تولي حكومة خادم الحرمين الشريفين اهتماماً كبيراً بتنمية الوطن في كافة المجالات، من خلال اعتماد ميزانيات ضخمة للعديد من المشروعات الحيوية، حيث تجاوز حجم الإنفاق الفعلي على هذه المشروعات مبلغ (925) مليار ريال خلال العام الحالي، وبزيادة تفوق 2500% عما كانت عليه في السابق، بالإضافة إلى حرص الدولة على توظيف الميزانيات الكبيرة لتنمية المجتمع بجميع فئاته، وتسخير الاعتمادات المالية الكبيرة لذلك، ورعاية المواطنين العاجزين والفقراء عن طريق معاشات ثابتة تتولى الإشراف عليها الشؤون الاجتماعية. وعلى الرغم من هذه الجهود والعطاءات الكبيرة والنوعية التي تبذلها الدولة، وتحديداً في عهد الملك عبدالله -حفظه الله- الذي وصلت فيه المملكة إلى مكانة اقتصادية مميزة، وانتشر فيها العلم، وتنامت مشروعات التنمية المتوازنة، والاستثمار في العنصر البشري، وتوسعة الحرمين الشريفين، إلاّ أن هناك جاهلين وحاقدين لا يزالون ينظرون بعين الانتقاد، والإساءة، والتضليل، وإيقاظ الفتن، والتحريض عليها، وإثارة المعلومات المغلوطة، خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، والمجالس الخاصة، ووصل ببعضهم الاستهانة بحرمة المال العام، والتطاول عليه، بل حلّل بعضهم لنفسه أن يسرق أو يتلف الممتلكات؛ بحجة واهية أن "الدولة غنية وتغرف من بحر"، من دون أن يدركوا أن هذا البحر (النفط) ليس إلاّ سلعة تباع في السوق بعرض وطلب، وكميات محدودة في باطن الأرض قد تنفذ يوماً، أو يكون تكلفة استخراجها أكبر من بيعها، وبالتالي نحن أمام مسؤولية وعي مواطن، خاصة في هذه المرحلة بأن يتوقف عن إثارة الرأي الذي لا يخدم المجموع، ويكف عن الإساءة وتناقل المعلومات المغلوطة، واتهام الحكومة بالتقصير المادي. من يفكر بهذه الطريقة ويرى -في شبكات التواصل الاجتماعي- أن الدولة تبخل على شعبها ولا تعطيه إلاّ القليل رغم الدخل الكبير الذي تملكه يفكر بأسلوب إتكالي، وأناني، ومجافٍ للواقع، ونظرة قاصرة عن احتياجات المستقبل، فالدولة -وهذه شهادة حق- لم تبخل على مواطنيها أبداً، وأنفقت بسخاء على مشروعات في صلب احتياجاتهم، خاصة الصحة والتعليم والإسكان والشؤون الاجتماعية والطرق، إلى جانب المدن الاقتصادية والصناعية التي تمنح الجميع نوعية حضور مع العالم المتحضّر، وأكثر من ذلك شجعت المواطن تشريعاً وتمويلاً على العمل الحر، وقدّمت المليارات من القروض بدون فوائد من أجل تحسين الدخل والمشاركة في التنمية. هناك حقيقة يجب أن يدركها أصحاب نظرية الإتكالية وهي أن "الدولة لا تغرف من بحر"، وأن الدولة أمامها التزامات متعددة داخلياً وخارجياً، وهي التزامات يفرضها عليها موقعها ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي، ودورها المطلوب في دعم ومساعدة الدول الفقيرة ومنظمات الأممالمتحدة المختلفة التي تقدم خدمات إنسانية على مستوى العالم. ماذا عن دور المواطن؟ وقال "د.حسن جابر" -طبيب ومفكر- عندما تجد إنساناًً يطرح عليك سؤلاً أين تذهب المداخيل الضخمة للدولة؟، ولماذا لم يصبح جميع المواطنين أثرياء؟