حكاية عودة الخلافة الإسلامية واختزالها في شخص يقود تنظيماً إرهابياً مثل مبايعة أبو بكر البغدادي زعيم داعش، والذي سبقه نفس الحدث مع الملا عمر زعيم طالبان، ومع ابن لادن زعيم القاعدة وهم قادمون من نفس الزمان والمكان، وإن اختل ميزان عقدهم وتناثرهم إلى جماعات وقيادات.. من الجانب النفسي ربما يغري المسمى من يعيشون خدعة تلك التنظيمات، ويعطونها قداسة ومعجزات، كما حدث في أكثر من بلد إسلامي، غير أن شروط الخلافة بدأت في ظرف تاريخي حقق الخلفاء دولة وحضارة، وعمقاً تاريخياً حتى إن الخليفة يستطيع محاورة القادة والفقهاء والفلاسفة، وسفراء الدول وزعمائها من مخزون ديني وثقافي عريضين، وكان دور القضاء حاسماً وعظيماً، غير أن مظاهر العصر الحديث لا تخرج عمن ادعوا أنفسهم أنبياء ورسلاً بطريقة الغباء المتوارث، ونسيج الخرافة المتجدد.. قطعاً مسائل كهذه تعاد من التاريخ وتجد من يروّج لها، وبدء نشوء هذه التنظيمات الإرهابية يعيدنا إلى قضية سياسية بدأت بتعاون بريطاني مع جماعات قامت على تأسيسها والتفريق بينها، أو استخدامها وقت الحاجة لعدو مثل الشيوعية، أو القوى الوطنية الساعية للاستقلال، وحالياً تكرر الهدف بالتلاعب بالقوى الإسلامية ونشر الفكر المتطرف بنزعته تفكيك هذا العالم الذي عده أكثر من فيلسوف ومنظّر سياسي أمريكي، وأوروبي أنه النزاع الأزلي مع الحضارة الغربية، ولم يكن غريباً أن ينشأ تنظيما طالبان والقاعدة بإدارة أمريكية، وتأتي الفروع الجديدة، لنشر نفس الفكر ولكن بفتوى الدم لا العلاقة التي رسمها الإسلام السمح، وفكرة الخلافة إطار لهذا الفهم والتفتيت ونزعة الموت المسيّس.. بعد زوال خلفاء بني عثمان، تجددت الدعوات، وقد جاء بعضها من مصلحين صادقين وآخرين بضرب الدولة الحديثة سواء أكانت تطرح مشروعاً قومياً علمانياً أم إسلامياً يريد أن يكون نواة تلك الدولة التي تجمع شتات هذا العالم في كل القارات لكن استحالة تطبيق أسس هذه الدولة والجمع بين هويات وتقاليد ومذاهب وفرق، حصرت الموضوع بالمنطقة العربية، وإلى حد ما جر معه باكستان التي تأثرت قبائلها بما حدث بأفغانستان بحكم الصلات التاريخية والجذور القبلية والعائلية.. الطرح الذي تقدمه قيادات الخلفاء الجدد غارق في التطرف بالدين والملبس، والحلال والحرام بكل مصنفات الحياة القائمة مقدمين مغريات الاستشهاد وملاقاة الحوريات بالجنة وهي الحالة التي أدت إلى استقطاب شباب لا يفرق بين الحديث الصحيح وضعيف المتن والسند، وهي حركات أخذت الإسلام كمحرك روحي مغرٍ ومهم كمعطى سياسي وهدف استراتيجي، لأن رصيد قادتها من العلم الديني والثقافة الإسلامية أقرب إلى الأمية من علم الفقيه المتمكن، وبالتالي فهم استنساخ للخوارج بثوب معاصر وأدوات دعاية وقتل حديثين.. فالذين قادوا هذه المنظمات مغامرون رفعوا شعارات عودة الدين من خلال منظورهم، وحتى يضيفوا هالة أكبر تسمو بالخلافة لإعطاء صفة تميزهم عن حكام الدول الإسلامية الذين يقوّمونهم بأنهم إما على ضلال أو كفار يتبعون الكفر العالمي الذي تسيره القوى العظمى في العالم.. التهوين من مخاطر هذه الطروحات خطأ، والمبالغة في تصور أنها ستلغي الحدود وتحشد القوة الهائلة لخلافة إسلامية عريضة أيضاً غير منطقي أو حقيقي، لكن ما تخفيه الأهداف الصانعة لهذه المنظمات، هي من تدرك أنها تقدم لها المكاسب الكبرى لتتخذ جميع المسميات والأوصاف وتنتج لنا الإرهابيين..