يُجمع محللون على أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لخفض العجز في الميزانية وإصلاح منظومة الدعم التي تحمي الفقراء كانت ضرورية لدعم الاقتصاد الذي تعرض لهزات قوية منذ انتفاضة 2011 لكنهم يرون أنها لا تكفي بمفردها لإقالة الاقتصاد من عثرته. ويبدو أن إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن تبرعه بنصف ممتلكاته وراتبه للدولة كان هو ساعة الصفر للحكومة لاستغلال شعبيته الواسعة لدى قطاع عريض من الشعب خاصة الفقراء للبدء في تنفيذ عدد من إجراءات الاصلاح لم تجرؤ حكومات عديدة سابقة على تطبيقها. فتوالت في غضون أيام قليلة سلسلة من القرارات التي رفعت هذا الاسبوع أسعار الطاقة على المواطنين والقطاع الصناعي وزادت ضريبة المبيعات على السجائر المحلية والأجنبية والخمور وفرضت ضريبة على أرباح البورصة والتوزيعات النقدية ووحدت الحد الأقصى للأجور لجميع العاملين بالدولة عند 42 ألف جنيه. ورغم حالة السخط التي تجتاح الطبقة الوسطى والفقيرة من زيادات الأسعار رحب عدد من المحللين بخطوات الحكومة لتقليص دعم الطاقة، وقال سيمون وليامز كبير المحللين الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في بنك اتش اس بي سي "إنها خطوة أولى ايجابية للغاية وبيان واضح للنوايا هذه الاجراءات يتم التحدث عنها منذ نحو عشر سنوات." وأضاف وليامز "لن تحل (الاجراءات) بمفردها العجز في الميزانية لكن من المشجع أن نرى نظاما جديدا يضعها موضع التنفيذ في نهاية المطاف." ورغم أن الحكومات المتعاقبة تحدثت عن ضرورة إصلاح منظومة الدعم خاصة دعم الطاقة الذي يلتهم 20 في المئة من الموازنة العامة فإن أيا منها لم يجرؤ على زيادة الأسعار خوفا من رد فعل الشارع. غير أن السيسي دفع الحكومة لاتخاذ هذه القرارات برفض التصديق على موازنة الدولة للسنة المالية التي بدأت في أول يوليو وإصراره على ضرورة خفض نسبة العجز، وعدلت الحكومة الميزانية بخفض العجز إلى عشرة في المئة بدلا من 12 في المئة بسلسلة من قرارات خفض الدعم وتعديلات ضريبية أدت إلى زيادة الأسعار. وقال نادر إبراهيم من آرشر للاستشارات "الإجراءات كلها تقشفية وصائبة جدا وكنا في حاجة لها منذ فترة ولكن كان من الأفضل أن تتم تدريجيا وليس مرة واحدة ، "لا شك أن الاجراءات ستخفض عجز الموازنة والمصروفات وستزيد من التدفقات النقدية ولكنها في نفس الوقت ستزيد أسعار السلع والخدمات وستزيد من التضخم والبطالة." المحللون يطالبون بوضع أنظمة لحماية الطبقة الفقيرة من تأثير القرارات الأخيرة وبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في المدن 8.2 بالمئة على أساس سنوي وفقا لأرقام حكومية في مايو، وتنعكس أسعار الوقود على جميع مناحي الحياة تقريبا في مصر حيث يعيش نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر وتتوقع الحكومة أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم فوق حاجز العشرة في المئة. وقال السيسي الأحد إن قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود هو "خطوة مهمة تأخرت لأكثر من 50 عاما" وإن الهدف منه تحقيق الاستقرار والتنمية، وقال وائل زيادة رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية هيرميس أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط "الاجراءات خطوة ايجابية ستضيف للاقتصاد، ما يحدث الآن هو إعادة اصلاح المنظومة التمويلية للدولة بالكامل." لكن عددا من المحللين أشار إلى ضرورة استكمال