لم يدهشني أبداً عندما أوضحت مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات بأن عدد المساكن الشاغرة بلغ 969.7 ألف وحدة سكنية تمثل نحو 17.2% من إجمالي عدد المساكن القائمة في المملكة البالغة نحو 5 ملايين و622 ألف مسكن حتى نهاية عام 2010. ويبلغ إجمالي المشغول منها بأسر نحو 4.65 ملايين وحدة سكنية، تشغلها 3 ملايين أسرة سعودية ونحو 1.65 مليون أسرة غير سعودية. وهذا يتفق مع أنه لا يوجد نقص في المعروض من المساكن، حيث إنني قدرت عدد الأسر السعودية التي لا تمتلك مساكنها بحوالي 1.2 مليون عائلة وهذا بدون احتساب نسبة العائلات الأقل من هذا المتوسط والأفراد الذين يرغبون في تكوين عائلات جديدة، قائلا ان "العرض مشكلة الإسكان" (الرياض، 4 أبريل 2011). وبهذا الخبر يتحقق ما كتبته بعنوان "العقاريون يستغلون غياب المعلومات" في "الرياض" بتاريخ 24 أكتوبر 2011، وهذا فعلا ما حدث واليوم تكشفهم مصلحة الاحصاء العامة بنشر هذه المعلومات التى تبرهن على وجود الاحتكار المحرم شرعياً وقانونياً والذي يحرم المواطنين من شراء أو استئجار السكن بأسعار غير احتكارية وأقل من الأسعار الحالية بكثير. إن ظاهرة الاحتكار في سوق العقار خلقها الملاك الذين يمثلون أيضاً النسبة العظمى من الوسطاء والمطورين بطريقه مباشرة أو غير مباشرة من خلال سعيهم دائماً ليس فقط لتثبيت الأسعار كما هو معروف في حالة الاحتكار بل من خلال تثبيت الأسعار بين حينة وأخرى بقفزات سعرية تفاجئ المحللين وتحطم آمال الحالمين بامتلاك أرض أو سكن لهم ولعائلاتهم. لقد تجاهل نظام حماية المنافسة مواطن الاحتكار الأساسية في الأسواق السعودية، فبدلاً من أن يحددها ويحولها إلى مواطن للمنافسة اكتفى بذكر السلع والخدمات عامة، حيث توجد كمية كبيرة من الوحدات السكنية الشاغرة في النطاقات العمرانية والتي تشكل مظهرا من مظاهر الاحتكار وذلك بإخفاء ملاك المساكن لتلك المعلومات عن المشترين أو المستأجرين حتى يخلقوا نقصاً في معروض المساكن، مما يؤدي إلى رفع الإيجارات وكذلك أسعار المساكن والأراضي. إن المساكن الشاغرة هدر للموارد الشحيحة من الأراضي ويؤدي إلى توزيع غير عادل لتلك للموارد لتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إذاً لم يتم معاقبة المحتكرين لهذه المساكن الشاغرة. ففرض الضرائب والغرامات على المساكن الشاغرة مطبق في كثير من بلدان العالم المتقدم، حيث تفرض المانيا ضريبة على الملكيات غير الشاغرة بنسبة لا تتجاوز 2% من القيمة السوقية للعقار كما هو معمول به في مدينة بليز، أما بريطانيا فلديها ما يسمى بضريبة المجلس "Council Tax" على المساكن غير الشاغرة، حيث يتم منح إعفاء كامل من المجلس لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، وبعد ثلاثة أشهر ينخفض الإعفاء إلى 50%. وبمجرد بقاء المسكن شاغرة لمدة ستة أشهر يتم تطبيق رسوم ضريبة المجلس بالكامل وبعد سنتين يصنف بأنه سكن شاغر لمدة طويلة ويفرض عليه 50% علاوة، مما يعني أن نسبة 150% تفرض عليه. كما أن الحكومة البريطانية أعلنت فرض ضرائب جديدة على أرباح مبيعات العقارات التي يملكها المستثمرون الأجانب في بريطانيا في 2013 والتي تمثل 60% من المساكن في لندن ويتركونها شاغرة معظم الوقت مما تسبب في رفع الأسعار وحرمان المواطنين من السكن. وفي شرق فرنسا "مدينة ستراسبورغ"، فرضت السلطة على أصحاب المساكن الشاغرة لأكثر من 5 سنوات ضريبة بيت فارغ ما بين 1500 دولار و 2,500 دولار في السنة. إن هذه التجارب يجب علينا أن نتعلم منها وأن نواجه بها اصحاب المساكن غير الشاغرة ومخالفتهم مع تكرار المخالف وطول المدة الشاغرة للمسكن. "شح المساكن... شح الأراضي... لن ينتهي إلا بمحاربة احتكار القلة".