، بل هي مصرية خالصة مكتوبة عن صعيد مصر. أما لمن يعرف العمل مسبقاً وشاهد اقتباسات مختلفة عن المسرحية فسيسعد برؤية جديدة مختلفة ودراسة عميقة للشخصيات أعطت بعداً آخر للمسرحية الكلاسيكية الشهيرة. فشخصية البنت الكبرى رابحة "حنان مطاوع" مثلاً أخذت بعداً أكبر مما هو في المسرحية. أما العلاقات بين الشخصيات فتبدو منطقية وطبيعية في ظل البيئة المصرية، وهي مختلفة عما كانت في المسرحية، كشخصية "راضي" (والذي قام بدوره فتحي عبدالوهاب) الابن غير الشرعي ل"علام" (نبيل الحلفاوي) أخو الباسل (يحيى الفخراني). كذلك ففكرة موت شخص عزيز هي ما يثير تفكير "الباسل" في أن يوزع ثروته على بناته في حياته، خوفاً من أن يموت ويرث إخوته غير الأشقاء ماله، وهو أمر منطقي وطبيعي جداً. وكذلك فشخصية "نعمة" ورفضها أن تجيب على سؤال أبيها بالطريقة التي أرادها "بتحبيني قد إيه؟" تبدو أيضاً متسقة معها كشخصية عنيدة جداً وصادقة جداً وفي طبيعة العلاقة بينها وبين أبيها كما رأيناها في الحلقات الأولى حيث أنها لا تجيد التعبير عن عاطفتها تجاه أبيها. ومن المهم الإشارة إلى مستوى الأداء الذي ظهر بشكل عال جداً في المسلسل من أغلب الممثلين وخاصة أصحاب الأدوار الكبيرة مثل "عايدة عبدالعزيز" و"نبيل الحلفاوي" و"حنان مطاوع" و"فتحي عبدالوهاب" و"يسرا اللوزي". أما يحيى الفخراني بعفويته وإتقانه للشخصية فهو حالة استثنائية ونادرة تجعل أي شخصية يمثلها تتلبس به ليصبح هو والشخصية شيئاً واحداً ولا يمكن تخيله بشكل مختلف. وبعيداً عن كل هذا فإخراج شادي الفخراني ولمساته الجمالية هو أمر يستحق الإعجاب ويكشف عن فهم كامل وعميق لأبعاد العمل وعمقه. فكوادر التصوير والزوايا وحركة الكاميرا مدروسة. وكان اختيار الصعيد والصحراء كمكان للأحداث أعطى بعداً جمالياً في بعض المشاهد، وفيها أيضاً في بعض لقطاتها ما يعطي إشارة إلى الأجواء الشكسبيرية ولكن بدون اقحام أو افتعال. وقد ذكر في بداية الحلقة الأولى أن دهشة هي قرية متخيلة في الصعيد ثم أرفقت بعبارة بليغة جداً في تلخيص قصة الملك لير وهي: "دهشة العقل من جمر النفوس". يأتي هذا العمل كثاني تعاون للثلاثي الفخراني الأب والفخراني الابن وكمال عبدالرحيم بعد المسلسل الناجح "الخواجة عبدالقادر". وإذا كان هذا العمل سيستمر بالقوة التي بدأ فيها، فنحن نطمع بالمزيد من هذا التعاون الخلاق في أعمال أخرى قادمة.