يُعدّ حب المال والثراء والكسب السريع أحد الأمور التي جُبلت عليها النفس البشرية، بيد أنَّ هناك من يسعى للحصول على المال بأيّ طريقةٍ، مشروعةً كانت أم غير مشروعة، وهؤلاء أزالوا من حياتهم تلك المقولة المشهورة "المال وسيلة وليس غاية"، خاصةً في هذا العصر الذي أصبح فيه البعض يُقيّم نفسه ومن حوله على أساس الرصيد "البنكي"؛ لدرجة أن كثيرا من أفراد المجتمع تحولوا إلى رأسماليين، وغدت معها مشاعرهم مثل "البورصة" تعلو وتهبط بحسب المد النقدي. وقد نجد حولنا أُناساً لا يبالون بما يجره اللهث وراء المال من تفكك أسري وتأثير سلبي على العلاقات الإنسانية؛ نتيجة انشغالهم بجمع المال على حساب تلك العلاقات، متناسين أهميَّة القيم والأخلاق في هذا الشأن، ولا ننسى هنا التأثير الذي ساهمت به بعض وسائل الإعلام عبر ما تبثه من برامج مسابقات تعد المشاهدين بالحصول على الملايين والذهب والسيارات والمنازل والأثاث، في ظل رغبة البعض في الحصول على المال والثراء السريع. سمة العصر "وقال "د.سليمان الحصيني":"الركض للحصول على المال بطرق مشروعة أو غير مشروعة سمة من سمات كل عصر، وهي تنشط حينما يضعف القانون، وتنحسر عندما يتم تطبيقه"، مُضيفاً أنَّ هذا الركض زاد بشكلٍ واضح في هذا العصر، موضحاً أنَّه عندما يشتغل الغالبية بالتجارة، فإنَّه يتم حينها وضع القوانين لحماية قلَّة من التجار وضياع حقوق المستهلك، والنتيجة كل يراها رأي العين. وأضاف أنَّه يجب أن نرجع لطبيعة الإنسان لفهم أيّ تصرّف فردي أو جماعي، موضحاً أنَّه إمَّا أن يكون قانونياً ويتبع كل ما هو مقبول أخلاقياً، مهما كانت النتائج، كأن يرضى بعمل شاق براتب زهيد ولا يسرق حتى لو أمن أنَّه لن يُكشف أمره، أو يكون انتهازياً قانونه الغاية تبرر الوسيلة. وأشار إلى أنَّ كل مجتمع يحتوي على كلا النوعين، فإن تمكن الأول من الحكم ساد القانون والعدل؛ لأنَّ هذا النوع سيحمي الحقوق والقيم حتى على نفسه ومن حوله، بغض النظر عن الدافع إن كان دينياً أو اجتماعياً أو تربوياً، مضيفاً أنَّه في حال ساد النوع الثاني فإنَّ من هم تحت سيادته سيرون الجحيم؛ لأنَّه لا رادع له في هذه الحالة، لافتاً إلى أنَّ القانون الوحيد الذي يضمن صاحبه أنَّه لن يقع في الخطأ هو اﻹحسان، وهو أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك، مؤكِّداً على أنَّ القانون يُخرق عند غياب الرقيب. المال وسيلة وليس غاية نصل إليه بالكذب والغش وأكل أموال الناس روح التملّك وأكَّد "يوسف الغامدي" -أخصائي اجتماعي- على أنَّ هناك أُناساً لا يستمتعون بما يملكون ويلهثون وراء ما لا يملكونه، ظناً منهم أنَّهم سيجدون السعادة والراحة؛ ممَّا يجعل البعض يتخلَّى عن قيمه في سبيل الحصول على المال بأيّ طريقة كانت، ومن هذا المنطلق غدت حياة البعض في صراع مع الآخرين ومع كل ما يدور من حوله، معتقداً أنَّه سيُثبت وجوده وحضوره بقدر ما يملك، مُشيراً إلى أنَّ السيارة والبيت والذهب والرصيد في البنك والأملاك باتت كلها رغبة صريحة وواضحة يعلن من خلالها البعض عن قيمتهم ووجودهم. وأضاف أنَّ روح التملّك التي انتابت واكتسحت البعض دفعتهم ليعتقدوا أنَّ قيمتهم مرتبطة بقيمة الأشياء التي يملكونها، لافتاً إلى أنَّ هؤلاء لا قيمة لهم في الحياة. صورة قاتمة وأوضح "د.محمد المحيسني" -أخصائي علم نفس تربوي بجامعة نجران- أنَّ الصورة تبدو قاتمة حينما ننظر إلى الفروق بين الأغنياء والفقراء، ولكن عندما ننظر إلى المال كوسيلة لتحقيق العيش الكريم دون الركض وراء المادة، فإنَّ الصورة تصبح أكثر إضاءة وتفاؤلاً، مُضيفاً أنَّه ينبغي على الإنسان أن لا يعمل من أجل المال ذاته، بل يعمل من أجل التعلم واكتساب الخبرة، مُشيراً إلى أنَّه إذا تعلمت وزادت خبرتك وتعددت قدراتك وقدمت للناس مايفيدهم، فإنَّ المال سيأتيك حتماً، إذ إنَّ المعرفة والخبرة والعمل تؤدي إلى كسب المال. وأضاف