تبقى الأخوة من أسمى وأجل العلاقات الإنسانية، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّ الكثير من المشاهد والمواقف المؤسفة شوهت كل المعاني القيّمة لوجود بعض الإخوة؛ بسبب الكثير من الأساليب التربوية الخاطئة التي رمت بتلك العلاقات في مكبات الهجر والقطيعة، حيث نسمع بين وقت وآخر عن علاقات بين الأخوة "غير الأشقاء" تحولت إلى عدائية، وأخرى روتينية جافة، أو علاقات منقطعة لسنوات طويلة.. قلوب البعض منهم موغلة بسواد الحقد، وأخرى مليئة بكراهية تغذيها الأنانية والغيرة ليلاً ونهاراً؛ لأنّه مهما كانت صلة ورابط الدم بينهما قوية يبقى في النهاية "أخوي من أبوي". والسؤال: لماذا تكون علاقات الأخوة غير الأشقاء غالباً بتلك الصورة القاتمة؟، ولما يختارون البعد والمسافات الطويلة ليكون كل منهم "في حاله"؟ ولما أيضاً يضعون الخطوط الحمراء والحواجز العالية التي لا يريد الأخ من أبيه أن يقترب منها؟. لا يعرفونني وذكرت "سارة سليمان " بشيء من الخجل عن واقع علاقتها بأخوتها غير الأشقاء، قائلة: "لا أعرفهم ولا يعرفونني؛ بسبب إقحامنا منذ الصغر في خلافات ومشاكل الأمهات التي لم تنتهي، إلاّ حينما قرر والدنا أن تعيش كل زوجه وأطفالها بعيداً عن الأخرى؛ لتنقطع العلاقات تدريجياً"، موضحةً أنّ الأمر بلغ بوالدتها أن تمنعهم من السؤال عن باقي الإخوة، أو حتى مجرد الاتصال بهم، وأحياناً تمنعهم من الحديث معهم في المناسبات العائلية، وتوصيهم وتأمرهم بأن يتجاهلون وجودهم، وكأنّهم لم يروهم!. وقالت إنّ أخيها الكبير غير الشقيق لا تجد له الحق في التدخل في حياتها فجأة؛ لأنّ كلاهما مشبع بوصايا ومشاعر سلبية تجاه الآخر، كما أنّه بأي حال من الأحوال لن يكون قريباً ومتفهماً لشخصيتهم واحتياجاتهم مثل أخيهم الشقيق، بالإضافة إلى أنّ مشاعر الخوف من فرض سيطرته أو "تحريش" والدته يجعلهم يختارون البعد والرسمية قدر المستطاع، خاصةً وهم يسمعون الكثير عن ظلم واعتداء الأخوة الكبار على حقوق الورثة. لا تشوه سمعة أخيك عند الآخرين وأشارت إلى أنّه لا يمكن أن تكون موضع لوم أو محاسبة حينما تلغي وجود أخيها الكبير؛ لأنّها لم تجد من والدها يوماً الحرص على إظهار مكانته، أو إعطائه شأنه في تحمل جزء من المسؤولية عنهم بحياته، حتى يستوثقوا ويطمئنوا له بعد مماته، موضحةً أنّ المسؤولية الكبيرة في متانة العلاقات بين الأخوة غير الأشقاء أو ضعفها تعود إلى شخصية الأب، وقدرته على ضبط الأمور وتسويتها بين الزوجات والأبناء، لا أن يكون غافلاً عن سياستهن في محاولة السيطرة عليه، أو محاولة إشعار أبنائهن بأنّهم مظلومين من والدهم، في حين أنّ أبناء الزوجة الثانية ينعمون بماله وودلاله. حق الأخوة وخالفها الرأي "محمد فاضل"، مؤكّداً على أنّ دور الأم ومسؤوليتها يبقى هو العامل الأكثر تأثيراً في علاقة الأخوة من الأب، خاصةً بعد وفاته، إذ من الممكن أن تقطع أواصر الصلة وتهدم العلاقات الطيبة التي حاول الأب جاهداً تقويتها بين أبنائه، مبيناً أنّ علاقته بشقيقاته من والده كانت مثالية جداً، ودائماً ما يعترفن له بأنه أكثر حباً وقربا لهن وكأنّه أخيهن من الأم والأب، لكن بمجرد وفاة والده بدأت والدتهم في تهويل الأمور، من خلال تخيلاتها وشكوكها التي تصور لها رغبته في الاستحواذ على الإرث، وفرض شخصيته وسيطرته عليهن. وأضاف أنّه للأسف الصورة السلبية عن الأخ الأكبر هي الأكثر حضوراً في مجتمعنا، موضحاً أنّه مع مرور الأيام أصبح يفتقد اتصلاتهن وطلباتهن، وحين يبادر بزيارتهن يشعر بأنه غريب