تزوج سعد من ريم ورزقهما الله طفلا جميلاً أسمياه ياسرا. ولكنه كان مزعجا يبكي كثيراً ويملأ المنزل صراخاً لم يعتد عليه الأبوان اللذان تزوجا حديثاً ولكنهما لم يكونا يمانعان في وجود مثل هذا الإزعاج. لاحظت ريمٌ أنه كلما بكى ياسرٌ انتفخت خصيته اليمنى التي سرعان ما تعود الى مكانها ويختفى انتفاخُها بمجرد ما يتوقف ياسرٌ عن البكاء. ذكرت ريم ذلك لزوجِها والذي لم يبدي اهتماماً بذلك في بداية الأمر. سارعت ريم الى أمها تسألها عما إذا كان الذي بياسرٍ أمرا عادياً لا يجب الالتفات له. قامت الجدة ذات السبعين عاماً وفحصت سرة حفيدها الغالي وقالت عن دراية وخبرة السنين بأنه فتق في العانة وأنه لو كان في السرة حيث مكان الحبل السري فإنه غالباً ما سيختفي عندما يكبر ياسر ونصحتها بأخذه لطبيب العائلة في صباح الغد لكي يطمئن قلبها على ابنيهما. شكرت ريم أمها وأخذت ابنها وعادت لمنزلها وقد هدأ خاطرها قليلا خاصة وأن أمها قد ولدت سبعة أبناء هي ثامنتهم. في اليوم التالي أخذت ياسر لطبيب العائلة القريب من منزلها. قام الطبيب بفحص ياسر جيداً ففحص السرة أولاً فوجدها سليمة معافاة، ثم قام بفحص العانة اليسرى أولاً فوجدها سليمة لا سقم بها ولا ضرر. وأخيراً فحص العانة اليمنى فوجد أن ياسر لديه فتق بها وأن هناك تجمع سوائل في الخصية اليمنى كذلك (وهو ما يعرف بالقيلة المائية). هنا تنازعت الأفكار ريما وسيطرت الأوهام والهواجس على تفكيرها. فنزلت بسيل منهمر من الأسئلة على رأس الطبيب الأصلع، سائلةً إياه هل هذا فيه خطر على حياة ياسر وهل سيمنع ياسر من الإنجاب مستقبلاً وهل هذا هو الفتق الوحيد يا دكتور وهل أنت متأكد من ذلك وكيف يمكن حل هذه المشكلة وهل ستعود في المستقبل بعد العلاج، وهل.. وهل ..... الخ. لم يرحم الطبيب من هذا الهجوم إلا تدخل والد ياسر والذي سأل ماهي الخطوة القادمة يا دكتور؟! الفتق هو ضعف في جدار البطن ينتج عنه خروج جزء من الأحشاء الداخلية من خلال ثقب كبير أو صغير إلى خارج جدار البطن لتصبح تحت الجلد (ما عدا فتاق الحجاب الحاجز) وهذا بالتالي بسبب الما على أحسن الظروف ولكنه قد يؤدى إلى مضاعفات خطيرة جدا. أما الفتق الأُرْبِي هو بروز محتويات جوف البطن ضمن القناة الأربية. تعتبر الفتوق الأربية من الحالات الطبية الشائعة، ويعد إصلاحها من أشيع العمليات الجراحية. يصاب الذكور بالفتق الإربي أكثر من نظرائهم الإناث والذي قد يحدث في جميع الأعمار. فبالنسبة للكبار ولكل من شب عن الطوق فإن سبب حدوثه هو وجود ضغط داخل تجويف البطن أكثر ممالايتحمله جدار البطن مثال ذلك حمل الأشياء الثقيلة، والكحة المزمنة، والإمساك المزمن، والحمل والولادة لدى السيدات. أما عند الأطفال فالقصة تبدأ في الرحم عند تخَلُّق الجنين حيث تتكون الخصيتان داخل تجويف البطن ثم ينزلان تدريجيا في أثناء رحلة النمو حتى