في اليوم الخامس من مهرجان "كان" في دورته السابعة والستين، عرض الفيلم الأمريكي "فوكسكاتشر" Foxcatcher، للمخرج بينيت ميلر، وهو الفيلم المنتظر منذ 2013 وتم تأجيل عرضه من قبل الشركة المنتجة إلى عام 2014، ليشارك في المسابقة الدولية لمهرجان كان. وجاء عرضه الأول في مسرح اللوميير الكبير في أول العروض الصباحية. وتلا ذلك مؤتمر صحفي للمخرج وأبطال العمل الثلاثة تشانينغ تيتوم وستيف كارل ومارك روفالو بالإضافة إلى طاقم الإنتاج. يروي الفيلم قصة مستمدة من الواقع عن جريمة حدثت في بينسلفانيا، ولكنه ليس فيلماً بوليسياً، كما أنه ليس من الأفلام الرياضية، كما قد يبدو من تقديمه بأنه يتحدث عن عالم المصارعة, فهو يقع بين عدة أجناس سينمائية: حيث هناك دراما نفسية وهناك جريمة وهناك رياضة؛ الشخصية الرئيسية هي لمصارع لكننا هنا لا نرى "الثور الهائج" ولا نرى أيضاً "المصارع" بتنوعاته في عدة أفلام أخرى. فهناك ثلاث شخصيات رئيسية تتداخل أقدراها لتصل في النهاية إلى قدر مأساوي محتوم بحكم العلاقات غير المتكافئة والحالة النفسية التي يمرون بها. والجميل أن الفيلم وهو يتحدث عن كل هذا، يختزل الكثير ويترك عدة أمور تحت السطح دون الكشف المباشر أو الفج وبذلك فهو يمنح عمقاً أكبر للحدث. وقد ذكر المخرج في مؤتمره الصحفي أن الفيلم يطرح تساؤلات حول واقعة حدثت دون أن يأخذ موقفاً أخلاقياً معيناً أو نقداً سياسياً أو غيره وإن كان الكثير يمكن أن ينظر للفيلم بسهولة على أنه نقد الواقع السياسي والاجتماعي الأمريكي حيث المال هو المتحكم وهو القوة الكبرى التي تملك الصوت الأعلى. ستيف كارل تبدأ الأحداث بتلقي المصارع الحاصل على ميداليات ذهبية في المصارعة، مارك شولتز (تشانينغ تيتوم)، دعوة من شخص ثري من أصول أرستقراطية يدعى جون دوبون (ستيف كارل) للإقامة معه في مزرعته والالتحاق بمجموعة من الرياضيين في مركز تدريبه الشهير "فوكسكاتشر" وهو عنوان الفيلم. يُعرّف جون نفسه على أنه مدرب لكنه في الحقيقة لا يعرف شيئاً عن التدريب وإنما يريد أن ينافس أمه (فانيسا ريد جريف) التي تمتلك عدداً هائلاً من الخيول، والتي تكسب سباقات باستمرار، ويريد أن ينافسها في كسب الميداليات الذهبية من خلال فريق الرياضيين الموجود معه. يقبل مارك بالدعوة فرحاً لكن عين "دوبون" على أخيه ديف المدرب والمصارع والسبب الحقيقي وراء فوز مارك. يرفض ديف الانتقال في البداية ويفرح مارك بالانفصال عن أخيه وبعلاقته بدوبون لكن الأمور تأخذ منعطفاً وراء الآخر. وعلاقة مارك مع أخيه ديف (مارك روفالو) تصبح على المحك. لابد من الإشارة هنا إلى تميز السيناريو الذي كتبه إي ماكس فراي ودان فوترمان، فالقصة مكتوبة بشكل مختزل مكثف بأقل عدد ممكن من الحوارات. ويتناول السيناريو الشخصيات بعمق وخاصة شخصية جون وعلاقته بأمه التي تبدو أحد الأسباب الرئيسية فيما يعاني منه من اضطرابات، كما أن مارك الذي يعاني أيضاً من عدم ثقة بالنفس كأخ أصغر لديف وبقلة خبرة في الحياة، يبدو شخصية ضعيفة تجاه جون، وهذا منطقي ويفسر التحولات التي يمر فيها فيما بعد. وموطن القوة الآخر هو الأداء المتميز، فكارل لا يبدو أبداً بشكله المعروف وهو اختيار مدهش من المخرج، وقد سئل عن هذا في المؤتمر الصحفي وقال إنه كان في لقاء مع كارل وشعر بأنه هو المناسب للدور وعرضه عليه، فشخصية جون تبدو شخصية أخرى بعيدة تماماً عن كل ما قدمه كارل سابقاً وتظهر قدرة كاريل على الأداء بشكل عال. كما يظهر تشانينغ بشكل مختلف منذ اللحظات الأولى في الفيلم في طريقة مشيه وملامح وجهه، وقد ذكر تيتوم، أثناء المؤتمر الصحفي، أن مارك شولتز الحقيقي كان معهم في التصوير وشرح له الكثير من التفاصيل، وكان لديه مرجع واضح بوجود الشخصية التي يتقمصها أمامه طوال الوقت، وإن كان كما يقول قد شعر أيضاً بعبء مضاعف. كما أن كارل ذكر أيضاً أنه شاهد الكثير من شرائط الفيديو المصورة عن جون دوبون واستمد تفاصيل معينة من الشخصيات التي شاهدته وعملت معه. والفيلم متقن أيضاً في إظهار مشاهد المصارعة، وكان الأخوان مارك وديف يبدوان أحياناً في رقصة أكثر منها مصارعة لكنها مشاهد متقنة ومقنعة كما هو كل شيء آخر في الفيلم. وقد ذكر كارل في المؤتمر الصحفي أنه يقدر للمخرج أن الفيلم ظهر بالشكل الذي تكلم فيه المخرج معه قبل البدء بالتصوير، وأن ما أراده المخرج حصل كما كان يرغب به منذ البداية. والحقيقة أن هناك رؤية إخراجية واضحة وعمل جميل من المتوقع أن يأخذ مكانه بشكل جيد في موسم الجوائز والترشيحات الأمريكية. وقد يأخذ مكاناً بشكل ما في جوائز مهرجان "كان".