قدم الأستاذ محمد المسباح مختارات من الأعمال الغنائية التي تعد أرشيف الكويت الغنائي في القرن العشرين في سهرة سجلت لصالح "صوت الخليج"، وإعادة تسجيل هذه الأعمال تعد حدثاً بقدر ما أنها تعبر عن مسيرة تمكن من ترسيخها المسباح بكل جدارة. هنا قراءة لها في حلقة سادسة. وقد انعكس ذلك في محاولات توثيقه وشرحه حيث كانت أولاها تسجيله وأرشفته بعد تأسيس مركز رعاية الفنون الشعبية لجمع التراث الشعبي عام 1954 التابع لدائرة الشؤون الاجتماعية الذي أشرف عليه حمد الرجيب، وقامت لجنة التسجيل والشعر في توثيق النماذج المتاحة، وتثمن محاولة أحمد البشر الرومي مع يوسف البكر قبل وفاته عام 1955 في تسجيل مجموعة كبيرة من نماذج فن الصوت، ومنها لجنة لتدوين نصوصه الشعرية (الواصل، 2013، 56-57). وترصد أولى المحاولات المدرسية في توثيق وشرح "فن الصوت" في كتاب "الموسيقا والغناء في الكويت" (1980) لأحمد علي ثم تبعتها أطروحة الماجستير ليوسف دوخي التي بعنوان "الأغاني الكويتية" (1984)، ورغم أن جهدهما يكشف عن شخصية كل واحد زاوله إما عزفاً وغناء وإما تلحيناً وصياغةً غير أن هاتين المحاولتين ارتهنتا للعلوم النظرية القاصرة عن استيعاب طرق الأداء الحي وما تمثله من قيم والعوامل المؤثرة على عملية الأداء بحسب الأشخاص والظرف والمكان، وكانت محاولة الملحن غنام الديكان تسير في هذا الطريق غير أنها حاولت جاهدة أن تستوعب التمايزات الأدائية ومحاولة وصفها بما يمكن أن تستطيع عناصر العلوم النظرية استيعابه مع مراعاة القوة الكامنة في العروض الحية وظروفها في كتابه "الإيقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية" (1998). ولكن يبقى الإنتاج الغنائي لهذا الفن هو الفيصل في كل شيء.. الفنون تموت إذا ماتت حناجرها الآداب تنقرض إذا فني كتابها والثقافة قرينة الإنسان وهي تعبر عنه وتمثله، وتكرس أفكاره ومبادئه وقيمه. فلا يتبناها المجتمع إلا لكونها تعبر عنه وتمثله أيضاً.. وتكشف اختيارات المسباح من فن الصوت إلى انحيازه إلى المسار الأول من حيث العناية باللفظ والنغم والخصوصية. تهيمن شخصية المسباح على طريقة هذه التسجيلات التي تتطلع إلى محاولة التواصل الحضاري مع ما خلفته مدرسة القرن العشرين في بواكيرها مع شخصيات كبيرة تركت آثارها مثل الأداء المطلق لعبداللطيف الكويتي، وهو صاحب أداء لا يجارى في زمانه، وعازف العود محمود عبدالرزاق الكويتي، وعازف الكمان صالح بن عزرا الكويتي، والإيقاعي ملا سعود الياقوت. بل يتطلع إلى أكثر من ذلك حين يقدم أي نموذج من فن الصوت لتقديم وجه حضاري للخليج العربي يؤكد إسهامه قبل انتمائه إلى أكثر من 16 قرناً من تاريخ الحضارة العربية.