بينهن، منوهاً بأنّ البعض نسي أو تناسى حقوق الأخوة التي تجمعهم، وأصبحت المصائب هي وحدها القادرة على جمعهم، حتى احترامهم له كأخ أكبر لم يجده نهائياً في كثير من المواقف والقرارات الحساسة، التي أصبح آخر من يعلم بها، كخطبة شقيقاته التي تم دعوته لها من قبل الخاطب كضيف شرف لا أكثر. لا تقلل من احترامك لأخيك من أبيك مهما كان الخلاف بينكما تجاهل وتدخل! وبيّنت "علياء الحربي" -زوجة ثانية وأم لابنتين- أنّه بعد وفاة زوجها حرصت على ود أبنائه من زوجته الأولى؛ ليكونوا سنداً ومعيناً لأخواتهم الصغيرات، إلاّ أنّ محاولاتها قوبلت بالكره والرفض، خاصةً من أخيهن الكبير الذي أعلن تخليه عنهن، وعدم رغبته في الوصاية عليهن، أو حتى تفرغه للسؤال عنهن، متسائلة: من يفعل كل هذا كيف إذ طلبت منه ملاعبتهن وملاطفتهن ليشعرن بقيمته ومحبته بعد فقدهن المؤلم لوالدهن؟، موضحةً أنّها لم تيأس في البداية من محاولات إيجاد حلول تقرب المسافات بينهم باعتباره الأخ الأكبر، ومن الممكن أن يؤثر لاحقاً على بقية إخوته، إلاّ أنّه كان أكثر إصراراً على موقفه المؤسف لسنوات، حتى بدأت تتجاهل تماماً وجوده في حياتهن، في حين كان خال البنات هو الأب والأخ الذي ساندها في تربيتهن وتعليمهن. وأضافت أنّه شاع خبر ترشيح ابنتها لبعثة خارج المملكة، حضر اخوتها جميعاً بما فيهم الأخ الكبير، معارضين بشدة سفرها للخارج، كما طلبوا أن تتوقف ابنتها الثانية عن دراسة التمريض، إذ لن يسمحوا لها لاحقاً بالعمل في هذا المجال، متسائلة: هل يحق لهم بعد سنوات الهجر والقطيعة أن يتدخلوا في قرارات تخص مصير بناتي؟ وهل هي تلك المواقف التي تنحصر بها معاني الأخوة؟. خلاف الأمهات ولفتت "هدى عبدالله" إلى أنّ اخواتها من الأب دائماً ما يطلبن مشورة وتوجيه أخيها الكبير في كل أمورهن، دون أن ينظرن إلى مسالة أنّ أمهم غير واحدة، معتبرةً أنّ علاقتها بأخوتها من الأب متينة للغاية، على الرغم من كم الخلافات التي حدثت بين أمهاتهن، مبيّنةً أنّ والدها كان دائماً ما يحاول أن يجمع شملهم بإخوتهم الصغار، ويوضح لهم -رغم صغر سنهم- معنى الأخوة، وطبيعة العلاقة بين زوجات الأب، وكيف أنّ الغيرة تسيطر على تصرفاتهن وتتحكم في كثير من الأحيان بمشاعرهن؛ لهذا أصبحوا يتجاهلون الخلافات، بل إنّهم في كثير من الأحيان يسعون إلى الإصلاح بينهن. وأضافت أنّه في كثير من المرات تتعمد والدتها إلى الحديث عن زوجة أبيها وأبنائها في غيابهم، وانتقادها لكل صغيرة وكبيرة تخص حياتهم أمام أهلها أو صديقاتها، ومع الأسف أنّ لا أحد فيهم يبين لها بأنّه من الخطأ أن تشوه صورة الأخوة غير الأشقاء أمام أبنائها، بطريقة توغل صدورهم على بعض، أو حتى يفهمها ضرورة أن يفصلن بين خلافاتهن وبين أبنائهن؛ إذ لا ذنب للأطفال في مشاكل الكبار، لافتةً إلى أنّها لا تحتمل هذا النوع من الأحاديث، وغالباً ما تطلب من والدتها بهدوء ولباقة أن لا تذكر إخوتها من أبيها أمامها بسوء، فمهما قالت وأعابت فيهم يبقى رابط الأخوة التي بينهم أقوى من كل المحاولات التي هدفها قطع تلك العلاقات الوثيقة. وأشارت إلى أنّ الأب يملك مفاتيح الصلة أو القطيعة بين أبنائه من خلال التقريب والعدل بينهم، إلاّ أنّ ذلك لا يلغي بأي حال من الأحوال تفهم وتدبر الأبناء لقيمة الأخوة واستشعار أهمية وجودهم في الحياة، ومهما كانت النفوس مليئة بالكره والحقد يبقى دور الأخ الأكبر مهم في محاولة تجاوز الخلافات، وتجديد العلاقات، وإعادتها لوضعها الطبيعي، خصوصاً أنّه مع تقدم العمر يكون الإنسان أكثر نضجاً