يخرجان من الفتحة الاربية إلى كيس الصفن (وهو مكان الخصيتين الطبيعي). وخلال هذه الرحلة قد تحدث بعض المعوقات التي تؤدي الى: 1. أن تقف الخصية في مرحلة فلا تصل لمكانها الطبيعي (كيس الصفن)، مما يجعلها معلقه خارج الكيس وهذا ينتج عنه مرض الخصية المعلقة (أي التي فشلت في النزول إلى الكيس) وهذه يجب انزالها جراحيا قبل مرور عامين على الولادة للمحافظة على وظيفتها وعدم ضمورها في مكانها غير الطبيعي وتعرضها لتحور لورم سرطاني في المستقبل 2. العيب الخلقي الثاني هو أن تصل الخصية الى كيس الصفن ولكن دون أن تقفل البوابة التي خرجت منها -من البطن- الى كيس الصفن مما يكّون كيس فتاق في الفتحة الاربية وهذا الكيس قد يظهر عند الولادة (ويجب إصلاحه في أقرب فرصة) من أول يوم في عمر الطفل في حالة اختناقه 3. وقد يبقى هذا الكيس كامنا وينتج عنه فتاق أربي في أي عمر خصوصا مع I. كحة شديدة II. حزق شديد في الإمساك أو الولادة III. حمل أشياء ثقيلة يحدث أحيانا أن بعد نزول الخصية لكيس الصفن ينغلق كيسها ولكن جزئياً أي ينغلق الجزء الداخلي منه ويبقى جزء حول الخصية في كيس الصفن تتجمع فيه بعض سوائل الجسم وهذا ما يسمى القلية المائية. فقد تكون مصحوبة بوجود فتاق صغير أيضا لو كانت تتغير في الحجم أي تكون صغيرة في الصباح وتكبر في المساء. يسمي هذا النوع من الفتاق بالفتاق الإربي غير المباشر وهو ما يخرج كيسه من الفتحة الاربية وقد ينزل حتى كيس الصفن بأحجامه الكبيرة وهو النوع الشائع عند الصغار والكبار. وعكسه ما يسمى بالفتاق الإربي المباشر فهو يتكون من ضعف الجدار الخلفي للقناة الإربىة ولا يصل عادة إلى أحجام كبيرة. فعند حدوث فتاق اربي مباشر صغير الجحم لدى لمرضى المسنين دون أن يتسبب في أي أعراض فإنه يترك وشأنه. هناك إنسان لديهم القابلية بإصابتهم بفتوق بشكل عام أكثر من غيرهم بغض النظر عن مكان حدوث الفتق وهم: الأشخاص البدناء، والأشخاص الذين يعانون من الكحة والإمساك المزمنين، حملة الأثقال من الرياضيين – أو أصحاب المهن العنيفة التي تتطلب حمل أشياء ثقيلة وينتج عنها زيادة الضغط داخل تجويف البطن. الفتق عادة لا يشتكي المريض من أعراض سوى ظهور كتلة أو بروز في مكان الفتاق حيث إن أغلب أنواع الفتاق تكون بدون أعراض ولا تكتشف إلا مع ظهور مضاعفات مثل ألم نتيجة لخروج الأحشاء من تجويف البطن ودخولها بمفردها او بمساعدة المريض وهنا أنصح المرضى بوجوب محاولتهم إبقاء بالداخل ان أمكن في كل الظروف. يتم تشخيص الفتق الإربي من طريقة شكوى المريض بالإضافة للفحص السريري ولا يحتاج الطبيب الجراح لأكثر من ذلك الا في حدود ضيقة جدا مثل المرضى السُمّان الذين تحول سمنتهم دون وضوح العلامات السريرية للفتق أو الرياضيين الذين عادة ما يشتكون من ألم دون وجود انتفاخ واضح فهو ألم شائع في لا عبى كرة القدم بالذات، ينتج عن