أبى الزمن أن أثق بالبشر.. فأصبحت وحيداً تطاردني ذكريات سابقة، تستقبلني طلائع الفجر ويودعني آخر ضوء من النهار وأنا في مكاني.. لتبدأ حكايتي من هنا.. لم يكن صديقاً أثرته في نفسي وفياً فحسب، فقد رسمته على طول علاقتنا التي امتدت سنين طويلة كصورة طبق الأصل من صورتي، فاستكثر مع الزمن فرحتي بأن لي أخاً أستطيع أن أبثه ما بداخلي دون أن يعتريني الخجل وكأنما أحادث نفسي.. ربما حكايتي تبدأ من هنا.. ولكني أراها تقترب من النهاية في داخلي.. (عذراً.. سأبعد ورقتي عن قلمي بعيداً، لأبكي قليلاً على كل شيء كان، حتى لا تمسح دمعتي ما سطرته هنا..).. تحتشد الذكريات في خيالي، أرجع الماضي وأرى فيه صورتي التي لا تشبهني، وأندم على ضحكة كنت أظنها صادقة لحدث كان بيني وبينه ذات مساء، ولم أكن أعلم أنه قد صنع ضحكتي ليفوز بما أراد، وقد فاز حينما أوصلني داري وكأنه يأمن على ضحكتي حتى لا تفارقني عندما يرحل.. شكيت له عن زوجتي.. فأعتبس وجهه وضاق صدره بما ضاق به صدري، ولم أكن حينذاك أن في داخله حفلة صاخبة لا يعرفها صدره إلا من خلال كلمات شكواي !.. سأبدأ من هنا.. وسأتجاهل كل شيء مضى بيني وبينه.. ليس لشيء سوى أن هذه الحكاية التي أكتبها قد أفاقتني من الظلمات التي أعيشها معه، وكشفت لي حفلاته الصاخبة على دموعي.. (حتى أكون صادقاً فيما أكتب، فلا بد لي أن أبكي مرة أخرى، ولا أمتلك في بكائي هذا وعداً أن يكون قليلاً !..).. لم أكن أختلف مع زوجتي ذاك الاختلاف الذي يجعل الحلول صعبة.. قلت له:- زوجتي لا تهتم بي، لا تعلم ماذا حدث في يومي، وحين أعود إلى داري مضخماً بالهموم وأريد أن أبوح بما أثقل كاهلي، تنظر إلي صامتة، وحين تسمع بكاء طفلنا.. لا أجدها وكأنني أبوح لجدار صامت!.. تهتم بطفلنا كثيراً وتهملني، وتتناسى أن لهذا الطفل أباً هو أنا!... قلت له عن إختلافي.. ولا أذكر أني قلت له عن همومي.. استبشرت فيه خيراً مختلفاً عن الخير الذي استبشره بي، فالخير الذي انتظرته منه لم يشوبه تفكير عميق مثلما كان خيره الذي استحضره لنفسه لا لي.. ( لأسبق دموعي قليلاً وأكتب.. ).. لم يرقص طرباً لشكواي على الأقل أمامي، ولكن بعد حين ترجمت كل ملامحه رقصاً حين أفقت ، وبقيت أنا أقضم اختلافي مع زوجتي مع جرعات كبيرة من الفشل في الاستحواذ على يوم جديد مع زوجتي!... ( لن أكذب في أحرفي، ولن يصدق هو في طمس الحقيقة، أعلم أنه هناك قد مسح الماضي بممحاة كان يخبئها ليوم كهذا اليوم!.. ).. قال لي:- الزوجة التي لا تحافظ على زوجها مصيرها بيت أبيها.. كرر تلك الجملة علي كثيراً لكي يثبتها في عقلي، ثم انحرف بكلماته ليحكي لي قصته مع زوجته وكيف إنها لا تنظر إلا له وأنه سيدها.. أشبعني بحكايات زوجته حتى ندمت على زواجي من زوجتي وحسدته!... صعب الأمر علي حين كنت لوحدي بأن أطلق زوجتي حسب كلامه، استمد هذا القرار من كلماتي ، حين قلت له وأبني !... لم أكن أوافقه على الفراق بيني وبين زوجتي، وكنت محقاً بذلك، لذا ظلت زوجتي على ذمتي وباءت كل محاولته للفشل، وبذلك لم يفقد أبني بسمته!.. وحين أيقن أن لا طلاق بيني وبين زوجته تحول مباشرة إلى مدخ أخته لتكون زوجتي الثانية، أخته تلك التي ولى ربيع عمرها عانس، جملها بكلماته، وأعطاها أوصاف مختلفة ضد أوصاف زوجتي ، رسم كل أحلامي بين يدي أخته حتى جف لسانه!... قاب قوسين أو أدنى وأعطيه الموافقة على زواجي من أخته العانس.. وحين عدت لداري وجلست معي نفسي أفكر بكل الكلمات التي قالها، تساقطت أمور كثيرة من عقلي وجردتُ كلماته من جمالها... كنت أكذب الصدق وأصدق كذبه ... لم يشبع من عطائي، فأراد أن يمتلكني لنفسه دون ينتظر ما سأعطيه له !... عدت إلى الماضي حين كشف عن قناعه وأحلامه، عدت إلى الماضي الذي عشناه معاً وحمدت الله أن في كفي خمسة أصابع لم يسرق منها شيئاً !... شعرت إني قد وثقت فيه، وصنع هو تلك الثقة ليطمس رؤيتي له.. حتى أنه قال لي:- أنا أبحث عن سعادتك.. وإذا لم تأخذ بكلماتي الآن لا تشتكي لي أبداً.. قال تلك الكلمات وهو غاضب وكأنه بتلك الكلمات يتعلق بآخر أمل لأحلامه.. لأول مرة في حياتي معه لم أوافقه على ما كان، فكان لأبني أخوان، ورأيت أن هناك حياة أخرى لا تعرفه لها بشر وصدق لا تشبه حياته ووجوده وصدقه !... تباعدت بيننا الأوقات، فمن خلال هذا الموقف عرفت أنه لم يكن صديقاً وفياً، كان الطمع عماه عما جناه مني ليزوجني لأخته العانس، هنا بدأ الضباب يفتر عن عيني، فعدت إلى ذكرياته معه، ووجدت إنني لم ألمس منه سوى ضحكة وبسمة لم تكونا لي في يوم من الأيام.. وإفترقنا.. وانتهت تلك الحكاية.. عرفت بعده كيف تكون الضحكة الصادقة من القلب، وعرفت زيف الكلمات التي كنت أعيش فيها.. تذكرت تلك الحقيقة حين رأيته صدفة، لم يتقدم للسلام علي، أولاني ظهره وأمسك بيد رجل آخر يصنع له نفس الكلمات ونفس الضحكات اللاتي أعرفهن جيداً.. وعرفت فيما بعد أنه زوج أخته العانس ذلك الرجل الذي يمسك بيداه لتكون الزوجة الثانية !...