عقوبة التعزير على كل مخالفة أو جريمة لا حدَّ فيها ولا قصاص، وتلك العقوبة هي سلطة تقديرية يسعى القاضي فيها للزجر والتأديب، ومنها ما يمس الأموال، كالإتلاف والغرامة ومنع التصرف والمصادرة، وما نحن بصدده هنا هي العقوبة المالية، التي يُطلق الفقهاء عليها مُسمى "التعزير المالي". وتُعرَّف العقوبة المالية بأنَّها عقوبة ثابتة شرعاً تتعلق بالمال، ويندرج تحتها الغرامات كعقوبات بديلة أو تكميلية وردت في العديد من الأنظمة الحكومية داخل "المملكة"؛ لتكون رادعاً لكل من تُسوِّل له نفسه ارتكاب جريمة أو مخالفة ما. وتُعرَّف الغرامة بمفهومها العام على أنَّها عقوبة مالية يُلزم بها المحكوم عليه لدفعها لخزينة الدولة، إذ تتم العقوبة بعد أن يرتكب المحكوم عليه بإخلال أحد نصوص النظام تحت تقنين الجهة المصدرة للقرار. وتنقسم العقوبة إلى "عقوبة أصلية" و"عقوبة تبعية" إلى جانب "عقوبة أصلية سالبة للحرية"، ويظل الغرض الأساسي منها هو الحد من الجريمة، وفي بعض الحالات قد تكون أكثر إيلاماً من العقوبات السالبة للحرية، إذ إنَّ تأثيرها يختلف من شخص لآخر، ويظهر جلياً أهمية توقيع العقوبات في تأديب المخالف؛ لكي لا يعود لفعله، ويتعظ المجتمع وينزجر حين يرى تنفيذ هذه العقوبة، فلا يُقدم أفراده على ما أقدم عليه غيرهم. وسنّت المؤسسات والهيئات الحكومية عدداً من اللوائح التنظيمية المتعلقة بنظام العقوبات والمخالفات؛ لردع المخالفين والمتجاوزين على أنظمتها المنصوصة، ولحملهم على تلافي الوقوع في الأخطاء مستقبلاً، ومن المعلوم أنَّ كل قطاع من تلك القطاعات يعمل على تحديد لوائحه وغراماته المالية وفقاً لمقاييسه ومعاييره. عقوبة الغش لا تتجاوز 500 ألف ريال ولكن حجم ضررها على المستهلك قد يصل إلى الموت وأكد عدد من المختصين على أن الغرامات المالية ليس لها تأثير في النُظم المحلية، مضيفين أنَّها ذات تأثير ضعيف، ولا تؤدي عملها بالغرض الذي سُنت من أجله وهو الإيلام، داعين الجهات المُشرِّعة إلى مراجعة ومتابعة أنظمتها وعقوباتها بشكل مستمر وفقاً لمقاييس ومعايير تهدف إلى متابعة جوانب القصور والأخطاء ووضع الحلول الممكنة، خاصةً أنَّ معظم الغرامات المالية في العديد من الأنظمة الحكومية لم يطرأ عليها أيّ تغيير منذ (30) عاماً مضت. إعادة تقييم وأوضح "د.أحمد الصقية" -محام، ومستشار قانوني- أنَّ العقوبات تختلف باختلاف الأشخاص ونوع الجريمة وحجمها وجسامتها والضرر الناتج عنها، مشدداً على أهميَّة مراجعة تلك العقوبات والغرامات؛ للتأكد من ملاءمتها لردع المجرمين والمخالفين، مشيراً إلى أنَّ هناك العديد من العقوبات المالية الضعيفة في الأنظمة الحكومية، ومن ذلك ما نص عليه نظام مراقبة البنوك الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/5) وتاريخ (22/2/1386ه)، وما ورد بنص المادة (23) من عقوبات مالية مقترنة بالسجن تكاد تكون معدومة الأثر لقلتها. ولفت إلى أنَّه -على سبيل المثال- فإنَّ الفقرة (2) تضمنت أنَّ يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تزيد عن (20) ألف ريال سعودي أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادة (19)، وبالرجوع لنص المادة (19) ونصها:"يُحظر على أيّ شخص يحصل على أيَّ معلومة أثناء أو بمناسبة أدائه أيّ عمل يتعلق بتطبيق أحكام هذا النظام إفشاؤها أو الإفادة منها بأي طريقة". وأشار إلى أنَّ العقوبة المالية في هذه المادة ضعيفة للغاية وتحتاج إلى إعادة تقييم، إضافة إلى ما ورد بالفقرة (3) التي نصت بالمعاقبة بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على (10) آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد الثامنة والتاسعة وال(10)، مضيفاً أنَّ من العقوبات المالية الضعيفة أيضاً، ما يتعلق