جهود سعودية لإعادة سوريا للواجهة وتحقيق أمنها وسيادتها    بيدري: الكلاسيكو يمنحنا الحماس لتحقيق اللقب    أمانة الشرقية تطبق حلولًا مستدامة في مشاريع الطرق    أمير الرياض ونائبه يعزي وزير السياحة في وفاة شقيقته    أمير الرياض يستقبل سفير كينيا المعين حديثًا لدى المملكة    نائب وزير الخارجية يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية بمملكة إسبانيا    البريك تعزي عضو الجمعية العمومية الشباج في وفاة زوجها    استولوا على أكثر من 2.8 مليون ريال.. شرطة منطقة مكة تقبض على محتالي سبائك الذهب المزيّف    بعد عاصمة ولاية الجزيرة.. الجيش السوداني يسيطر على مجمع «الرواد»    برعاية الملك.. انطلاق "مؤتمر الحج 2025" في جدة.. غداً    المراعي تحقق نجاحاً في تطبيق حلول (SAP) لدعم التوسع الاستراتيجي    استشهاد وفقدان قرابة 5000 فلسطيني شمال قطاع غزة    ميل جيبسون يفجّر مفاجأة: مؤامرة وراء حرائق لوس أنجليس!    أمير الشرقية يطّلع على التقرير السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    مركز القلب بمستشفى الملك فهد الجامعي يحقق إنجازًا جديدًا في علاج أمراض القلب والرئة المعقدة    «الصحة العالمية»: تسجيل أكثر من 14 ألف حالة إصابة مؤكدة بجدري القرود في أفريقيا    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب وسط إثيوبيا    تجربة استثنائية لمشاهدة أسرار مكة والمدينة في مهرجان الخرج الأول للتمور والقهوة السعودية    مركز الملك سلمان للإغاثة يحصد 5 جوائز دولية خلال عام 2024    المياه الوطنية تشرع في تنفيذ حزمة مشاريع لتطوير الخدمات البيئية بجدة ب42 مليون ريال    وزراء خارجية جمهورية العراق وتركيا يصلون إلى الرياض    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    5 طرق لضبط مخاطر مرض السكري    خبير أرصاد: بدأنا موسم «الرياح الماكرة»    40 شاعراً وأديباً من 15 دولة يشاركون في «فرسان الشعري»    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    نجوم لبنان يتنفّسون الصعداء ويحتفلون بانتخاب الرئيس    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    شرطة للنظافة في «الدار البيضاء»    تبرعوا بالأقراص وشاركوها    في ختام الجولة ال 16 من دوري" يلو".. الطائي يستضيف أبها.. والعين يواجه الفيصلي    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    الهوية ودورة الحياة للمكون البصري    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    الزعيم العالمي خماسية وصدارة.. الفيحاء يفرمل العميد.. السكري يسدد فاتورة الكأس    تحية لسالم الدوسري    وفاة والدة فهده بنت فهد آل سعود    «جوجل» تتيح إنشاء بودكاست شخصي    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    وصول الطائرة الإغاثية التاسعة مطار دمشق.. مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية للمناطق السورية    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    فصيلة دم «o» أقل عرضة لأمراض القلب    متى نقترب من النسبة الصفرية للبطالة ؟    جوارديولا: ووكر طلب الرحيل عن مانشستر سيتي    هل أشرقت شمس النصر الجديد؟    ماتياس والرئيس    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    الديوان الملكي: وفاة والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماهي الردة الاجتماعية ؟
نشر في الرياض يوم 06 - 06 - 2014

يُمكن تعريف الردة الاجتماعية على النحو التالي: هي سلوك جمعي مناف لصيرورة التطوّر وفلسفة الدين، يُترجِم فعلاً إرادياً أو قسرياً غير عقلاني، صادماً للروح.
والردة الاجتماعية، بهذا المعنى، تعبر عن أزمة هوية وتيه ثقافي، وتعكس مأزقاً حضارياً.
وقد شهدت مناطق مختلفة من العالم، في الشرق والغرب، مظاهر اقتربت من كونها ردة اجتماعية، تأسست على تيه فلسفي، أو أساطير متوارثة، لكنها التصقت غالباً بجماعات محددة، ولم تكتسب طابعاً مناطقياً محدداً.
في العالم الإسلامي، لم يكن من السهل على أحد دفع الناس نحو ردة اجتماعية، لأن في ذلك صدام صريح مع الدين، من شأنه إثارة الرأي العام وتأليبه.
