عجيب أمر هذه النفوس التي بين جنبينا، نظن كثيراً أننا نفهمها ونعرف من هي ولكن الحقيقة أنها تفاجئنا بجبروتها وطغيانها وظلمها عندما تشعر أنها قادرة أو غنية، وخالقها سبحانه أعرف بها حين قال جل شأنه « كلا إن الإنسان ليطغى، ان رآه استغنى »، فالإنسان المغرور بطبعه حين يرى نفسه أنه بدأ يستغني بنفسه وماله عن الناس تفوح منه رائحة عفنة ويبدأ من حيث لا يعلم يصدق وهم الاستغناء ووهم القوة ووهم الجبروت الكاذب، فيبدأ يحكم على الأشياء من منظور آخر غير ذلك المنظور الذي كان يتطلع منه عندما كان الفقر والحاجة للناس هي حاله، وعندما كان منكسراً أمام عظمة الله، لكن الآن اختلف المنظار وأصبح يستحل ماكان حراماً، ويتأول ويتحايل على كل المنهيات، وأصبحت قوته الجديدة توحي له بالقدرة على قفز حواجز الممنوع وتجاوز لافتات العيب، والضرب صفحاً عن ماكان يعرف عنده بالنخوة والفروسية والرجولة وأخلاق النبلاء، وسوف يظل يطل من هذا المنظار الجديد حتى يمله وسيبحث عن منظار جديد بعدها ليتناسب سعة وجدة مع القدرة المالية الجديدة ويتناسب مع الطبقة المخملية التي لابد أن ينتسب لها، وهذا المنظار بلا شك سيكون أقل قيوداً وأوسع حدوداً من السابق، وسوف يبيح له استخدام القوة والظلم ليضيف إلى أرقامه أصفاراً إلى اليمين بأسرع وقت، حيث إن العمر يجري والفرص لا تتكرر..!!... ما لم يرب المرء نفسه على القناعة، وما لم يصدق الإنسان الكذبة المشهورة التي صدق عليه بها إبليس ظنه، فاتبعه الإنسان ليجرب الإنسان خطيئة من قبله من بني الإنسان بنفس الخطوات ونفس النتيجة المتكررة دائماً، لأن سنن الله في الكون لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحداً، ومع ذلك يكرر الإنسان نفس الخطأ ويكرر نفس الفهم البائس للحيلة القديمة التي تكررت على الأقدمين، ويبقى الإنسان يكررها دائماً لأنه يظن نفسه هو غير، وهو نسخة فريدة غير مكررة ولا معادة، وأنه لن يخرج بالنتيجة الحتمية لطريق الطغيان بسبب الغنى والاستغناء، فيخدع نفسه ويفشل في اختبار الحياة التي لن يعيشها إلا مرة واحدة، بدل أن يكون غناه عوناً له على تذكر الماضي والإحساس بالمعوزين والفقراء، وتذكر مشاعر الماضي، ونسبة الفضل إلى صاحب الفضل الكريم سبحانه وتعالى، ولكنه نسى الله فأنساه نفسه، فصدقت المسكينة أنها إنما أوتيت هذا الخير على علم عندها أو أنها استحقته كابراً عن كابر، وعلى دروب الخير والتواضع لله نلتقي..