وكيف أسلي النفس عنها وحبها *يؤرقني والعاذلون هواجع وقلبي كئيب في هواها وإنني * لفي وصل ليلى ماحييت لطامع (مجنون ليلى) *** في عمق الشاعرة الأسبانية (كلارا خانيس) التي تفاعلت حبا مع أسطورة قيس وليلى، فتوجهت بكل جوافزها الثقافية والإبداعية الي البحث والتنقيب، بل التنقير والحفر في مسارات ولوحات وواجهات الرومنسيات بحثا عن كينونة الحب التي سطرها التاريخ وتناقلتها الثقافات الإنسانية عرضا وطولا، وتوغلت قصة ذلك الحب الفريد في كل ثقافة حيث التراجم، والمسرحيات، والأشعار بلغات شتى، فمن هنا كان أن اهتمت شاعرة لابد أنها قرأت وعاشت في موطنها مشاهدة آثار العرب عبر الفردوس المفقود، كما أنها قرأت وتعمقت مما دفعها بالذهاب إلى أرض بعيدة عنها تختلف ثقافة وحياة عما هي فيه، ولكن حب المعرفة والشغف بها دفعها إلى أن تغامر جسديا بالسفر كما غامرت بالقراءات العديدة عن (ليلي والمجنون) لتظهر هي بما كسبت مبدعة في عملها الفني المتمثل بديوانها الشعري (حجر النار) لتكون ضمن من كانوا يهيمون شوقا لممارسة العمل والحديث عن الحب والرمانسيات التي لا تتعدى التوجه إلى الجمال والروح متجاهلة ومحتقرة المجسدات الأيروتوكية والتي تتحول كثيرا وعلى أيدي سذج إلى أعمال يقابلها تقبل إعلامي يمثله من يتساوى معرفيا مع منتجيها فتكون حملات مركزة مضللة. خانيس الشاعرة وعلى لسان المجنون تقرب الصورة كسبتها معرفيا عن المجنون وليلاه بهذه الباقة الشعرية: ابتعدي أيتها المحبوبة، لا تصرفي الصورة التي أحفطها لك من كل العواصف، لتنمو في داخلي، وبها نكون واحدا، فَلْ تصبْ عيون الجسد بالعمى، وليخضِّب المطر الروح، والمياه الصافية. هي من ليلى كرد أو جواب على المجنون الذي حمل صورة الحبيبة وأطرها في روحه وعلقها في قلبه دون انشغال بسواها، حين خاطبها هامساً: عشقي المجنون يهرب، يهيمُّ إليك كعاصفة الرمال، كالأمطار الموسمية يملأ عشقي المجنون، الصحراء نهارا، عشقي المجنون ينفذ في الأرض الخراب، اقطفها يامجنون، إنها اللحظة التي نحار فيها إلى الأبد. تلك مشاعر تمشي وتتفشى بين العاشقين، ففي شعر المجنون عربيا تتضح الصورة وتتجلى بسبب لغة الشاعر الأصلية حيث يرسم: إذا ذكرت ليلى أهيم بذكرها* وكانت منى نفسي وكنت بها أرضى إذا رُمتُ صبرا أو سلوا بغيرها*رأيت جميع الناس من دونها بعضا دفتر العشق الذي سُجِّلت فيه آهات متجذرة في روحي الحبيبن، هو من روائع الإبداع الشفاف الصادق الذي يرسم حالة الهيام والحب الإنساني، وكيف يكون الحب عندما يكون صافيا يزداد صفاءً عندما يجسد الجمال إنسانيا، وطبعيا، ورحيا يمتح من جوَّانيته التعابير التي تقول دون مراوغة أو خداع تفصح وتعبر عن حقيقة المشاعر، فليلى(كما تصورها خانيس) وهي في انتظار حبيبها قيس ترسل آهة: كلامك الضوء الوحيد الذي يخترق العزلة القاتلة، بها أداري الأحلام، تكفيني قصيدة واحدة لأعرف أنك قيس، مصفَّدي الجميل الذي يدَّعي الجنون، ويحيط روحي بسلاسل خانقة، فأحدث الصخور وأضيِّق من حولي دائرة الصمت. الشاعرة (خانيس كلارا) تتبعت المجنون بما أوتيت من صبر مؤداه حب الإبداع والشغف به، فهي تأتي إلى موقع التلاقي وكأنها مع الشاعر أحمد شوقي تريد أن تتمكن من إيفاء ليلى ومجنونها حقهما من الحب والإعجاب، فشوقي في مسرحيته (ليلى والمجنون) كانت قصيدته الشهيرة والتي تغنى بها الموسقار محمد عبد الوهاب (جبل التوباد): جبل التوباد حياك الحيا*وسقى الله صبانا ورعى فيك ناغينا الهوى في مهده* ورضعناه فكنت المرضعا وعلى سفحك عشنا زمنا*ورعينا غنم الأهل معا وحدونا الشمس في مغربها*وبكرنا وسبقنا المطلعا هذه الربوه كانت ملعبا*لشبابينا وكانت مرتعا كم بنينا من حصاها أربعا*وانثنيا فمحونا الأربعا وخططنا في نقى الرمل فلم*تحفظ الريح ولا الرمل وعى لم تزل ليلى بعين طفلة*لم تزد عن أمس إلا أصبعا مالأحجارك صما كلما*هاجني الشوق أبت أن تسمعا كلما جئتك راجعت الصبا*فأبت أيامه أن ترجعا قد يهون العمر إلا ساعة*وتهون الأرض إلا موضعا إن خانيس الشاعرة عندما ترسم حالة مناجاة جبل التوباد تكون في المحطة التي توقف عندها أمير الشعراء أحمد شوقي، فهي تصف الموقف : ذلك التوباد حيث نخبئ القطعان نجمة،علامة الطريق، والعصافير الليلية تغطيه بشبكة، بعزف من الأنغام، ذلك التوباد ألذي أفقه الناصع حمى طفولتنا، يقولون لي:إنها بعيدة في أرض الشام، أوفي اليمن السعيد التي عبرتها باحثا عنها، بعيدة هي، وأنا أحتضر وأرى الأفق خيالا غائبا، ويتلاشى القنديل السماوي في الضباب. مع هذه الوقفات واللمحات التي صاحبت رحلة المتعة مع الشاعرة الأسبانية يتحتم أن أتوفق عند أبيات من ديوان (مجنون ليلى)بالعربية حيث تكون بلغنها الأم هي الختام: تعلق روحي روحها قبل خلقنا*وبعد أن كنا نطافا وفي المهد فعاش كما عشنا فأصبح ناميا*وليس وإن متنا بمنقصف العهد ولكنه باق على كل حالة *وسائرنا في ظلمة القبر واللحد