، ولماذا لا تشعر كمواطن بأثر هذه المداخيل على مستوى الخدمات المقدمة، مجيباً:"بالطبع لست متحدثاً باسم الدولة لكن لدي قليل من العلم كي أتحدث في شأن اجتماعي عام، ولكن قبل البدء نصحح معلومتين أن الدخل عالٍ لكنه لا يمكن أن يقارن بالدول الصناعية وغيرها، وهو ليس من العشر الأوائل وبمسافة بعيدة عن دول أصغر حجماً، وثانياً أن الخدمات متوفرة فعلياً وأن لم تكن بالصورة التي نطمح إليها وهذا باعتراف الحكومة نفسها". وأضاف أن الثروة العامة في المملكة "تصب من فوق"؛ كونها معتمدة أساساً على بيع مادة خام و"لم تنبع من تحت" من منتجين زراعيين وصناعيين، مشيراً إلى أن النوع الثاني "تنبع من تحت" تصنع أثرياء كونهم يقتطعون نصيبهم ويفضون على الدولة ومن حولهم بالباقي، أما في النوع الأول "تصب من فوق" فيكثر الماء قريباً من النهر عنه في أطراف القنى البعيدة، ولذا لا يتم الثراء بمعنى ثراء إلاّ باقتطاع مباشر، وبالطبع هناك من يقتطع وهناك من يحاول فساداً جرّ الماء لأرضه، وهذا موجود في كل مكان وكل تاريخ، لكن الدولة الرشيدة -وهذه شهادة حق- تؤدي بدرجات مختلفة من النجاح بالحد من أي فساد، والعمل على ترجمة المداخيل إلى خدمات ورعاية أفضل تصل إلى أبعد الأطراف وليس حافة النهر فقط. وأشار إلى أن هذا دور الدولة، ولكن ماذا عن دور المواطن في أرضه؟، هل يبقى منتظراً بعض الريع أم يتحمل مسؤولية نفسه على الأقل فيستغل الفرص المتاحة مالياً وتعليمياً ويترجمها إلى عمل مخلص؟، موضحاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى محتاجاً درهمين كان أحدهما لسد حاجة ماسة ليشتري طعاماً والآخر ليشتري به فأساً ويحتطب، وبهذا يضمن أن يصنع الدراهم بنفسه ولا ينتظره، كذلك لم يكسر الله سنته؛ فأمر السيدة (مريم) عليها السلام بهز جذع النخلة لتحصل على الرطب وبقدرته عزوجل أن يجعله يسقط في حجرها من دون جهد. انتهى زمن «الاتكالية» و«الرعوية» وعلينا أن نعوّد أنفسنا على «العمل الحر» و«المهني» مثل شعوب أغنى الدول الدولة الرعوية! وقال إن روح الاتكالية هي التي تدمر الشعوب والمجتمعات؛ فليس مقبولاً أن يبتعد الشباب عن العمل المهني والحر؛ لأنه في بلد غني، رغم أن شعوب أغنى الدول هم أكثرهم عملاً مهنياً وصناعياً، مبيناً أن فرضية "الدولة الرعوية" جعلت من صرف المال العام لإيجاد مصادر إنتاج وتوظيف، وعليه إن أراد الشاب نصيبه من المال العام عليه أن يذهب لتلك المصادر كشخص عامل منتج في وظيفة وينال نصيبه من الأجر والعلاوات والحوافز لشيء مستدام، مطالباً أن نزيل من الأذهان فكرة "الدولة الرعوية" و"الدولة غنية" حتى لا يستمر الشباب في إضاعة فرصة تطوير أنفسهم (علمياً) بالاستهتار بالعملية التعليمية والمدارس والغش وحرق الكتب، و(وظيفياً) بالتعالي على الوظائف والمهن والاستهتار بأعمالهم، و(عملياً) بالبحث عن طرق الربح السريع والتستر وحتى النصب، و(مستقبلياً) بعدم الاكتراث وتدمير المال العام والإسراف والتهالك على المظاهر والعيش فوق الدخل أو (انسحابياً) بالتسكع والإدمان!. وأضاف أن من واجب