أنَّ المال ليس هدفاً، ولكنَّه نعمة نصل بها إلى تحقيق السعادة والرفاهية والعيش الكريم، موضحاً أنَّ على كل من يريد كسب المال والمحافظة عليه أن يعرف الفرق بين الأصول والخصوم، مُبيِّناً أنَّ الأصول هي الأشياء التي تضع المال في جيب الفرد، أمَّا الخصوم فهي الأشياء التي تخرج المال من الجيب، مُشيراً إلى أنَّ الفرق بين الغني والفقير هو التصرف الذي يبديه كل منهما حيال الأصول والخصوم؛ لذلك فإنَّ المحافظة على المال تتم بأن تكسب أكثر ممَّا تنفق، لافتاً إلى أنَّ المحافظة على الثروة أو المال أصعب أحياناً من الحصول عليه، مؤكِّداً على أنَّ المحافظة على المال تتم بالصرف المتوازن والبحث عن الفرص والأمان والاستثمار الجيد. الوازع الديني وبيَّنت "هدى السعدي" –أديبة- أنَّ الوازع الديني هو الرادع للباحث عن المال بأيّ صفة قبل القانون، مُضيفةً :"لو سأل كل منَّا نفسه: لماذا لا أسرق كي أصبح ثرياً؟، فإنَّ الإجابة المتوقعة من قبل الأغلبية هي: لأنَّ ذلك حرام، أو لن آكل مالاً حراماً يعود عليّ بالمضرة في الدنيا، والعقاب في الآخرة، أو الدنيا ما تسوى، أو أخلاقي ما تسمح، أو أنا لست بسارق، أو أنا أكبر من ذلك"، مُشيرةً إلى أنَّه من المهم أن يكون الفرد محترماً أمام نفسه، وأن يبقى الخوف الأدنى لديه أخلاقياً. وأضافت أنَّ القانون يبقى رادعاً حتى عندما لا يتعارض مع المبدأ، موضحةً أنَّه هنا سلطة القانون، أما الوازع الذاتي دينياً كان أو أخلاقياً فهو ليس ضمن سلطة القانون؛ لأنَّ الدين والمبدأ يبقى رادعاً بدون وجود عقوبة القانون، مشيرةً إلى أنَّ القانون يقف رادعاً للمبرر النفسي، بمعنى أنَّ الخوف من العقوبة يكون بسلطة القانون، أيّ سوف أُسجن ،سوف أُعاقب. حياة كريمة وقال "د.منصور العتيبي" -مستشار أسري-:"أعتقد أنَّ سبب العديد من المشكلات المالية يكمن في طمع وجشع النفس البشرية، فهناك من يسعى إلى جمع المال بطرق مختلفة شرعية وغير شرعية، حتى أصبح هذا الأسلوب منهج حياة للبعض، كما أنَّ هاجس هؤلاء أصبح جمع المال للاغتناء والوصول إلى الثراء بغض النظر عن الوسيلة"، مُضيفاً أنَّ الهم الأوحد للعديد من الناس أصبح يتمثَّل في كيفية جمع المال، مُشيراً إلى أنَّه رغم أهمية السعي لأن يحيا الفرد حياة طيبة كريمة، إلاَّ أنَّه ليس بالضرورة أن تأتي هذه الحياة عبر الغنى والثراء، بل من خلال البساطة والاكتفاء. وأضاف أنَّ بعض الأغنياء يندبون حظهم اليوم، وفي كل يوم نسمع العديد من القصص التي تؤكد هذا الأمر، ومن ذلك قصة ذلك التاجر الذي كان يروي حكمة لأحد الشباب قائلاً له: "لقد أمضيت أجمل وأغلى سنوات عمري في تنمية أعمالي التجارية كما تفعل أنت الآن، وبعد أن كبرت وانتهيت إلى ما ترى وجدت أنَّني فقدت الكثير ممَّا لا يمكن تعويضه، وخرجت بدرس ثمين يمكنك أن تسميه (حكمة الشايب)"، لافتاً إلى أنَّ المصالح أصبحت تتحكم في حياة الناس وتحدد اقترابهم وابتعادهم من بعضهم البعض. البحث عن الثراء السريع يعرضك للخسارة دائماً دفء العلاقات وأشار "د.العتيبي" إلى أنَّه نادراً ما يتصل أو يطرق الباب شخص لا يريد مصلحة أو خدمة أو مالاً، مُضيفاً أنَّ أيامنا الحالية اختلفت عن أيام زمان، حيث كان دفء العلاقات والطيبة والتسامح والإيثار والنخوة هو ما يجمع العديد من أفراد المجتمع، رغم بساطة الحال وقلة المال، موضحاً أنَّ المشاعر الإنسانية كانت هي الأقوى بين الناس، لافتاً إلى أنَّ كتاب "سيكولوجية المال" للدكتور أكرم زيدان بيَّن ذلك، باعتبار النقود ظاهرة نفسية تعمل على المستويين الفردي والاجتماعي. وأكَّد على أنَّه بيَّن أيضاً أنَّ النقود تؤثر في الوجدان والإدراك، باعتبارها مصدراً للقوة والحرية والمكانة وتقدير الذات، ويتحدد من خلالها علاقة الإنسان بالآخرين، مُشيراً إلى أنَّه بحث أيضاً في الدور السلبي الذي يؤديه المال في قضايا البخل والرشوة والنصب والاحتيال، وغيرها.