لماذا نشعر بالحساسية في كثير من الأحيان من بعض التغييرات الحضارية التي تطرأ على المجتمع ونوجه سهام النقد لها، ثم نكتشف في نهاية الأمر بأننا مخطئون ونبدأ بممارسة رفضناه سابقاً بعد أن نكون قد دفعنا فاتورة هذا الرفض سنيناً من العزلة والتراجع. الفن روح متغلغلة في أعماق النفس البشرية مهما اختلفت جنسياتها وأعراقها، وهو واجهة حضارية لأي دولة ومطلب لأي حياة مدنية. ومع سابع الفنون, السينما, قصة عشق سطرها السعوديون منذ سنوات، ابتداءً من تزاحمهم داخل مقرات أندية العاصمة "شارع العصارات" في السبعينات الميلادية ومقر سكن أرامكو في الظهران، حتى حققوا الآن وفي كل عام الرقم الأول في شباك تذاكر سينما البحرين ودبي وخصوصاً في الإجازات الموسمية ونهاية كل أسبوع صغاراً وكباراً. تصريح رئيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع الدكتور رياض نجم مؤخراً في ملتقى إعلاميي الرياض عن استقبال الهيئة لطلب مستثمر سعودي لإنشاء صالات سينما وتأكيده أن الهيئة تدرس المشروع ورأيه بأن موضوع السينما أخذ حساسية مجتمعية وأن الهيئة ليست لديها حساسية بالموضوع وستتبنى مثل تلك الأفكار بضوابط شرعية هو مؤشر جيد على تقبل المسؤول لفكرة طرحها على أرض الواقع خصوصاً وأن الغالبية مؤيدة لصالات السينما في استطلاعات الرأي والتي بلغت 87 % من نسبة المشاركين. الجميع يعلم مدى الفوائد المحققة من استثمار السينما اقتصادياً واجتماعياً وسياحياً وهناك الكثير من الحلول التي يمكن وضعها على أرض الواقع والمتوافقة مع ثقافة المجتمع بحيث لا يعرض أي فيلم إلا بعد موافقة هيئة الإعلام عليه, وبعد حذف المشاهد غير المناسبة وتخصيص صالات خاصة بالشباب "العزاب" وأخرى "للعائلات والأطفال" حتى لا يخرج شخص يطالب بوضع جدار عازل بين مدرجات الصالة كبقية الفعاليات السياحية، وتوظيف كوادر أمنية لتنظيم عمليات الدخول والخروج. حل تلك الإشكالية والتي للأسف تحولت إلى قضية رأي عام يتمثل بوضع قانون وتنظيم رسمي كأي وسيلة إعلامية وفنية، ومن لديه فوبيا من مسمى "السينما" يتم تغييرها إلى أي مصطلح حتى لا تقف حاجزاً لمطالب فئة كبيرة للاستمتاع بأجواء الترفيه البرئ، خصوصاً مع توفر الإمكانات المادية والبشرية والفنية ومع تعدد المجمعات التجارية والتي تضاهي الكثير من الدول المجاورة ومشاريع لا تزال قائمة ولا يمكن لنا أن نتخيل تلك المباني والبالغ تكلفتها ملايين ومليارات الريالات وبلا صالة عرض!. شاهدنا نجاحات واسعة لسينمائيين سعوديين في محافل فنية عربية وعالمية رغم البيئة غير المشجعة، وهو ما يؤكد وجود بوادر صناعة سينمائية سعودية ناجحة. هؤلاء يسعون ويتمنون أن تعرض أعمالهم داخل وطنهم وليس خارج الحدود كما يحدث الآن. إن من يطالب حالياً بمنع السينما هو ذات الشخص الذي منع استخدام "جوال الباندا" وهشم عدسته أمامك، والآن يستمتع باستخدام الهواتف الذكية ويتسابق في شراء الأحدث منها!، كما رفض في حقبة زمنية دخول الفضائيات لمنازل السعوديين والآن يغزوها بظهوره المتكرر من داخل أستوديوهاتها!.