بنظام "مكافحة الغش التجاري" الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/19) وتاريخ (23/4/1429ه) بمادته ال (14) التي نصت على أن يعاقب بغرامة لا تزيد على (500) ألف ريال أو السجن مدة لا تزيد على سنتين أو بهما معاً، كل من ارتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة الثانية. وبيَّن أنَّه بالعودة إلى بعض فقرات المادة الثانية التي تضمنت كل من خدع أو شرع في الخداع بأي طريقة من الطرق في إحدى الأمور الآتية التي شملت كلاً من ذاتية المنتج أو طبيعته أو نوعه أو عناصره أو صفاته الجوهرية، إلى جانب مصدر المنتج وقدره، سواءً في الوزن أو الكيل أو المقاس أو العدد أو الطاقة أو العيار، وكذلك من غش أو شرع في غش المنتج وباع منتجاً مغشوشاً أو عرضه، فإنَّ الغرامة الواردة كعقوبة على تلك المخالفات لم تتجاوز ال(500) ألف ريال. وأضاف أنَّه لم يتم النظر إلى الآثار المترتبة على وقوع تلك المخالفات من حالات تسمم أو أخطار صناعية أو تهدم منازل وما ينتج عنها من إلحاق الضرر الذي قد يصل إلى الموت، مشيراً إلى أنَّه كان لزاماً على المُنظِّم أن يأخذ بعين الاعتبار تلك النتائج والآثار التي تترتب على تلك المخالفة وتقدير العقوبة الرادعة والمناسبة التي تتوافق مع حجم الضرر؛ حتى لا يدع مجالاً لكل مخالف ومجرم ارتكاب مثل هذه الجرائم. وأكد على أنَّ من بين العقوبات المالية الضعيفة أيضاً، ما ورد في نظام الأسلحة والذخائر الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/45) بتاريخ (25/7/1426ه) في المادة (36) التي نصت على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز (15) سنة وبغرامة لا تتجاوز (150) ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين، كل من ثبت حمله سلاحاً حربياً أو ذخيرته أو اقتنى أيَّاً من ذلك أو باعه أو اشتراه، إلى جانب المادة (37) التي نصت على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز (10) سنوات وبغرامة لا تتجاوز (100) ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين، كل من ثبت صناعته أسلحة فردية أو قطع منها أو ذخائرها، أو ثبت تهريبه لها إلى داخل "المملكة" بقصد الاتجار. أثر رادع وأوضح "د.الصقيه" أنَّه بالنظر إلى تلك الغرامات ومقارنتها بجسامة الفعل المُرتكب، فإنَّنا نجد أنَّها تكاد تكون منعدمة الأثر الرادع، الأمر الذي سيؤدي إلى تكرار وقوع تلك الجرائم، مضيفاً أنَّ نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/38) بتاريخ (28/7/1422ه) في مادته ال (37) التي نصت على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن (30) ألف ريال أو بهما معاً، كل من انتحل صفة المحامي أو مارس مهنة المحاماة خلافاً لأحكام هذا النظام، لافتاً إلى أنَّه من الرادع في هذه المادة أن يتم تغريم من يرتكب مثل هذه العقوبة التي قد يكون نتج عنها العديد من الآثار المادية والمعنوية، سواءً بالسلب أو الإيجاب هذا المبلغ. ودعا الجهات المعنية إلى مراجعة صياغة تلك المواد بشكل دوري؛ لتُواكب جسامة تلك الأفعال، مؤكداً على وجود العديد من العقوبات والغرامات الواردة في عدد من الأنظمة الحكومية التي لابد من إعادة النظر فيها، ومنها نظام المرور ونظام مكافحة الرشوة ونظام مكافحة الاعتداء على المال العام وإساءة استعمال السلطة. تأثير ضعيف ولفت "سعيد العمري" -محام، ومستشار قانوني- إلى وجود العديد من الغرامات التي لا تأثير لها في النُظم المحلية، مضيفاً أنَّها ذات تأثير ضعيف، موضحاً أنَّها لا تؤدي عملها بالغرض الذي سُنت من أجله وهو الإيلام، مشيراً إلى إحدى المخالفات المالية الضعيفة في الأنظمة الحكومية والمتمثلة بالصحة العامة. وقال:"على الرغم من أنَّ المخالفات خطيرة