يطرح تثمين المنظمة الدولية للحماية المدنية والدفاع المدني لقرارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في التعامل مع كارثة سيول جدة وتقديم الدعم والمساعدة للمتضررين سؤالا حادا عن غياب أو ضعف الدور الإنساني للقطاع الخاص، في الاضطلاع بمسؤولياته الاجتماعية في دعم الجهد الرسمي إبان الكوارث الطبيعية والفواجع الإنسانية، مثلما حدث في مراكز الإيواء في جازان جراء المتسللين عبر الحدود وللنازحين من هزات العيص، ذلك أنه رغم المكاسب الكبيرة لشركات ومؤسسات القطاع الخاص التي تصل المليارات، إلا أنها لم تقدم الدعم المأمول في مثل هذه الكوارث، وإن كان هناك بعض الدعم المقدم من عدد منها، بل إن بعضها من أجل فلاشات الإعلام لا أكثر! إذن ما الدور المطلوب من القطاع الخاص كي ينهض بمسؤولياته الاجتماعية في التفاعل مع الأزمات، وما دور الشؤون الاجتماعية وغيرها من الجهات ذات الصلة في التنسيق مع القطاع الخاص للنهوض بدور في إدارة الأزمات؟. وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين أشار في ملتقى الشراكة والمسؤولية الاجتماعية بين القطاعين العام والخاص إلى تقصير مؤسسات القطاع الخاص في دعم المشاريع المجتمعية، وقال: «يجب أن يعلم الجميع أن المسؤولية الاجتماعية ليست موضوعا لحملات علاقات عامة أو رعاية الحفلات أو جباية الزكاة»، داعيا إلى تحرير هذا المفهوم وتأصيله، فيما تباينت مواقف المشاركين في فعاليات الملتقى إزاء دور القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية، ما بين من يرى تقصير مؤسساته في دعم المجتمع، وآخرون رموا بالمسؤولية على الجهات الحكومية التي لم تستطع إقناع تلك الشركات بدعم نشاطاتها المتصلة بالتنمية البشرية. وفي سياق ذلك وعد وزير الشؤون الاجتماعية بإطلاق بنك للمبادرات الاجتماعية، في إطار السعي لتقديم مشروع مجتمعي متكامل، يجبر القطاع الخاص من جهته على التحلي بروح المسؤولية الاجتماعية ودعمها، وقال: «لا نلوم القطاع الخاص لعدم دعم مشاريع المسؤولية الاجتماعية، فنحن نطلب منه الأموال فقط، ولا نقدم له تصورا عن العمل المجتمعي الذي سنستخدم فيه تلك الأموال»، فيما اتفق المشاركون على أهمية إنشاء هيئة وطنية للإشراف على هذا القطاع. وفي أبلغ دليل على قصور القطاع الخاص في هذا المجال، دعا في وقت سابق الدكتور عبد الله دحلان عضو مجلس الشورى إلى وضع الأموال المخصصة لبرامج المسؤولية الاجتماعية في هذه الهيئة، بحيث يتم الصرف على المشاريع منها، مؤكدا أن حصيلة مساهمة 400 شركة كبرى للمسؤولية الاجتماعية لا يتجاوز 1 في المائة. من جهته يفرق عوض الردادي عضو مجلس الشورى بين العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية التي تهتم بتنمية المجتمع والتي تقوم على برامج، والدولة ما زالت تعد العدة لوضع نظام للمسؤولية الاجتماعية، مشيرا إلى أن هيئة المواصفات الخليجية هي التي تمثل دول الخليج في مناقشات المسؤولية الاجتماعية على المستوى الدولي، وكما هو معروف أن المجتمع هو وحدة متكاملة وجميع أفراده أسرة كبيرة، والمجتمع يتكون من الأسرة الصغيرة ثم المدينة ثم الدولة، فهذه كلها تشكل هذا المجتمع الذي من المفترض أن يكون مجتمعا متعاونا ومتراحما، ولعلنا لو نظرنا إلى تقييم المجتمع، نجد أن المسؤولين