القرار الملكي الأخير بخصوص تعيين الأمير مقرن (ولياً لولي العهد) أسعد المواطنين من جهة، وأخرس المغرضين من جهة أخرى.. فعل ذلك بطريقة نهائية وحاسمة رغم أن الأمير مقرن لم يزل (فعلياً) في موقعه وترتيبه الثالث في سلم الحكم.. وبالتالي يمكن القول أن القرار الملكي الأخير كان معنياً في الأساس ببعث رسالة تطمئن "الداخل" إلى توافق العائلة المالكة على تراتبية الحكم وإلى"الخارج" بأن الدولة السعودية أكثر مرونة مما تصوروا وأبعد نظرا مما توقعوا... ومن المعلوم أن الأمير مقرن هو آخر أبناء الملك عبد العزيز، وأصغر حتى من بعض أفراد الجيل الثاني في العائلة المالكة.. وكان لي شخصيا شرف العمل مع سموه أثناء توليه امارة المدينةالمنورة ولمست عن قرب مدى مهارته الإدارية وحنكته القيادية.. لا أرغب بتكرار ماقلته في مقال سابق (تجدونه في النت بعنوان: ما لا تعرفونه عن الأمير مقرن) ولكنه بالفعل رجل مستقبلي ومنفتح ويجيد عدة لغات.. يهتم بالتقنية والفلك والإدارة ويرى في التدريب والتطوير الأساس الحقيقي لتقدم أي دائرة حكومية. كان قائدا حقيقيا يشجع الآخرين على امتلاك رسالة ورؤية (في وقت لم يفهم فيه معظم المديرين مغزى هاتين الكلمتين) وكان يحث الجميع على ضرورة الانتقال للحكومة الالكترونية (في وقت كان فيه البعض يعتقد أنها مبنى جديد)!! الأمير مقرن أثناء أداء القسم حين تعيينه نائباً ثانياً.. حمل الأمانة بإخلاص كان في الأصل ضابطا في سلاح الجو الأمر الذي انعكس على التزامه ودقة حضوره وانصرافه ومنحه للآخرين مهلة محدده لإنجاز المهام.. كان انضباطه العسكري يمتزج بصوره فريدة مع مهاراته القيادية، لدرجة يكاد يحفظ عن ظهر قلب كتاب "العادات السبع للقادة الإداريين" لستيفن كوفي.. كانت مهارته في الإنصات وإدارة الاجتماعات تشجع الآخرين على الاسترسال وتداعي الافكار وخروج المجموعة بأفضل الحلول.. كان يستمع من الجميع حتى الاستنزاف قبل أن يتحدث هو ويتخذ قرارا حاسما.. لم يتصرف يوما بطريقة عشوائية أو يتخذ قرارا دون معطيات وأرقام أو استشارة الأطراف المعنية.. كان يؤمن بأن أعمال الانسان هي ما يجب أن تتحدث عنه وبالتالي لم يكن حريصا على الظهور الإعلامي، ورغم أنه كان يعرف المصورين والإعلاميين بالاسم.. الأمير مقرن وإلى جواره فهد عامر الأحمدي كان -قبل دخوله مبنى الأمارة صباحا- يخصص وقتا للاستماع للأرامل والأيتام وكبيرات السن وأخذ شكاويهن المكتوبة.. وقبل نهاية الدوام ينزل إلى صالة خاصة بالمراجعين ويتحدث معهم بكل أريحيه وانفتاح.. كانت شخصيته المتواضعة وابتسامته الدائمة تجعل من يصادفونه وجها لوجه يستغربون وأحيانا لا يصدقون أنه الأمير مقرن (وأسالوا أهل حائلوالمدينة كم مرة صادفوه لدى إشارات المرور).. كان رجلا يقدر من حوله ويمنح كل فرد أهميته الخاصة لدرجة سمعته ذات يوم يقول لمراسل كبير في السن: "ترانا في ذمتك يا أبو فلان لو شفتنا تأخرنا في أي اجتماع تنبهنا لصلاة الظهر".. الأمير مقرن راعياً حفل وضع حجر أساس وقف طيبة لجمعية الأطفال المعوقين حينما كان أميراً للمدينة المنورة وفي المقابل كنا نشعر بالفخر والاعتزاز حين يلتقي بالسفراء الأجانب ورؤساء الوفود حيث لغته الأجنبية وثقافته العالمية تثيران دهشة الضيوف دائما.. كان رؤساء بعثات الحج يندهشون فعلا حين يحدثهم عن مستجدات في أوطانهم لم يسمعوا بها بعد (ولم أعرف أنا السر إلا بعد أن بدأت أدخل على سموه في المختصر وأشاهده يتابع قنوات الأخبار العالمية في نفس الوقت الذي يراجع فيه الملفات المحلية..)!! جولة للأمير مقرن على المناطق المتضررة من السيول بالمدينةالمنورة حينما كان أميراً للمنطقة وما يزيد هذه الشخصية جمالا ويزيدنا نحن اطمئنانا اجتماعها في رجل يأتي في المركز الثالث في تسلسل الحكم والابن الخامس والثلاثين للملك عبد العزيز.. وبهذا يمكن القول إن القرار الملكي الأخير ليس فقط حاسما في وضوحه ومهما في توقيته، بل ومتطابقا من حيث التسلسل الوراثي مع أفضل كفاءة إدارية وقيادية تمتد لأكثر من 45 عاما..