تمزق في عضلات الجزء الإربي من الحوض. يبدأ بألم شديد يختفي تدريجيا ويستبدل بألم متكرر مفاجئ يظهر أكثر مع حركات معينة. عند مثل هؤلاء المرضى يقوم الطبيب بطلب أشعة صوتية وأحياناً أشعة مقطعية لإثبات وجود الفتق. أما بالنسبة لمريضنا ياسر فإنه لزاماً على الطبيب طلب أشعة صوتية وذلك للتأكد من عدم وجود فتق صغير غير ملاحظ في الجهة الأخرى. إلا أن بعض الجراحين يستعيضون عن ذلك بوضع منظار داخل البطن أثناء عملية الفتق للتأكد من عدم وجود الفتق في الجهة الأخرى. يوجد في الوقت الحالي علاج وحيد لأي فتق في جسد الإنسان وهو الإصلاح الجراحي الذي يتم بغلق المنطقة الضعيفة وتقويتها بتركيب شبكة جراحية فيما عدا الأطفال. يستثنى من ذلك الفتاق السري للأطفال الذي عادة لا يحتاج علاج إلا بعد 3 سنوات إلا إذا كان ذا حجم كبير – أو يسبب مشاكل. ولا بد أخوتي القراء منن معرفة أن هناك نسبة لعودة الفتق من جديد بعد العملية الجراحية تصل الى 10% وقد تزيد يحددها مهارة الفريق الجراحي ونوع الفتق وأسباب ضعف العضلات وارتفاع ضغط البطن المزمن مثل: الإمساك المزمن – الكحة المزمنة – السمنة المفرطة.. الخ. لذا ينصح كثير من الجراحين مرضاهم بمعالجة السبب الرئيسي المسبب للفتق قبل اللجوء للحل الجراحي كإنقاص الوزن أولاً على سبيل المثال. في بعض الأحيان يتناسى المريض حكاية الفتق ولا يلقي له بالاً حتى تقع الفأس في الرأس ويصبح أمره حيص بيص ويضطره اضطرارا لأن يأتي الى طوارئ المستشفى كما حدث مع أم طارق (أنظر مقال الجمعة – 4/6/1435-الموافق 4/4/2014). حيث إنها كانت تشتكي من ألم عابر لوهلة وجيزة من فتق في بطنها ما يلبث أن يختفي مع الراحة ووضع بعض الكمادات الدافئة عليه. إلى أن جاءت تلك الليلة التي برزت احشاؤها في الفتق فلم تعد قادرةً على إدخالها مرة اخرى-وبدأ الألم يزداد مكان الفتق مع تحجره وتصلبه وشعرت بالغثيان الذي ما لبث أن تحول قيء مستمر أجلكم الله-مع عدم خروج ريح والآم حادة بالبطن وارتفاع في الحرارة. فتلك المسكينة التي أُصيبت باختناق أمعائها داخل الفتق مما أدى الى انسداد معوي وحدوث غرغرينا الامعاء وهي حالة خطيرة جدا على الحياة، تطلبت استئصال جزء من الامعاء مما منع استخدام الشبكة الجراحية في تصليح الفتق في هذه الحالة لوجود تلوث جرثومي عال مما يعنى أنها ستخضع لعملية إصلاح فتق مرة أخرى بعد أن تطيب مما جرى لها. يمكن لغرغرينة الامعاء ان تحدث في اي وقت فقد تحدث بعد اختناق الفتق بساعات وتتطلب جراحات معقدة وخطيرة على الحياة وقد تتطلب تحويل مجرى البراز في حالة غرغرينا الامعاء الغليظة واستعمال الفغارة الجانبية (الكولوستومي) وعمليات اخرى من بعد ذلك لإرجاع المجرى لطبيعته. من هنا أنصح كل قارئ وقارئة إن كان لديكم أو لدى أحد من أبنائكم فتق فلا تهملوه، راجعوا الجراح واستنيروا برأيه ودمتم بعافية.