تشد القوافل الصينية الرحال إلى كازاخستان حيث الحدود الطويلة وقساوة المناخ والجغرافيا، اليوم تبدو الصين المتوثبة دوماً تريد أن تعود إلى التاريخ قليلاً، فالرئيس شي جينبيغ بإعلانه مشروع طريق الحرير من كازاخستان واندونيسيا، يعبر عن إدراكٍ صيني بأن آسيا الوسطى هي بوابة العبور نحو أوروبا، وطريق لإنعاش شمال غرب الصين البائس، وبنفس القدر من الإدراك يعي الصينيون أن الارخبيل الاندونيسي يحوي أهم مضيقين يمكن أن تنفذ منها السفن الصينية إلى داخل بحر الصين أو إلى المحيط الهندي، وهما مضيقا مكسر وملقا، ويأتي علاوة على ذلك كله مستقبل اندونيسيا وكازاخستان الاقتصادي الباهر. في الواقع إن الرئيس الصيني الذي يرجح أن يمكث في منصبه التسع سنوات المقبلة، يراقب عن كثب كيف يواجه سياسة أوباما في المحيط الهادئ أو ما يسمى المحور الآسيوي، وكذلك جهود واشنطن في نفس الوقت لتوسيع الدرع الصاروخية شرق أوروبا حيث يفترض أن يمر «طريق الحرير». إن الإعلان عن هذا المشروع في السنة الأولى من حكم شي جينبيغ يعطينا دلالة واضحة أن بكين عازمة على مواجهة واشنطن من خلال «حرب الإستراتيجيات» وأعني هنا استراتيجية «طريق الحرير» في مواجهة «المحور الآسيوي»، وتبدو الأدوات هنا مختلفة، فالجانب الصيني على الرغم من سعيه إلى تطوير سلاح البحرية واتخاذه خطوات غير معهودة، بدءًا بالمشاركة في عمليات ضد القرصنة في بحر العرب إلى التخطيط لإنشاء قاعدة عسكرية في إحدى الجزر الإيرانية وفي جيبوتي التي زارها وزير الدفاع الصيني قبل أشهر، من أجل تأمين هذا الطريق الذي يمر بالخليج العربي والبحر الأحمر لينطلق من المتوسط إلى أوروبا، لا يحاول إبراز تحركاته العسكرية، خلاف الولاياتالمتحدة التي أعلنت عن نقل 70% من أسطولها إلى المحيط الهادئ. وتبدو المؤشرات العربية مشجعة تجاه بكين إذ ان دول الشرق الأوسط تستلطف الحضور الصيني، في المقابل على بكين مواجهة «حمى الجُزر» في المحيط الهادئ، حيث النفوذ الأميركي يبدو جلياً، خصوصاً أن الرئيس الأميركي قد تحدث قبيل أيام من اليابان عن التزام بلاده بالدفاع العسكري في مواجهة الصين، وقام بزيارة تاريخية إلى ماليزيا. الصين اليوم أمام استحقاق كبير لاحتواء مشاكلها مع جيرانها من أجل أن يمضي مشروعها كما هو مخطط له، وألا تعيقها شظايا الصخور المسماة جزر عن هدفها. في آسيا الوسطى يبدو المشهد أكثر ارتياحاً بالنسبة للصين، فبالرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي فمازال تأثير الروس حلفاء الصينيين حاضراً بقوة خصوصاً في كازاخستان، مروراً بقرغيزستان التي طلبت من واشنطن إخلاء قاعدة «ماناس» العسكرية العام الماضي، إلا أن التواجد الأميركي في أفغانستان، يمكن أن يكون مزعجاً لبكين لكن ليس إلى حد كبير، فالصينيون أنفسهم واثقون من قبولهم في الشارع الأفغاني، فقد وقفوا في وجه الاتحاد السوفيتي عندما غزا كابول تحت لواء الشيوعية، وانتقدوا واشنطن التي غزتها تحت ذريعة حرب الإرهاب. إن إعلان مشروع طريق الحرير تحدّ آخر سيكون على الصين اجتيازه، فالرمزية التي يحملها الطريق كقيمة حضارية عالمية، لن تكون مسوغاً لترحيب بقوافل الصين التي ستحط رحالها قريباً في كل الأصقاع.