وفي الأصل، فإن الردة الاجتماعية، في جوهرها ومكنونها، تمثل نقيضاً تاماً للدين، وذلك من حيث اصطدامها مع فطرة الإنسان، التي جاء الأنبياء والرسل ليؤكدوا عليها.
وعلى الرغم من ذلك، شهدت البلاد الإسلامية حالات من التطرف في الرؤية وقراءة النصوص الدينية، قادت إلى سلوك متصلب، كاسر لفطرة الإنسان، ومجاف لمكنون الروح. وكان بالتالي بعيداً عن جوهر الإسلام وأصل فلسفته.
هذه المقاربة، الجامدة والمتصلبة، وجدت طريقها إلى العالم الإسلامي في حقب زمنية مختلفة، إلا أنها لم تعبر عن رأي عام إسلامي، بل اصطدمت مع غالبية المسلمين، وتصدى لها جمهور الفقهاء، على نحو صريح.
العقد السادس من القرن العشرين الميلادي، شهد ميلاد ما يُمكن اعتباره باكورة الفكر المتصلب الجديد. أو لنقل النسخة الجديدة للرؤية المتشددة للإسلام. وهي رؤية بدت جامحة ومتطرفة، وقادرة على التأسيس لردة اجتماعية، وإن موضعية ومؤقتة.
لقد قالت هذه الرؤية بتكفير المجتمع والدولة، والنظر إلى الكثير من العادات والتقاليد السائدة على أنها عادات وتقاليد جاهلية.
في العقد السابع من القرن العشرين، بدأت هذه الرؤية تأخذ طريقها إلى دول الخليج العربي، وذلك مع موجة الهجرة القادمة من مصر. ورويداً رويدا وجدت لها أنصاراً ومحازبين كثر في هذه الدول.
وشاءت الأقدار أن ينتهي العقد السابع بأحداث الغزو السوفياتي لأفغانستان. وهنا، كان المنعطف التاريخي للقوى المتطرفة.
في معسكرات أفغانستان، جرى تأصيل الفكر المتطرف ليغدو أكثر تطرفاً. وفي دويلات المناطق والأقاليم التي تشكلت على الأراضي الأفغانية، وجد هذا الفكر كامل الرعاية والتشجيع، وبات منهاجاً يجري تعليمه لحملة السلاح ومن حولهم، وللمواطن الأفغاني البسيط، الذي وجد نفسه تحت رايات تتحالف يوماً، وتتصارع في يوم آخر.
ولاحقاً، تُوّج مسار زراعة التطرف في أفغانستان، بظهور تنظيمات وحركات محلية، وأخرى عابرة للدول، أعادت إنتاج الفكر التكفيري، الذي ولد في مصر في ستينيات القرن العشرين، مؤطراً بمنطق مواجهة الدولة والمجتمع معاً.
وشهد العقد التاسع من القرن العشرين عدداً من التفجيرات والاعتداءات التي طاولت منشآت عامة، داخل البلاد الإسلامية وخارجها، تحت شعار مواجهة الحكومات وحلفائها في الخارج.
ومع مطلع الألفية الثالثة للميلاد، دخل العالم برمته مرحلة جديدة على صعيد انتشار الفكر التكفيري، وتمكنه مالياً وتنظيمياً. وحيث وجدت هذه المرحلة إحدى معالمها في العنف المعولم، الذي ضرب مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، من نيويورك إلى بالي.
وفي هذه المرحلة، ظهرت العديد من التنظيمات والجماعات التكفيرية، التي انبثقت من تنظيمات أوسع، أو أعلنت لها المبايعة والولاء، ومهرت نفسها بختمها وشعارها. وقد حدث هذا في كل من العراق واليمن وتونس والجزائر ومصر.
وخارج الوطن العربي، حدث ذلك في إندونيسيا ونيجيريا ومالي وباكستان، ودول ومناطق أخرى عديدة.
في وقتنا الراهن، هناك أزمات أمنية وسياسية وإنسانية، ناشبة عن جرائم الجماعات التكفيرية في الدول المتواجدة فيها. وهي أزمات ضاغطة على مسار الدولة، وكابحة بدرجات متفاوتة لفرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المشهد الأكثر بشاعة هو الذي ترسمه الآن الجماعات التكفيرية في سوريا، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة.
إن تنظيمي داعش والنصرة يقدمان اليوم في سورية الصورة الأكثر دموية وإجراماً للإرهاب التكفيري على صعيد العالم قاطبة.