واستشعاراً لخسارة وفقدان الأخ أو الأخت. مسؤولية مشتركة وأكّد "د. عطالله العبار" -مستشار أسري- على أنّ المسؤولية في ضعف أو قوة العلاقات بين الأشقاء مشتركة، وإن كانت الأم هي من تتحمل الجانب الأكبر منها، فهي الحاضن الأول للطفل غالباً، وهي من يحقنه بالمعارف والمعلومات، ومنها يكتسب المهارات، ومن تفضيلاتها تتكون الاتجاهات لديه، ونظراً لأنّ الزوجة التي تشاركها أخرى أو هي تشارك أخرى، وغالباً يكون هذا الوضع غير مرحب به، ويشكل نقطة تحول نفسية وفكرية وسلوكية في حياتها، وأحياناً يكون للزوج دور رئيس في ذلك، بعدم العدل والتفاهم وإعطاء الحقوق، فهنا وفي هذه البيئة المشحونة سلبيا يتلقى الطفل أفكارا خاطئة عن الشقيق من الأب ويسلك سلوكا معادياً أو غير ودياً تجاهه. وقال إنّ الأخ الأكبر تقع عليه مهمة تصحيح المسار، خصوصاً عندما يكبر ويتخلص من تأثيرات السلبية حوله، وتحديداً في حال وفاة الأب، إذ لابد أن يجمع شمل الأسرة، ويغير بعض القناعات الخاطئة عند أشقائه، وذلك بغمرهم بمزيد من الحب، والحنان، والاهتمام، خصوصاً البنات والصغير من الأولاد. عداء وانتقام وأضاف "د. عبدالعزيز الشبرمي" -محامي وقاضي سابقاً- أن أسوار العلاقة بين الإخوة والأخوات غالباً ما تتصدع، لا سيما غير الأشقاء، لأسباب مؤثرة وأخرى مفتعلة، ومن ذلك تفضيل الأب لإحدى زوجاته وأولادها على أمثالهما، في القسم، والعطاء، والمجالسة، والمؤانسة، والثقة، والصلاحيات، الأمر الذي يشعر معه الطرف الآخر بالسخط، والحنق، والكراهية؛ مما يورث العداء والرغبة في الانتقام والخصام، مبيّناً أنّه من ذلك ينشأ تأثير الأمهات على علاقة أولادهن بضراتهن وأولادهن؛ بسبب الغيرة والمنافسة، لينتج من ذلك القطيعة والرغبة في الاستئثار بأموال الأب حياً أو ميتاً، وقطع الطريق أمام الحصول على حق الإخوة لأب من حقوقهم المشروعة. وأشار إلى أنّ من أسباب القطيعة بين الإخوة والأخوات: تأثير الأزواج والزوجات بإيغار الصدور، ونفث الفتنة، والرمي بالتهم، لا سيما أثناء قسمة التركات أو قيام الشركات، موضحاً أنّه إن حصلت القطيعة بسببٍ من هذه الأسباب أو غيرها استبدل الحب بالبغضاء، والوفاء بالجفاء، والثقة بالتخوين، والصلة بالقطيعة، ووقع الإثم، وفرح الشيطان، وانقطعت الأرحام، ثم تبدأ سلسلة من المخاصمات القضائية، والملاسنات، والمهاترات، وتتعامل المحاكم حيال ذلك بالقواعد القضائية العامة، مراعية ظروف القرابة نازعة للصلح والتسوية قدر الإمكان. وقال إنّ التربية الإسلامية القويمة من قبل الأب والأم لها الأثر الكبير على أولادهما في علاقتهم ببعضهم، وفي علاقتهم بإخوانهم وأخواتهم غير الأشقاء، حيث العدل في العطاء والتسوية في التعامل وغرس القيم الفاضلة، كاحترام الكبير، ورحمة الصغير، وتقديم مصلحة الأسرة على مصلحة الفرد، واستشعار فضيلة صلة الرحم، وشناعة القطيعة في الدنيا والآخرة، وتجنب أسباب التدابر، وعدم إفساح المجال للغير ببث أنفاس التشكيك أو التخوين بين الإخوة والأخوات أثناء قيام الشركات أو قسمة التركات، واستشعار قيمة وجود الأخوة والأخوات، والتي تعتبر نعمة عظيمة تشد بهم الأعضاد والآزار. وأضاف أنّه من المهم تجديد وتمتين العلاقة بين الإخوة والأخوات، ونبذ أسباب الفرقة، والقطيعة، والاختلاف؛ طلباً لرضي الله سبحانه، وإدخالاً للسرور على الآباء، وصلة للرحم التي تكفل الرحمن بوصل من وصلها، وتجنباً لقطيعة الرحم التي توعد الجبار بقطع من قطعها، وإرغاماً للشيطان وإظهاراً للوجه المشرق والمشرف للأسرة أمام المجتمع.