دخل لبنان حقبة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 وقد بدأت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس الحالي ميشال سليمان في 25 مارس وتنتهي في 25 مايو المقبل. وبدأ النقاش الدستوري والسياسي يحتدم حول مواصفات الرئيس العتيد وموعد الجلسة الدستوري واكتمال النّصاب. يسجّل هذا الاستحقاق أنه يتمّ للمرة الأولى من دون وصاية خارجية، ووسط ثورة تعيشها سوريا منذ عام 2011 ما يخفف من وطأة تدخّلها في هذا الاستحقاق الذي طالما كانت دمشق الناخب الأول فيه. لكنّ العارفين بخفايا الأمور السياسية في لبنان يحذرون من يستبعدون أي دور سوري بأن "لدمشق حلفاءها الأقوياء في لبنان وبالتالي ستكون لها كلمتها سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر". هذا الكلام لا يجد محبذين له في الأوساط الدبلوماسية الغربية العاملة في لبنان، ويقول أكثر من دبلوماسي بأن هذا الاستحقاق هو "لبناني صرف وعلى اللبنانيين أن يختاروا الرئيس الذين يرونه مناسبا لبلدهم"، ويمتنع هؤلاء حتى عن وضع مواصفات محددة للرئيس العتيد. في هذا السياق يقول السفير البريطاني في بيروت توم فلتشر ل"الرياض": " إن الاستحقاق الرئاسي هو ملك اللبنانيين وحدهم ونأمل بأن ينصبّ اهتمامهم على اختيار الرئيس المناسب لبلدهم، جميع من ألتقيهم من الزملاء الدبلوماسيين يتقاسمون هذه الفكرة ونأمل بأن تقتنع جميع الدول وخصوصا الإقليمية بهذا الأمر". من جهة ثانية، يقول دبلوماسي آخر رفض الكشف عن هويته بأن " شخصية الرئيس العتيد ينبغي أن تكون تسووية ووسطية بمعنى أن توافق عليها جميع المكونات اللبنانية، إلا أن الحديث عن اسم محدد لا يزال مبكرا". في أجندة "المسترئسين" اللبنانيين وهم بطبيعة الحال من المسيحيين الموارنة برز اسما رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس "التيار الوطني الحرّ" العماد ميشال عون. جعجع معروف بمواقفه الحادّة جدّا من "حزب الله"، وبالتالي فمن غير الجائز أن يتمّ قبوله شيعيا وخصوصا بعد رفضه الدخول في الحكومة الأخيرة بسبب ضمّها لوزراء من "حزب الله". جعجع هو حليف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري لكنّه يذهب أبعد منه في مخاصمته ل"حزب الله". أما العماد ميشال عون المرتبط بوثيقة تفاهم مع "حزب الله" منذ عام 2005، فإنه يحاول منذ مدّة وضع مسافة ولو شكلية بينه وبين الحزب، فهو مدّ جسور التواصل مع الحريري في لقاءات خارجية معه بقيت بعيدا من أضواء الإعلام، وراح يكيل له المديح في أكثر من مناسبة عالما بأن الصوت السني ضروري لانتخابه وخصوصا وأن للحريري أكبر كتلة نيابية في البرلمان. "حزب الله" لم يرشح عون علانية لكنه يترك له مجالا واسعا لتشبيك العلاقات ويقول أحد المسؤولين العونيين ل"الرياض":" لا يمكن ل"حزب الله" أن يعارض وصول عون الى الرئاسة مدركا أن الأخير لا يمكن أن يوجّه له طعنة في الظهر، فعلى الرغم من التباينات في ما بينهم وخصوصا في الموضوع السوري بحيث نأى العماد عون بنفسه فلم يغطّ مشاركة الحزب في الحرب السورية فإن عون لا يخطئ في الإستراتيجية العامة المرتكزة الى تشبثه القوي بالمقاومة ضدّ إسرائيل". بالإضافة الى هذين المرشحين تطرح أسماء أخرى أبرزها قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يحظى باحترام كبير كونه قائد المؤسسة العسكرية اللبنانية وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والنائب والوزير السابق جان عبيد وأسماء أخرى كثيرة. في أيّ حال بات مؤكدا بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يهيئ الأرضية المناسبة لتوجيه الدعوة لانتخاب الرئيس وبحسب مصادره فلا دعوة قبل 25 نيسان (أبريل) المقبل لكنها ستكون حتمية قبل 25 مايو المقبل وذلك بحسب ما تنص عليه المادة 73 من الدستور اللبناني التي تقول:" قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس". للتذكير فإنه بين عامي 2007 و2008 وجّه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري 20 دعوة لانتخاب رئيس للجمهورية لم يكتمل فيها النصاب إلا بعد اتفاق الدوحة.