ومتعلقة بصحة الإنسان، إلاَّ أنَّنا نجد أنَّ عقوبة الغرامة المفروضة في نظام الصحة العامة قليلة وزهيدة". وأشار إلى أنَّ غرامة إلقاء النفايات في غير الأماكن المخصصة لها حُدِّدت في بعض المخالفات بغرامة قدرها (100) ريال في الحد الأدنى بحيث لا تتجاوز الغرامة في حدها الأعلى خمسة آلاف ريال، مضيفاً أنَّ غرامة النفايات الخطيرة التي تؤدي إلى أمراض خطيرة لا تتجاوز غرامتها المالية (20) ألف ريال، موضحاً أنَّ غرامة تسرب مياه الصرف الصحي في الشوارع أو مجاري السيول من المساكن أو المباني الاستثمارية لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف ريال، مبيناً أنَّ حدها الأدنى (500) ريال. وأكد على أنَّ هناك بعض العقوبات الضعيفة في المواد (118) و(119) و(120) من نظام الأوراق التجارية، موضحاً أنَّها نصت بعد تعديلها على أن يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة مالية أو بإحداهما كل من أقدم بسوء نية على ارتكاب إحدى الأفعال التالية، إذا سحب شيكاً لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابل للسحب أو يكون مقابل الوفاء أقل من قيمة الشيك، إضافة إلى استرداده بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء، وإذا أمر الساحب المسحوب عليه بعدم صرف قيمة الشيك، وإذا تعمد تحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه، وإذا ظَهَّر أو سلَّم شيكاً وهو يعلم أنَّه ليس له مقابل يفي بقيمته أو أنَّه غير قابل للصرف. وقال:"في ما سبق، نفترض أنَّ شخصاً معنوياً حرَّر شيكاً بسوء نية بمبلغ وقدره (300) مليون ريال، وثبت في حقه العقوبة التي سلف ذكرها، وطُبق عليه الحد الأقصى للعقوبة المالية وقدره (50) ألف ريال، فإنَّ هذا إجحاف بحق الغرامة؛ لأنَّ العقوبة المالية لا تمثل لديه شيئاً مقارنةً بثروته التي يمتلكها"، مضيفاً أنَّه لو أنَّ شخصاً حرَّر بسوء نية ثلاثة آلاف شيكاً وتقدم المدعى العام ضده بشكوى في الحق العام وسرد الشيكات وأرقامها وتواريخها في لائحة دعوى واحدة ولم يفرقها، فإنَّ العقوبة المالية التي قد تقع على هذا المُحرر إذا طبقت بحدها الأقصى بغرامة وقدرها (50) ألف ريال. عواقب وخيمة وبيَّن "العمري" أنَّ المخالفات المذكورة مخالفات كبيرة وعواقبها وخيمة، مشيراً إلى أنَّ عقوبة الغش وفقاً لما نص عليه النظام لا تؤدي لمكافحة الغش، بل تؤدي إلى زيادته وازدهاره، مرجعاً ذلك إلى أنَّ الأرباح التي تُجنى من البضاعة المغشوشة أرباح كبيرة ومن الممكن أن تُعوض التاجر عن المبلغ الذي سيدفعه مقابل الغرامة بكل يسر وسهولة، داعياً الجهات المعنية إلى إعادة النظر في في العديد من النُظم التي جاءت غراماتها المالية بمبالغ زهيدة؛ لكي تؤدي الغرض الذي سُنت من أجله. مراجعة الأنظمة وأيده الرأي "عبدالناصر السحيباني" –محام، ومستشار قانوني-، داعياً الجهات المُشرِّعة إلى مراجعة ومتابعة أنظمتها وعقوباتها بشكل مستمر وفقاَ لمقاييس ومعايير تهدف إلى متابعة جوانب القصور والأخطاء ووضع الحلول الممكنة، خاصةً أنَّ معظم الغرامات المالية في العديد من الأنظمة الحكومية لم يطرأ عليها أيّ تغيير منذ (30) عاماً مضت، مشيراً إلى أنَّه لا يستطيع وصف المخالفات المالية الضعيفة دون وجود مقياس دقيق ومعايير محددة لقياس المخالفة. وشدد على ضرورة إيجاد مقياس لمدى فاعلية تلك الأنظمة في الأجهزة الحكومية؛ لضمان فاعليتها وتحقيق أهدافها المرجوة التي وضعها المُشرِّع بهدف منع حدوث المخالفة، لافتاً إلى أنَّ الغرامة في كثير من الأحيان قد لا تشكّل شيئاً بالنسبة لجانبها المادي، داعياً إلى مراجعة تلك الأنظمة وغراماتها المالية وإعادة صياغتها من جميع النواحي؛ لتعديلها أو استبدالها. د.أحمد الصقيه سعيد العمري عبدالناصر السحيباني