في المجتمع ينقسمون إلى ثلاث فئات هي: الدولة وهي التي تمثل الجهات الحكومية، ثم القطاع الخاص، ثم العمل المدني أو العمل الخيري، هذه الأمور كلها تشكل المسؤولية الاجتماعية، وكل قطاع من هذه القطاعات مسؤول عن جانب معين من الأمور التي تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ويضيف الردادي لو نظرنا إلى النواحي الاجتماعية كمجتمع عربي مسلم متماسك نجد العرب متفقين مع بعضهم حتى قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام أكد على هذه الروابط، ولعل الأبرز في هذا الزكاة الذي يدخل في صميم التكافل الاجتماعي، بحيث تم إجبار القطاع الخاص على دفع الزكاة حسب نوع المنتج أو ما يملكه الشخص في هذا المجال، من هذا المنطلق نلاحظ أنه في الأعوام الأخيرة كثر الحديث عن المسؤولية الاجتماعية، وأصبح جزء كبير منها هو حديث الناس وحديث أجهزة الإعلام والقطاع الخاص، ولعلنا ندرك ما لهذا القطاع الخاص من مسؤولية كبيرة جدا، حيث نجد أن كثيرا من هذه القطاعات من مؤسسات وشركات خصصت إدارات معينة مناطة بها المسؤولية الاجتماعية، ولكن هذا العمل إلى الآن لم ينظم، ولا يوجد له ترتيب محدد، وإن كانت بعض الجهات التي بدأت في تنظيم هذا العمل. وأكد الردادي على أن دور القطاع الخاص هو دور مكمل لدور الدولة، قائلا: نعلم أن النظام الاقتصادي في المملكة لا يأخذ الضرائب وإنما يأخذ الزكاة على إثر ذلك يجب على الشركات أن تبادر وتضع نوعا من برامجها الموجهة بالتعاون والتكاتف مع الجهات الحكومية. وأضاف: يجب ألا نجحف في حق القطاع الخاص ودوره في المسؤولية الاجتماعية، صحيح قد نجد ما يقدمه القطاع الخاص تجاه المجتمع أقل مما هو متوقع، وأقل بكثير من عائد تلك الشركات والمؤسسات من الاستثمارات والسبب في ذلك هو عدم وضوح مفهوم المسؤولية الاجتماعية، لأننا قد نجد شركة تعطي أموالا في عدة مجالات اجتماعية على اعتبار هذا العطاء مسؤولية اجتماعية، وهذا غير صحيح لأن المسؤولية الاجتماعية برامج وخطط، ما يقدمه القطاع الخاص ليس بالمأمول، وليس في كل مدينة إذ نجد تفاوتا بين المدن وبين الشركات التي تقدم دعما اجتماعيا، والشيء الملاحظ ليس لدينا نظام مفروض على القطاعات الخاصة تجاه المسؤولية الاجتماعية، ولا نطلب من القطاع الخاص الدعم بالإجبار، ولكن أعتقد أنه سيأتي الوقت الذي سنقفز فيه نحو القطاع الخاص وربما يكون ذلك خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، حتى يكون دوره نحو مفهوم المسؤولية الاجتماعية بارزا وفعالا في جميع مناطق المملكة من بعد أن تتضح الرؤية، خصوصا إذا أدركنا أن الدولة تشجع وبقوة أي مبادرة من القطاع الخاص لتحمل مسؤوليته الاجتماعية. ابراهيم الخرفي مدير التطوير والتخطيط في وزارة الشؤون الاجتماعية أشار إلى أن القطاعين العام والخاص مكملان لبعضهما في هذا العمل الاجتماعي، لهذا سمي الملتقى الذي سبق تنظيمه بالشراكة، والآن نجد أن معظم نشاطات المسؤولية الاجتماعية يتبناها القطاع الخاص، أما القطاع الحكومي فلا يرى أن ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية جزء من مهامها ونشاطاتها، وسنرى أن بعض الأجهزة الحكومية ما عدا وزارة الشؤون الاجتماعية لديها نشاطات يجب أن تدعم نشاطات المسؤولية الاجتماعية مثل التربية