إن صناعة الإعلام والدراما في منطقة الخليج، تحتاج لدعم وتشجيع من قبل كل المكونات المجتمعية، فضلاً عن الجهات الرسمية والخاصة، لأن هذه الصناعة المؤثرة والخطيرة تُمثل أحد أهم مقومات التنمية الشاملة يبدو أن الصورة النمطية التي يحملها الكثير منا عن المهرجانات الفنية والدرامية والإعلامية، أصبحت أشبه بقناعات راسخة أصّلتها النظرة المشوهة للفنون باعتبارها -أو على الأقل أغلبها- لا تتناسب مع ثوابتنا وقيمنا وخصوصيتنا، كما رسختها أيضاً بعض الممارسات الجريئة والصادمة والمثيرة لبعض الفنانين والفنانات، رغم أن هذه الممارسات نفسها قد تبدو طبيعية جداً ولا يُلتفت لها حينما تُمارسها شرائح وفئات أخرى من المجتمع، ولكن عالم الفن والإعلام يكون عادة تحت المجهر، بحيث تُرصد سكناته قبل حركاته، وهذه الظاهرة ليست خاصة بمجتمعاتنا العربية، ولكنها ظاهرة عالمية تطال كل هذا العالم المثير والجذاب والذي تعشقه الأضواء وتلاحقه الظنون وتُنسج حوله الحكايات، بل والأساطير والأكاذيب. نعم، قد يظن البعض بأن المهرجانات الفنية والإعلامية، سواء العالمية أو العربية، تُعد نوعاً من الترف والبذخ، بل والمجون. بكل أسف، تلك هي الصورة السلبية للمهرجانات الفنية والإعلامية، بل وللفن والدراما والإعلام بشكل عام. إن صناعة الإعلام والدراما في منطقة الخليج، تحتاج لدعم وتشجيع من قبل كل المكونات المجتمعية، فضلاً عن الجهات الرسمية والخاصة، لأن هذه الصناعة المؤثرة والخطيرة تُمثل أحد أهم مقومات التنمية الشاملة، لأنها تُسهم بشكل كبير جداً في زيادة منسوب الوعي المجتمعي، إضافة إلى قدرتها الفائقة على تشكيل وصياغة وتنمية الثقافة والفكر والسلوك لمختلف شرائح ومكونات المجتمع. إن خطورة هذه الصناعة التي تدر المليارات وتوفر آلاف الفرص الوظيفية وتُحرك عجلة الاقتصاد، تكمن في تأثيرها المباشر وغير المباشر على المجتمع بأفراده ونخبه وسياسييه. هل نُدرك حقاً مدى خطورة وتأثير الصناعة الإعلامية والدرامية على المجتمعات والشعوب؟، ألا يستطيع فيلم سينمائي واحد أن يُقدم رسائل وصوراً وأفكاراً تعجز عنها حكومات ومؤسسات ودوائر سياسية وفكرية؟، ألا يستطيع عمل درامي تنتجه إحدى المؤسسات الإعلامية الصغيرة أن يُشوه الكثير من القيم والعادات والتقاليد، بل وقد يشوه أمة بكاملها؟، ألا يُمكن لبرنامج وثائقي أو سياحي يصور بعض المشاهد والمناظر والملامح والمعالم لبلد ما، أن يُسهم في التسويق والترويج لذلك البلد؟ على مدى أربعة أيام رائعة، شاركت بحب وإعجاب وفرح بمهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في نسخته الثالثة عشرة، والتي أقيمت في البحرين قبل عدة أيام. إن هذا الكرنفال الإعلامي المميز الذي انطلق لأول مرة في دولة الكويت عام 1980، وانتظم انعقاده في مملكة البحرين كل عامين اعتباراً من عام 1994، يتصدر الآن المهرجانات الإعلامية والفنية في العالم العربي، ويحظى بسمعة واسعة وشهرة كبيرة على الصعيد العالمي. وما يُميز هذا المهرجان الرائع في دورته ال 13، هو احتفاؤه بإسهامات وإبداعات الشباب، إيماناً من القائمين عليه بضرورة الاهتمام والعناية بشريحة الشباب التي تُعتبر الأكبر والأهم في في المجتمع الخليجي، بل والعربي. تحت شعار "شبابنا.. مستقبل إعلامنا" حمل المهرجان الكثير من طموحات وتطلعات وتحديات الشباب، خاصة في فضاء الإعلام الجديد الذي يعشقه ويُبدع فيه الشباب. إن مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، ليس مجرد منصة مسابقات ومنافسات وجوائز، أو ندوات وجلسات وأوراق علمية وبحثية، بل هو كل ذلك وأكثر. لقد استطاع هذا الحدث الإعلامي الكبير، وخلال كل تلك السنوات والخبرات، أن يُكرّس الكثير من المفاهيم والقيم والتجارب، وأن يُسهم في تعميق وحماية الهوية الخليجية والعربية، وأن يكون منارة رائدة للإعلام والفن والثقافة، وأن يكون مركزاً حيوياً لتبادل المعلومات والخبرات والتجارب بين الفنانين والإعلاميين والمبدعين، كما كان له الدور الكبير في التحفيز على تنمية الإنتاج المشترك، سواء على الصعيد الخليجي أو العربي. في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها عالمنا العربي، خاصة في ظل هذا "الربيع العربي" المثير للجدل والفهم، والذي لم تتضح معالمه وملامحه بعد، تراجعت المهرجانات العربية الفنية والإعلامية المهمة، بل إن بعضها قد اختفى تماماً من قائمة المهرجانات العربية، مما يُحمّل مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون المسؤولية الكبرى للاضطلاع بدوره الحقيقي ومكانته العالية للارتقاء بالقيم الفنية السامية والرسائل الإنسانية والحضارية التي يُجسدها الفن والإعلام. لقد كرّم المهرجان العشرات من الفنانين والإعلاميين والمبدعين الخليجيين والعرب، وهم يستحقون ذلك نتيجة ما قدموه من اسهامات وخدمات وإبداعات، كما حصد الكثير من الفنانين والفنانات أهم الجوائز والألقاب، ولكن هناك شخصية وطنية وخليجية وعربية رائعة تستحق التكريم والإشادة، بل والإعجاب والفخر، لأنها خلف كل النجاحات والتطورات والإبداعات التي يشهدها المهرجان دورة بعد دورة، وهو الدكتور عبد الله أبو راس مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج وأمين عام المهرجان، فهذا الرجل الملهم يستحق التكريم، ولعل نجاح المهرجان هو التكريم الذي ينشده هذا الإنسان الرائع. مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، وبعد 35 عاماً من العطاء والنجاح والتميز، بحاجة ماسة لنقلة نوعية كبرى باتجاه العالمية التي يستحقها، تماماً كالمهرجانات العالمية، كمهرجان كان الدولي ومهرجان برلين الدولي ومهرجان البندقية، بل ومهرجان الأوسكار العالمي. بعد عامين من الآن، هل نشهد الدورة ال 14 لمهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، ولكن بنكهة الأوسكار؟