كثيرة هي الممارسات اليومية في حياتنا التي نلعب فيها أدواراً مختلفة تختلف بطبيعة الموقف الاجتماعي الذي نتواجد فيه، فتارة نمارس دور الأب وبعدها ببرهة نمارس دور الابن المطيع البار وبعدها دور الصديق النصوح ثم ننتقل لدور الزوج "الشرقي" وفي الصباح كنّا نمارس دور الموظف المجتهد ذي الابتسامة العريضة للعملاء، يحدث كل ذلك في يوم واحد فقط وفق تناغم وانسجام تام بين الأدوار، فأنت المُخرج والجمهور في نفس الوقت، ونجاحك يعتمد فقط على قدرتك على ضبط التناغم والانسجام والتبديل بين الأدوار تبعاً للموقف الاجتماعي الذي تتواجد فيه، والأهم من ذلك هو فهمك وتفسيرك لتلك العملية وتقبلك لأي دور تمارسه. تلك العمليات اليومية من تبديل الأدوار ليست للمتعة والترفيه مثل المسرح والسينما بل لأن للحياة البشرية قواعد لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، فيصبح الشخص طبيعياً في المجتمع عندما يكون متناغماً ومنسجماً مع عمليات التبديل اليومية للأدوار الاجتماعية، ويكون الشخص غير السوي أو مزعج عندما لا يتناغم سلوكه مع الموقف الاجتماعي الذي يتواجد به. ظهرت نظرية "الدور" في مطلع العشرينات من القرن الماضي لعالم الاجتماع ماكس فيبر، والتي تفترض: أن كل فرد في خلال لحظة معينة من حياته يشغل مكانة اجتماعية أو أكثر وكل مكانة اجتماعية لها وضع اجتماعي يتطلب من الفرد أن يؤدي ادواراً اجتماعية معينة نتيجة شغله تلك المكانة. وأن لهذا الدور توقعات من المجتمع المحيط، بمعنى أن جميع من يعيش في دائرة حياتك يتوقع منك ممارسة هذا الدور في هذا الموقف، وعندما لا تتكيف سلوكياتك وتتماشى مع الدور المناط بك نتيجة لصراع الأدوار الذي تعاني منه تصبح في عالم اللاسواء اجتماعياً وشخص مزعج لمن حولك ويُكثر عليك من حولك بعبارات التوجيه تارة والتوبيخ تارة أخرى، فالحياة الاجتماعية عبارة عن مجموعة من القواعد. كثيراً هي المشاكل العائلية التي تحدث نتيجة لعدم فهم أحد الأطراف لدوره الحقيقي والمهام والواجبات المناطة به، وفي عالم العمل والاعمال تكثر تلك المشاكل التي سببها إما عدم الفهم الحقيقي للدور الوظيفي أو التغافل والقفز على صلاحيات ومهمات لا تتوافق مع طبيعة الدور الوظيفي وبالتالي تحدث الازدواجيات والفوضى في التسلسل الاداري وتتعطل الاعمال وتنخفض جودة الخدمة بسبب أن شخصاً ما استخدم صلاحيات لا تتوافق مع دوره الوظيفي في المنظمة! العمل المحترف لها عدة مواصفات ومميزات أبرزها الفهم الحقيقي للدور الوظيفي من خلال قراءة الوصف الوظيفي لوظيفتك ومعرفة مدى صلاحياتك لتبدأ تمارس دورك الصحيح وتتناغم مع عمل المنظمة، فأكثر ما يزعج المشرفين أو المدراء ويشتت جهودهم وتركيزهم هو إعادة احد الموظفين لمساره الصحيح وتعديل سلوكياته المهنية ليفهم دوره الحقيقي الوظيفي في المنظمة وأن الحياة الوظيفية عبارة عن مجموعة أدوار موزعة على عدد من الأشخاص كل دور له صلاحيات محددة وأن تجاوز تلك الصلاحيات والقفز بين الأدوار يربك عمل المنظمة ويشتت فرق العمل ويهدر الكثير من الأوقات التي تضيع في النصح والتوجيه في مقابل الانتاجية والإنجاز. نصيحة مهنية: مهما كنت ترى في نفسك القدرة والجسارة وروح المبادرة فلابد أن تفهم دورك الحقيقي في التنظيم ولا تعطي لنفسك الحق في تجاوز من هم امامك في السلم الوظيفي وتتقمص أدوارهم وتمارس صلاحياتهم فذلك يجعل منك شخصاً مزعجاً ومهملاً مما يضعك في قائمة المُستغنى عنهم مهما زادت خبرتك وعلت كفاءتك.