يدهشني أحيانا طموح بعض كتابنا العرب الأفاضل في أن يكونوا كتابا عالميين!! وأندهش أيضا من الحاحهم الدائم، ودوافعهم الخفية في الرغبة في النبوغ العالمي من خلال ترجمة أعمالهم العربية إلى الآداب الأخرى التي ينظرون اليها على أنها محطات وصول إلى الانتشار، وإثبات الذات، والخروج من ذلك الشعور بالدونية تجاه الآخر المتقدم!! كما هو معلوم فلقد ظلت ترجمة أدبنا إلى خارج نطاق عالمنا العربي، أو عالمنا الثالث، الذي تحول بسبب من بعض العوامل، لا مجال لذكرها الآن إلى كومة من الخردة في جانب من جوانبه. لذلك ظلت ترجمة هذا الأدب تمثل اعترافا بالقيمة، واللواذ إلى العصر، وإثباتا بأننا والحمد لله، أمة حية، تبدع أدبا جديرا بمزاحمة الآداب الأخرى على مستوى المعمورة. حتى جاءت جائزة نوبل للكاتب الكبير نجيب محفوظ لتوهمنا أن الأمر لن يحتاج منا إلا إلى فركة كعب ونكون بإذن علام الغيوب وسط نادي الآداب المترجمة إلى اللغات الأخرى!! وبالرغم من أن جائزة نوبل نفسها ظلت عند الأديب الكبير في حجمها الطبيعي تتويجا لعمل من الجهد والعرق!! أذكر أنه قبل أن يحصل عليها بأيام شاعت إشاعة أنه سوف يحصل عليها. يومها كنا نجلس حوله بكازينو قصر النيل، وحين أخبرته بالأمر نظر ناحيتي منفعلا وقال لي: أى نوبل؟! يا رجل نريد أولا أن يقرأنا أهلنا. ثم ذكرني بعدد النسخ التي يبيعها أي كاتب عربي!! بعد هذه الجائزة ظن العديد من الكتاب العرب (بالذات الروائيين) أن الطريق قد انفتح أمامهم، وأن نوبل محفوظ بمثابة المعجزة التي سوف تضع أدبنا العربي على طريق العالمية واعتقدوا أن التجربة اللاتينية، وكتابها الكبار، تم انتشارها على مستوى العالم واكتشافها المدهش لطرقها في السرد الحديث، وأخيرا حصول كاتبهم الكبير استورياس على نفس تلك الجائزة ربما كانت السبب في انتشار ذلك الأدب على مستوى العالم!! غاب عن بعض تصورات مبدعينا الأفاضل أن الأدب اللاتيني هو جزء من ثقافة الغرب، وانه باهتمامه وقدرته على تقديم واقع جديد له سمات مشتركة عن الضواحي، والكشف عن ذلك الواقع الفطري، وتصويره بردود أفعال العنف والمظالم لسكان هذه الجهات الأكثر شفافية والتي يسكنها كائنات شبيهة بالأساطير!! وبالتالي كان حظ هذا الأدب من الشهرة والرواج كبير. أوائل التسعينيات من القرن الماضي بدأ اهتمام الغرب بالأدب العربي يثير الدهشة. لقد تم الاهتمام بترجمة الآداب التي تتناول أحط ما في مجتمعاتنا من مظاهر: الجنس المحرم، والاستبداد، وعلاقة المواطن بالخرافة والسحر وتلك المناطق العشوائية، وقضايا المرأة، واستدعاء الماضي، والكشف عما يجري في عالم الحريم من غرائب. كان الهدف تقديم –عبر الترجمة– كل ما يسئ لعالمنا العربي. وبالفعل تمت ترجمة بعض الأعمال، والروايات قليلة الأهمية. أصحاب هذه الأعمال تلبسهم الإحساس بالأهمية، وتضخمت مشاعرهم بأنهم قد أصبحوا عالميين. في الحقيقة الغرب لم يهتم إلا بالكتاب المهاجرين من العرب، الذين يكتبون بلغته، ويحملون أعراقهم القديمة، ويعرفون الواقع الذي عاشوا فيه سابقا، ويبدعون بتلك اللغات كل هذه العوالم بلغة الآخر، ومجازاته الفنية بالإشارات والدلالات. أنا شخصيا اندهشت من أحوال البعض الذين ترجمت أعمالهم!! وكلما تابعت ما يثيرونه من ضجيج ودعاوى، يحاولون فرضها على الناس باعتبار أنهم اصبحوا والحمد لله كتابا عالميين، وجزءا من ثقافة هذا الآخر!! في الحقيقة أن تكون كاتبا عالميا، فهذا شيء يشرح الصدر، ويجعلك على مدار العالم تباشر حياتك باعتبارك عالميا تعيش لسوء حظك في واقع يتسم بالمحلية!! وأنا باعتباري كاتبا محليا حتى النخاع، لم يكتب سوى القصة القصيرة، ويعيش وسط كتاب وشعراء يعيشون محليتهم بدرجة عالية من الرضا والقبول، ناظرين إلى حكاية العالمية هذه باعتبارها حالة تفطس من الضحك، بالذات عندما يقابلك واحد من هؤلاء العالميين ويعاملك باعتباره عالميا، واعتبارك أنت محليا، ماتزال تكتب عن البشر المحليين، والقرى المحلية، والأحياء المحلية والمقاهي المحلية، وتشترك في المظاهرات المحلية، في الميدان المحلي!! أتذكر -بكل التواضع- أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قد ترجمت لي انطولوجيا من قصصي. وان دار "آكت سود" الفرنسية ترجمت مجموعة "كشك الموسيقى" بترجمة المستعربة "استيفاني دو جوليو"، وانه قد نشرت لي العديد من القصص في مجلات قنطرة وبنيبال والأهرام ابدو وغيرها. وبالرغم من ذلك مازلت أشعر طوال الوقت أنني من عتاة المحليين، واليكم هذه الحكاية عن أهم مصدر من مصادر العالمية. ترجم لي الدكتور العراقي سامي ستار ومترجمة ألمانية مجموعة كاملة إلى تلك اللغة.. فرحت بالأمر والألمان أسياد من يقرؤون، وربك جابر للخواطر ومع الترجمة الفرنساوي والانجليزي وخطوة وتقفز إلى العالمية. انتظرت صدور الكتاب، ولما ضاقت النفس نسيت الأمر، وأخيرا وصلني من المترجمة الألمانية والدكتور العراقي خطابا و C.D عليه النص الألماني، وفي الخطاب يرجونني رجاءً شديدا أن ابحث لهما عن ناشر في مصر ينشر لهما الكتاب!! تصور!! بعد ذلك، ولخوفي الشديد من أي عالمية، قبضت عليّ محليتي بالنواجز، ودعوت الله ألا تفارقني حتى آخر نفس.