ولكن شكوانا إلى غير مانع تضيع ولا يثني علينا عواطفه مغيث اليتامى والمساكين ماله وريف الهشالى المقاوي مناسفه الشاعر: جاء عند الشيخ نعمان بن محمد بن العراق في كتاب (معدن الجواهر بتاريخ البصرة والجزائر) في تقديم الأبيات"أن رجلاً من الأشراف من آل الحسين يقال له راشد بن عقال الحسيني نفاه أعمامه من المدينة النبوية، فصار إلى مانع بن شبيب فأسدى إليه من المعروف ما سارت به الركبان فمدح السيد راشد بأبيات من نظمه وهي أبيات بدوية(1)..". أقول هذا نص نفيس وسنناقشه في النقاط التالية: أولاً-أن الشيخ نعمان بن العراق من أهل القرن العاشر الهجري وقد ألف كتابه هذا بعد عام 953ه الذي قام فيه السلطان العثماني سليمان القانوني بإسقاط الدولة الصفوية في البصرة وقبل وفاته السلطان في عام 969ه . ثانياً- ذكر أن اسم الشاعر هو راشد بن عقال الحسيني من أهل المدينة وقدم على مانع بن شبيب في البصرة الذي أجزل له العطاء فمدحه بقصيدة منها البيتين السابقين، وبالتدقيق أجد أنهما يتقاطعان مع قصيدة لشاعر آخر من أبياتها قوله: يقول الحسيني الذي ساقه النيا باقدار في قاصي النيا عن معارفه يروعك يا (مناع) تكدير عيشه ومن ذاق لينٍ عقب جوعٍ يوالفه ودار لنا فيما مضى يا ابن هاشم ونحن الذي جميل في عين شايفه فنحن حمى طيبه وسكان دارها وأهل جديد المدح منها وسالفه خليلي وان جيتوا لترون مما رقاب المطايا فاشرفا في مشارفه وقولوا جزى الله العقيلي مانع من الخير ما تذرى له الريح عاصفه حوا عنان الجود والناس عقبه تفوز بما خلى العقيلي عايفه انا ما ادري أي المعاني أعدها عطاه او سخاه او مرتجاه او لطايفه وقد أوردها ضامن بن شدقم في "تحفة الأزهار وزلال الأنهار" وحققتها في مقال نشر في جريدة "الرياض" يوم السبت 24 رمضان 1428ه - 6 أكتوبر 2007م - العدد 14348 وقد نسبها للشاعر ناهش بن هريش بن عذا بن كوير ابن الأمير أبي عامر منصور بن الأمير أبي سند جماز ابن أبي عيسى شيحه الحسيني، وذكر أنها في مانع.. العقيلي حاكم البصرة ويذكر مناسبتها كما يلي"أن ناهشاً كان سيداً جليلاً عظيماً ذا مروءة وشهامة وعلو همة وحماسة ونجدة وشدة بأس وصلابة وجود وفروسية وشجاعة وكرم وسخاوة ومال جزيل وصيانة وتقوى وديانة فأجحفت به الدنيا فعن له السفر إلى البصرة بولده مناع فأقاما بها برهة من الزمن متخفيان في شدة كرب ومحن لا يقتاتان إلا من كد يديه فأتى ذات يوم بجيش كثيف قاصداً به حاكمها (مانع العقيلي) فوقع بينهما حرب شديد حتى كاد أن ينكسر فيه مانع وكان ناهش واقفاً على الفريقين من بعد فرأى الصانع احد خدام مانع يلوذ على فرسه بآخر الجمع فقال له أعطني فرسك ولامة حربك وهذا ولدي مناع فيها رهينك وكل ما أصبته فهو بيني وبينك مناصفة فنزل عنها وخلع لامة حربه ودفعها إليه فلبسها وركب الفرس وغار على القوم حتى دخل في وسطهم فقلب الميمنة على الميسرة ثم أعاد عليهم وخرج من آخرهم ثم عاد عليهم مرة أخرى فانكسروا عن آخرهم وأصاب من خيولهم وغنم من أموالهم فكل من رآه اعتقد انه الصانع، فعرفوا مانعاً بخبره فسأله عما بلغه فقال نعم لو لم يتبعها غيرها لقلت نعم هو أنا، ولكن ليس خافياً عليك عدم صدور هذا الفعل مني.. فالقصة كيت وكيت فأمره بإحضار ناهش فمضى إليه وامتنع عن المواجهة مراراً حتى أرسل إليه بخلع وجواد فركب ومضى إليه وانه أكرم مقامه ثم توجه ناهش إلى المدينة فأخذ قبل وصوله إليها فرجع إلى مانع فأجاد عليه فمضى فأخذ ثانياً فعاد النعم عليه ثالثاً ثم توجه