هذه الاجراءات بوضع خطط لحماية الفقراء من الآثار السلبية المحتملة لزيادات الأسعار ورسم خطة شاملة تحقق للاقتصاد الاستفادة من هذه القرارات في الأجل الطويل. وقال زيادة "لابد من الانتباه إلى أن الإسراع في الاصلاح بدون غطاء لشبكة أمان اجتماعي سيتسبب في تآكل رأس المال السياسي للحكومة، المواطن قد يشعر بالاصلاحات التي تتم الآن بين عام إلى عام ونصف." وقال فخري الفقي مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقا "الاقتصاد المصري سيستفيد من الاجراءات في حالة وضع الحكومة لبرنامج وطني شامل لاصلاح الاقتصاد خلال العشر سنوات المقبلة بحيث يتم وضع الاجراءات اللازمة لتعافي الاقتصاد خلال أول 4 سنوات من البرنامج للوصول لمعدل نمو بين 4-5 بالمئة."وأن يكون ثاني أربع سنوات لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي بين 8-10 بالمئة سنويا وآخر عامين لتجهيز الاقتصاد للانطلاق بقوة تجاه النمو الاقتصادي.". وقال وزير المالية المصري هاني قدري دميان لرويترز الاسبوع الماضي إن بلاده تستهدف نمو اقتصادها المتداعي بين أربعة و5.8 بالمئة خلال الثلاث سنوات المقبلة مع إبقاء نسبة العجز عند عشرة بالمئة. وقال أشرف الشرقاوي رئيس الرقابة المالية الأسبق في مصر "الاجراءات جيدة جدا في حالة إعادة تخطيط الموارد للصحة والتعليم حتى يشعر الناس بطفرة في العلاج والأدوية. لازم يكون فيه أمل وتفاؤل بالمستقبل وأن يكون هناك خطة واضحة للاقتصاد." ورفعت الحكومة الإنفاق على الصحة في الموازنة الحالية بنحو 22.7 بالمئة ليصل إلى 51.653 مليار جنيه. كما رفعت الإنفاق على التعليم 13.3 بالمئة إلى 105.349 مليار جنيه والإنفاق على البحث العلمي 17.5 بالمئة إلى 2.200 مليار جنيه. وقال إبراهيم "لابد للحكومة أن تتوسع سريعا في المشروعات الاستثمارية للحد من زيادة البطالة المتوقعة. حتى الآن الحكومة تبرر فقط الاجراءات ولم تكشف عن خطط مستقبلية لاستغلال وفورات أسعار الطاقة." وترى علياء المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة سيكون لها "تأثير إيجابي على الاقتصاد على المدى الطويل لأن الميزانية لن تكون محملة بأعباء الدعم ولكن على الأجل القصير سيكون لها تأثير سلبي على الدخول وعلى الفقراء وعلى تحول جزء من الطبقة الوسطى القريبة من الفقيرة في مصر إلى الطبقة الفقيرة." وأنفقت الحكومة المصرية التي تعاني ضائقة مالية 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو حوالي خمس ميزانيتها على دعم الطاقة في السنة المالية المنتهية في الثلاثين من يونيو حزيران. وأكد رئيس الوزراء إبراهيم محلب يوم السبت أن رفع أسعار المواد البترولية والكهرباء سيوفر للدولة نحو 51 مليار جنيه (7.13 مليارات دولار) على أن يتم توجيه الوفورات إلى قطاع الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي. ولم يفسر محلب كيف يتقلص عجز الميزانية إذا وجهت الحكومة الوفورات إلى دعم قطاعات أخرى. ويعرب بعض الاقتصاديين عن قلقهم من ألا تمتلك الحكومة المصرية دراسات وخطة واضحة لمستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة. وبرهنوا على ذلك بتخفيض الحكومة للموازنة الحالية بنحو 52 مليار جنيه خلال يومين بعد رفض السيسي التوقيع على الموازنة الأولى. وستكشف الايام ما إن كانت الحكومة ستنجح في الاستفادة من القرارات الأخيرة في تطوير الأداء الاقتصادي أم أن هذه القرارات ستؤدي إلى تآكل الشعبية الواسعة التي يحظى بها السيسي.