الدولة مهما كان دخلها توفير الخدمات الأساسية وهي السكن والتعليم والصحة بصورة لائقة وفعّالة، وأن تترك الباقي للمواطن بأن يطور نفسه ويزيد من دخله، وأن يكون صرف المال العام في موقعه، وبما يسهم في تطور الوطن والمجتمع؛ كإنشاء المدن الصناعية وتنمية الاستثمارات والاعتماد على شباب الوطن في جميع مجالات العمل، وإعطائهم الأولوية في كل الأعمال في القطاعين العام والخاص؛ لأن اغفال هذا الجانب وعدم توظيف الشباب وإتاحة فرصة العمل لهم دون تعطيل وخلق بطالة غير مبررة لهم يفتح المجال للكثير من الأكاذيب، وبث السموم من قبل البعض سواء عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي أو المجالس. وأشار إلى أنه عندما يتطلع المواطن للمزيد من العطاء من دولته بما يحقق الرفاهية له؛ فذلك مطلب مشروع، خاصة في توفير السكن المناسب له، والوظيفة المناسبة لتخصصه والمؤهلات الدراسية التي حصل عليها براتب مناسب لمتطلبات حياته وحياة أسرته، وبما يتفق مع الظروف المعيشية الراهنة، وهذا ما تعمل الدولة على تحقيقه، من خلال توظيف ثروة البلد لرفاهية المواطن، وتحقيق التنمية المستدامة للوطن والأجيال القادمة. زمن الرفاه ولّى! ويرى "د.نايف بن سلطان الشريف" -أستاذ القانون التجاري بكلية الحقوق في جامعة الملك عبدالعزيز- أن الموضوع بحاجة لدراسة في ضوء النظام الأساسي للحكم، حيث حدّد النظام التزامات وحقوق كل من الدولة والمواطنين في مواجهة بعضهما البعض. وقال إن ثقافة "الدولة الرعوية" أو "الواهبة للمنح المالية" لم تعد ذات جدوى، خاصة في هذه المرحلة، بل من المتفق عليه أن للمواطن حقوقاً على الدولة وعليه واجبات، وممارسة الدولة للمنح المالية للمواطنين لمجرد ثراء الدولة دون أن يقابل ذلك إنتاجية لا تخدم المصلحة العامة؛ لأن ثروة الوطن المالية والتي وهبها الله إياها من الثروات الطبيعية المتمثلة بشكل رئيس في البترول، وسوف تنضب هذه الثروة يوماً ما، ولذلك فإنه يجب استغلالها بالشكل الصحيح، من خلال وضع إستراتيجيات التنمية للعنصر البشري. وأضاف أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- تحدّث أمام القمة الخليجية التاسعة عشرة في أبو ظبي في أواخر عام 1998م من أن زمن الرفاه قد ولّى، مطالباً -أيده الله- بتغيير في وظائف الدولة، وتعويد المواطنين على نمط مختلف من الحياة لا يستند على الاتكالية والاعتماد الكامل على الدولة، وضرورة مشاركة الفرد والقطاع الخاص، بحيث يتحمل كل شخص دوره الإيجابي في التنمية المستدامة. وأشار إلى أن مشاركة المواطن في التنمية المستدامة تعني أن يكون للفرد دور في إنتاج الثروة والمشاركة في السلطة واتخاذ القرار، وهذا يتطلب بدوره إحداث إصلاحات سياسية وتشريعية وقضائية تتمثل في منح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة، والتوزيع العادل للثروة في المناطق بناءً على أسس موضوعية واستراتيجيات مدروسة ومحاربة الفساد ومساواة الجميع أمام النظام. نصف المجتمع لم يعد مشلولاً بحضور المرأة ووعيها تجاه وطنها د.حسن جابر د.نايف الشريف