والتعليم، فأرى أن تتضمن مناهجها المسؤولية الاجتماعية، وهو جزء موجود الآن في مناهجها وهي التربية الوطنية التي تقوم على كيفية نشأة الأطفال على الحب والولاء والانتماء للوطن، والحفاظ على الممتلكات العامة. المستشار الاجتماعي وعضو مجلس منطقة مكةالمكرمة إحسان طيب أشار إلى أن هناك بعض المؤسسات الكبيرة في القطاع الخاص ما زالت متغيبة عن دورها تجاه المجتمع، والمثال الأكبر على ذلك أحداث سيول جدة الأخيرة التي أكدت غياب الدور الحقيقي لبعض المؤسسات الكبيرة التي غابت عن تأدية دورها، بينما ظهرت غيرها الكثير وكانت تقدم كل ما تستطيع تقديمه، وأوضح طيب أن العمل الاجتماعي بجوانبه المختلفة والالتزام به، وتنميته جزء مهم في علاقة الفرد بالمجتمع، وعلاقة المجتمع بالفرد. ولذلك رسمت الحقوق والواجبات في شكل تعليمات مكتوبة أو غير مكتوبة وتنظيمات ونظم، وذلك للتصدي لحالة التمزق أو التشتت، أو الفوضى أو الفقر أو الجهل أو أي طارئ ممكن أن يصيب الفرد والمجتمع، بل أكدت المسؤولية الاجتماعية على بناء المجتمع والاستمرار في التماسك والتوازن، من خلال الكثير من المعطيات العقدية والفكرية والمادية للمجتمع، وشرعت الأعمال الاجتماعية والتطوعية والدعوة إليها، وأن النموذج الإسلامي الأول للأمة وللمجتمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثال يحتذى به في مختلف مناحي الحياة للمجتمع الإسلامي في كل زمان ومكان، فصور التفاعل الاجتماعي بين الصحابة والتكافل والتعاطف شكلت هذه المثالية، والمثال الحي للأجيال اللاحقة، من هنا بدأ المفهوم الحقيقي للمسؤولية الاجتماعية، مضافا إليه الإرث الثقافي والشعبي للمجتمع، فالمسؤولية الاجتماعية التي حث عليها الإسلام كتنظيم اجتماعي يؤسس لبناء مجتمع مستقر ومتماسك تكتمل فيه جميع العناصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها كلبنة، وبين المعالم التي حددت للمجتمع المسلم المستقر والمستمر عبر العصور من خلال الحقوق والواجبات والأوامر والنواهي في شتى مجالات الحياة الاجتماعية، كما أن مسؤولية العمل الاجتماعي والتطوعي في الإسلام تتوزع على كل أفراد المجتمع، لكل دوره الذي يتناسب مع مكانته وإمكانياته في الحياة، وبذلك تحصل حالة التلاحم التام والتماسك الوثيق بين فئات المجتمع لمواجهة الأخطار وحل المشكلات التي قد تحدث. في ذات السياق انتقدت الرئيسة السابقة لمجلس المسؤولية الاجتماعية في غرفة تجارة جدة ألفت قباني دور الشركات الكبرى والبنوك في تقديم المساعدات العينية لمتضرري سيول جدة، مشيرة إلى أن دورها كان شبه مفقود، مشيرة إلى أن مجتمع جدة ينتظر من هذه الشركات دورا أكبر بعد تقصيرها تجاه متضرري السيول، حيث يمكنها المشاركة في إعادة البناء، من خلال تقديم الدراسات وتبني مشروعات بعض البنى التحتية وجلب شركات عالمية لتنفيذ مشروعات كبيرة. وأضافت أن مخاطبة هذه الشركات في المرحلة الحالية لتقديم مساعداتها للمتضررين غير مجدية، في ظل قيام الشركات العائلية بدورها وتغطية احتياجات المتضررين من مواد غذائية ومستلزمات استهلاكية وأثاث، لكننا نتأمل من الشركات الكبرى دورا كبيرا ومؤثرا في المستقبل لمدينة جدة وسكانها. واعتبرت قباني أن مجلس المسؤولية الاجتماعية قام بدور كبير ومؤثر في القطاع الخاص الذي أصبح أخيرا يلتفت