كان وما زال السوق العقاري سراً غامضاً يصعب التنبؤ به وذلك لعدم توفر المعلومات الدقيقة بما يخص العرض والطلب، القدرة الشرائية، متوسط الأسعار في كل حي، النمو المتوقع، نوع الوحدات المطلوبة، وغيرها من معلومات والتي تساعد على التنبؤ.. وهذا ما يجعل الاستثمار في العقار خطراً بعد الارتفاعات الكبيرة الأخيرة، وذلك على عكس ما يُقال عنه بأنه آمن. وما نحن بصدده اليوم هو العقار السكني، والسؤال ما هو مصير العقار السكني في عام 2012 وما بعده وكيف يمكننا التوقع في ظل عدم وجود معلومات كافية؟.. وفي هذه القراءة لسوق العقار السكني سنحاول أن نبني توقعاتنا على ما هو متوفر من معلومات ومستجدات والتي بحمد الله رغم قلتها وعدم كفايتها للتنبؤ بشكل دقيق، الا أنها ستساعد بشكل كبير على معرفة إلى إين سيتجه سوق العقار السكني. عام 2012 سيكون عاماً استثنائياً للعقار وهو من وجهة نظري آخر عام يشهد فيه العقار الأسعار الحالية والتي لن نراها مستقبلاً إلى عشرين سنة قادمة أو أكثر.. وسيكون هذا العام هو عام إقرار إستراتيجية الإسكان والتي ستتغيَّر بها خارطة الاستثمار العقاري إلى الأبد، وخصوصاً المتاجرة بالأراضي واحتكارها أو المضاربه بها. هذا العام يجب أن تتغيَّر فيه إستراتيجية تجار الأراضي لتواكب المعطيات الجديدة، ومن يتوقع غير ذلك فسيفوته القطار. التغيير القادم بعد إقرار إستراتيجية الإسكان يعني تنظيم سوق العقار تنظيماً كاملاً وسنّ قوانين جديدة تنظم السوق العقاري وإيجاد قطاع إسكاني نشط ومستدام، وذلك بالقضاء على تجارة الأراضي وبالتالي انخفاض الأسعار, وهذا هو الطريق الوحيد لحل أزمة السكن كما أنه الحل المتبع في أغلب الدول المتقدمة. لقد بدأنا نرى ركوداً وانخفاضاً في السوق العقاري بداية هذا العام والواضح أنه سيستمر إلى نهاية العام وخصوصاً مع دخول رمضان والإجازة الصيفية، وكل ما زادت المدة كل ما زادت وتيرة الهبوط.. والعامل الأهم الذي ساعد وسيساعد على هبوط الأسعار هو اعتماد وتطبيق إستراتيجية الإسكان وخروج بعض المضاربين وضعف القدرة الشرائية لدى المستهلك وتحسُّن سوق الأسهم. يُقال بأن الأرقام لا تكذب وفعلاً عندما نرى الأرقام المرفقة لكتابات العدل في الرياض والدمام نجد أن هناك انخفاضاً كبيراً في شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى في قيمة التداولات العقارية السكنية، انخفاضاً في المساحات المتداولة وانخفاضاً في عدد الصفقات مقارنة بالعام الماضي.. فلقد انخفض إجمالي قيمة التداول في العقار السكني للمؤشر العقاري من 11.7 مليار لنفس الفترة من العام الماضي إلى 6.23 مليار لهذا العام أي نسبة 46% ، كما انخفض عدد الصفقات من 17495 صفقة إلى 5457 صفقة، كما انخفض إجمالي المساحات المتداولة من 196 مليون متر مربع إلى 38 متراً مربعاً، ولعدم توفر معلومة دقيقه عن الأسعار من موقع وزارة العدل فإنه من الصعب الحكم على الأسعار وسنكتفي بما ذكره المتداولون بأن هناك انخفاضاً يتراوح ما بين 15 إلى 50 في المائة بحسب الموقع.. وحتى وإن لم تكن نسبة انخفاض السعر دقيقة فإنه في حالة وجود انخفاض في التداول، فإن هذا يعني قلة الطلب مما سيؤدي تلقائياً إلى انخفاض الأسعار. جميع الأرقام المرفقة لحجم وقيمة التداول وعدد الصفقات في السوق العقاري ومقارنتهما بعام 2011 يتضح جلياً بأن سوق العقار السكني في هبوط وستتسارع وتيرة الهبوط مع كل ارتفاع في سوق الأسهم ومع قرب إقرار إستراتيجية الإسكان التي ننتظر إقرارها قبل نهاية العام كما ذكرنا سابقاً. الانخفاض هذا العام ربما يصل إلى 30 في المائة في المناطق السكنية المطورة وقد تصل النسبة لأكثر من ذلك بسبب زيادة المعروض، وستزداد النسبة خلال السنوات القادمة إلى أن تصل إلى 80 في المائة وذلك بعد إقرار وتطبيق إستراتيجية الإسكان وخصوصاً إذا