إلى المدينة فقال هذه الأبيات مخاطباً بها ابنه مناع" وقد حققت زمن الشاعر ناهش بن هريش من شعراء مطلع القرن التاسع الهجري كما يلي"فالأمير أبي عامر منصور بن أبي سند جماز أمير المدينةالمنورة قتل في شهر رمضان سنة 725ه وخلف ثمانية بنين منهم كوير والذي يمتد منه شاعرنا. وبذلك نستطيع ان نتوقع الفترة الزمنية التي عاش فيها شاعرنا فنجد أن ثلاثة أجيال بين ناهش وبين جده (أبي عامر منصور) فنجد أنه من ضمن الفترة التي عاشها ستكون سنة 825ه تقريباً، ويؤكد ذلك ما جاء في أحداث سنة 820ه "ملكت (دوندي) البصرة وانتزعتها من مانع أمير العرب بعد حروب وكان استيلاء العرب عليها في عهد الجلايرية" واعتقد أن مانع هذا هو ممدوح ناهش". ثالثاً- لدينا نصان لشاعرين بينهما اتفاق في البحر والقافية والسياق المعنوي وفي اسم الممدوح وفي المناسبة وفي زمن النص الذي تقدم على زمن الشيخ نعمان بن العراق الذي نص على أنه روى خبر مانع بن شبيب عن الشيخ إبراهيم بن فاضل (2) العارضي الحنبلي كما يلي"ومما أخبرني به الأخ العزيز الشيخ إبراهيم بن فاضل العارضي الحنبلي نقلاً عن مهنا بن صقر بن أحمد بن يحيى بن محمد بن فاضل أن أول من وليها قديماً من آل فضل الشهيرين ببيت المنتفق جدهم الأكبر مانع بن شبيب بن فضل..."(3). رابعاً- هناك اختلاف في اسم الشاعر رغم الاتفاق أنهما من آل الحسين وقدما من المدينةالمنورة وعند المقارنة يرجح لدي أن الشاعر الحقيقي للنص هو ناهش بن هريش الحسيني وليس لراشد بن عقال الحسيني وفقاً لما يلي: 1-أن ابن شدقم يعتبر نسابة آل البيت وهو أعلم بتقصي أخبارهم وقريب من أحداثهم وقد نص على أن شاعر النص ناهش بن هريش. 2-أن الشيخ نعمان بن العراق قدم للنص هكذا "مما يحكى"وهذا إسناد ضعيف إذا قارناه بنص ابن شدقم. 3-أن ابن شدقم قد أورد أغلب أبيات النص مما يدل على تقصي وقوة حفظ وهذا يقوي الأخذ بروايته بينما الشيخ نعمان لم يورد سوى بيتين. 4-أن ابن شدقم ذكر في مناسبة النص اسم (مناع) ابن الشاعر ناهش وقد تضمنت أبيات النص اسم مناع كما يلي: يروعك يا (مناع) تكدير عيشه ومن ذاق لينٍ عقب جوعٍ يوالفه وهذا متسق مع السياق المعنوي للنص ويقوي نسبته لناهش بن هريش. هوامش: 1-دلالة على أن مسمى الشعر البدوي كان شائعاً في القرن العاشر الهجري. 2-الأصح (فضل) وليس فاضل فسياق النص يتحدث فيه عن جدهم مانع بن شبيب بن فضل كما أن نسبته بالعارضي دلالة على صحة انتساب محمد بن عثمان بن فضل لمانع بن شبيب حيث ذكر العصامي أن الشريف حسين بن أبي نمي عينه أميراً على معكال في عام 986ه. 3-تنص الرواية على"أن مانع أتاه شاعر وهو نازل في بادية البصرة للصيد فمدح بأبيات وطلب منه الصلة فكتب له مانع"أعط حامل كتابي هذا فلاناً خمس مائة دينار"فجرى القلم بخمسة آلاف دينار.. فأخذ الشاعر الكتاب ومضى الى الوزير بالبصرة وقرأه الوزير فإذا فيه"أدفع لفلان حامل الكتاب خمسة آلف دينار" فقال الوزير للشاعر: أنت قرأت الكتاب؟ فقال لا فقال كم قال لك الأمير؟قال:خمس مائة دينار ففكر الوزير ساعة فقال له: أظن هذا الكتاب ليس هو لك. قال: لا والله بل كتبه لي فقال الوزير: إنه كتب خمسة آلاف فما تفعل؟ فقال الشاعر: ارجع إليه. فقال الوزير: نحن أحق بالبعث منك ثم أرسل الى الأمير مانع بالكتاب فلما قرأه عرف أنه كتابه، وأن الله رزق الشاعر منه هذا المبلغ ثم كتب إلى الوزير"الكتاب كتابي والخط خطي وأردت خمس مائة وأراد الله خمسة آلاف، فإني لا أرد ما جرى به قلمي".