إلى دوره الاجتماعي، حيث أسست معظم الشركات قسما خاصا للمسؤولية الاجتماعية، ونتوقع أن نشاهد نتائج تلك الأقسام في المستقبل القريب، مشيرة إلى أن مجلس المسؤولية الاجتماعية واجه عقبات وصعوبات في البداية تمثلت في إقناع القطاع الخاص بدوره في هذا المجال، حيث كانت معظم الشركات غير مقتنعة بتأدية هذا الدور. مراكز الإيواء وفي جازان ما إن بدأت الأحداث من قبل المتسللين ومن ثم إعلان القوات المسلحة بدء العمليات العسكرية وما صاحبها من عمليات نزوح وإجلاء للقرى الحدودية القريبة من موقع الأحداث، إلا أن واقع الحال تحدث عن عمل جماعي من قبل مؤسسات الدولة وحتى العمل الفردي من قبل مواطنين في ظل غياب غير مبرر من قبل شركات القطاع الخاص، حيث أشار محمد بن عبده سلامي إلى أن مخيم الإيواء منذ نصبه للنازحين من مواطني القرى الواقعة في مسرح الأحداث وخلالها توالت الإدارات المعنية من الدفاع المدني والإمارة والصحة والشؤون الاجتماعية والشؤون الصحية وخلال هذه الفترة تلقى النازحون في المخيمات كافة المساعدات الإنسانية والعلاجية، ويضيف إلا أن القطاع الخاص ما زال غائبا عن هذه المساعدات، خصوصا فيما يتعلق بالفنادق والدور السكنية فهو غير متجاوب ولم يقدم المساعدة المطلوبة ولا حتى الشركات، وما هو موجود لا يعد خدمات كبيرة كافتتاح مكتب للخطوط في المخيمات الذي بالكاد يقدم فائدة كون الحجوزات مدفوعة، إضافة إلى انعدام رحلات الطيران في الأساس. أما إبراهيم مجرشي فهو أكبر المنتقدين للقطاع الخاص كون تواجده في الأزمات بشكل عفوي أو منعدم وأشار إلى أن المواطن العادي يقدم خدمات ومساعدات أفضل من شركات كبرى أرباحها تكفي لبناء وحدات سكنية للأسر، ومع ذلك فالمشاهد للواقع يرى أن الشركات الكبرى تستثمر هي الأخرى هذه الأحداث لزيادة أرباحها كما يفعل القائمون على الشقق المفروشة في استغلال حاجة النازحين للسكن برفع قيمة الإيجار وأخذ المبلغ من الدولة كتعويض وهذا ما يحز في النفس. هزات العيص رغم قرب العيص من أكبر تجمع للشركات في المنطقة لم يشفع لها ذلك بالحد من الحالات الإنسانية التي تعج في كل زاوية من زوايا المدينة وفي كل قرية أسر تعيش الفقر في خيام ومنازل شعبية لا تتناسب مع طبيعة المنطقه الزلزالية، يعيشون المأساة.. حلمهم منازل آمنة، في الوقت الذي تلوث أجواءها الشركات بالعودام التي تخلفها أثناء التصنيع دون أن تفكر في تقديم المساعدات الإنسانيه لهم حتى في أحلك الظروف، كواجب وطني وعمل إنساني، فعندما مرت العيص بأزمة الهزات الأضية انكشف الغطاء عن الحالات الإنسانية التي تعج بها المدينة مع ذلك لم يكن هناك دعم لتلك الحالات سوى الدعم الحكومي في ظل الغياب غير المبرر للشركات. عياد وعيد العنمي، جزاء وعبد الرحمن السناني وعبد الرحمن الجهني مواطنون تبين عدم صلاحية منازلهم للسكن عقب الكشف عليها من الفرق الهندسية المشكلة لهذا الغرض، ومع هذا لا يزالون يقبعون تحت أسقفها مهددة حياتهم وحياة أسرهم بالخطر إلا أنهم يتساءلون عن البديل فهم لا يستطيعون تأمينه. ويؤكد عمر العنمي أن القطاع الخاص لم يكن له أي دور إيجابي خلال الأزمة التي مرت بها العيص، فلم يكن لأهاليها سوى الدعم الحكومي، وغاب دور القطاع الخاص في الوقت الذي تنتشر العوادم التي تخلفها المصانع في أجواء المدينة.