إن داعش والنصرة ينحدران من ذات الأصول الظلامية الحالكة، ويعبران أشد تعبير عن ردة اجتماعية موغلة في الضحالة والتحجر، والجهل بالدين ومقاصده السمحة.
ميدانياً، يتجلى الفرق بين داعش والنصرة في تمركز الأولى في المحافظات السورية الشرقية، وخاصة الرقة، التي أعلنتها إمارة إسلامية، وفرضت فيها الجزية على المواطنين السوريين، من أتباع الديانة المسيحية.
أما جبهة النصرة، فهي تنتشر في مناطق مختلفة من سورية.
كل من داعش والنصرة تتمتع بإمكانيات مالية كبيرة جداً، وتفوق المصاريف التشغيلية السنوية لكل منهما المليار دولار سنوياً، بما في ذلك مصاريف التسليح الجارية على قدم وساق.
مصادر تمويل داعش لا تبدو مكشوفة تماماً. أما مصادر جبهة النصرة فهي معروفة للجميع، وتكاد تكون شبه معلنة، بل هي أشبه بالسر المعلن، إن صح التعبير.
هناك دفق هائل ومنتظم من المال يصل شهرياً لجبهة النصرة، يجري تسليم الكثير منه نقداً في مستوعبات.
وإضافة إلى التمويل المتأتي عبر الصناديق والمستوعبات العاتية، فإن بعض ما تحصل عليه جبهة النصرة يأتي، للأسف الشديد، من خلال التبرعات التي تجري في المساجد والجمعيات الخيرية في بعض الدول العربية. وينطبق هذا الأمر أيضاً على مصادر تمويل تنظيم داعش.
في الخليج العربي، انطلقت منذ ثلاث سنوات حركة دعم إغاثي واسعة، كان عنوانها مساعدة النازحين السوريين في الأردن ولبنان، وأينما وجدوا.
وقد وجدت هذه الحركة تعاطفاً عفوياً من الناس في مختلف مدن وبلدات المنطقة، وما يجري جمعه كان ولا يزال يقدر بعشرات الملايين من الدولارات شهرياً في المعدل.
الأكثر من ذلك، قد يستغرب البعض إذا علم بأن حملة تبرع جرت العام الماضي في إحدى دول المنطقة، على مدى ثلاثة أسابيع فقط، قد اسفرت عن حصيلة تقدر بنحو خمسمائة مليون دولار.
وفي إطار هذا التعاطف العفوي، أقدمت آلاف النسوة الخليجيات على بيع ما لديهن من ذهب ومجوهرات. وهناك أرقاماً متفاوتة لقيمة ما تم بيعه حتى الآن، لكنها تبقى أرقاماً كبيرة في المجمل.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الناس الطيبين والبسطاء جرى تضليلهم في حالات عدة، وما كان يفترض أن يذهب للمرأة السورية النازحة في الأردن أو لبنان، ذهب لقتل النساء السوريات في حمص وريف اللاذقية.
لم تذهب الأموال، الصادقة والنبيلة، لإغاثة السوريات، بل ذهب إلى جبهة النصرة لتفخخ به السيارات وتفجرها في أحياء حمص، وتقتل مئات المدنيين في كل عملية إجرامية تنفذها.
هذه للأسف نهاية المطاف، أو لنقل نهاية التضليل والخداع، الذي يقع ضحيته الطيبون.
إن القوى الحية في المجتمع المدني يجب أن تنهض بدور المرشد والحارس.
الدور الأول يتمثل في ارشاد الناس إلى الطريق الصحيح الذي يُمكنهم من خلاله تقديم العون الإغاثي للنازحين السوريين في مخيماتهم المختلفة.
أما دور الحارس، فيتجسد في قطع الطريق على القوى التحريضية، والحيلولة دون تضليلها للناس، وتحويل أموالهم إلى غير وجهتها الخيرية المطلوبة.
والمطلوب من الناس جميعاً في هذه المنطقة أن تفيق قليلاً، فلا يجوز لأحد أن يغمض عينيه، أو أن يتعامل بعفوية مفرطة، لأنه لا يصح، في نهاية المطاف، دفع المال إلى القتلة وسفاكي الدماء ومنتهكي الحرمات.
وإن من يُريد إغاثة النازحين السوريين في الخارج أو الداخل عليه أن يدفع المال لأناس من أهل الثقة والضمير الحي، بحيث يُمكنه التأكد من خلالهم بأن ماله قد وصل إلى مستحقيه، لا إلى القتلة والمجرمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.