علمنا بأن 77 في المائة من أراضي مدينة الرياض هي أراضٍ بيضاء وأن مخزون المدينة من الأراضي يكفي حاجة السكن لأكثر من خمسين عاماً قادمة. ومن اطلع على إستراتيجية الإسكان المرحلة الرابعة وما قبل الأخيرة يستطيع أن يستنتج بأن الدراسة توصلت إلى أن مشكلة السكن سببها الرئيسي هو ارتفاع الأسعار وضعف دخل المواطن وأنه لا يوجد شح في الأراضي وإنما شح في عرضها، أي الاحتكار بمعنى آخر.. كما توصلت الدراسة إلى أن أهم الحلول لحل أزمة الإسكان هو: زيادة المعروض من الأراضي وذلك عن طريق فرض رسوم، نزع ملكيات والتعاون مع القطاع الخاص لتطوير وحدات سكنية وزيادة المعروض من الأراضي، إضافة إلى غيرها من الحلول.. كما يمكن لمن اطلع على هذه المرحلة أن يستنتج بأنه ليس هناك حلول جذرية لمشكلة الإسكان بدون تخفيض أسعار الأراضي وأن إستراتيجية الإسكان قائمة على عدة أمور ومن أهمها بناء وحدات سكنية، وزيادة المعروض من الأراضي وبالتالي خفض أسعار العقار. ولكي نبيّن حجم التغيّر في السوق العقاري ومدى التأثير الذي نتحدث عنه، سنسرد بعض المقتطفات من إستراتيجية الإسكان المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة لتتضح الصورة. صفحة 74 بند 2- الاستفادة القصوى من الأراضي الموجودة داخل المدن بحسب الشروط الحالية، ويسعى هذا الهدف إلى تحسين الاستفادة من الأراضي السكنية الشاغرة والمبنية، وإلى زيادة تقديم الأراضي والمساكن الميسورة. - تطبيق تعليمات تنفيذية داعمة: تُعتبر الأحكام النظامية أمراً لا غنى عنه لدعم السياسات وإنفاذ التدابير من أجل الاستفادة القصوى من الأراضي والتقليل من أسعارها وتحسين توافرها.. وتشمل الأحكام الأمثلة التالية: - أوامر البناء: هذه الأوامر تتكون من أحكام نظامية تجبر مالكي الأراضي على تطوير الأرض ضمن إطار زمني معيّن، وإلا سوف يواجهون غرامات أو نزع ملكية أراضيهم. - نزع ملكية: هي الأداة النظامية القصوى، والتي تتمتع أيضاً بسلطة تهديدية ولكنها لا تستعمل إلا نادراً وذلك من أجل المصلحة العامة. - اعتماد رسوم تحسين، وهي بمثابة أداة لتقاضي رسوم الأراضي المخدومة (المطورة) لكن غير المستعملة وهذه الرسوم عبارة عن تعويض عن عدم الاستفادة من الاستثمار العام. - فرض ضرائب على المكاسب الناجمة عن التخطيط في حالة التخطيط وعدم البيع الفوري. - فرض ضرائب عقارات على الأراضي السكنية ضمن المخططة الموافق عليها من أجل منع الاحتفاظ بالأراضي والمضارب بها. - نظام مراقبة الأراضي لضبط أسعار بيع الأراضي ليساعد في منع بيع الأراضي أو الاحتفاظ بها. ما ذُكر أعلاه جزء يسير من إستراتيجية الإسكان وفي حالة إقرارها وتطبيقها فإننا سنرى زيادة كبيرة في المعروض من الأراضي والتي بالتالي سينتج عنها انخفاض كبير في الأسعار وخصوصاً إذا ما علمنا بأن 77 في المائة من أراضي مدينة الرياض أراضٍ بيضاء وأن المتوفر منها كافٍ لسد حاجة الرياض من الإسكان لأكثر من خمسين سنة قادمة.. كما أن ما ذُكر في إستراتيجية الإسكان أعلاه يدعم توقعنا بتغيُّر خارطة الاستثمار العقاري في الأراضي والتحول الجذري الذي سيحدث فيه، ليصبح مفهوم التطوير العقاري هو بناء مشاريع وتقديم منتجات سكنية أو تجارية وتطوير البنى التحتية وليس بيع وشراء أراضٍ، وهذا هو المتبع في كافة الدول التي لديها سوق عقاري منظم. ختاماً، الكثير سيختلف بخصوص نسبة الانخفاض ولكن يجب أن نعلم بأن الأسواق لا يُوجد بها كلمة مستحيل، الأسبوع الماضي وبحسب قناة السي إن إن ذكرت بأن أسعار العقار في أمريكا عادت إلى أقل نقطة كانت عليها في 2002، وعقار دبي انخفض بنسبة تقارب 70 في المائة وكذلك إسبانيا وقبلهم دول كثيرة، نعم لديهم أسبابهم وسيكون لنا أسبابنا، وفي انفجار الفقاعات الاقتصادية تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة. رجل أعمال