قرأت في الكتاب الثمين (خيار ما يُلتقط من الشعر النبط) أن محمد الفوزان وعبدالله الفرج كانا صديقين يترادان المعاني بالأشعار وهما من أشهر شعراء الكويت القدماء.. قال مؤلف الكتاب عبدالله الحاتم: (ذلك هو شاعر الكويت على الأطلاق محمد بن فوزان، وكان يسمَّى «حليق الذهب» لندرة وجوده ما يقول.. مثلاً كان ابن فوزان يخاطب صديقه الشاعر عبدالله الفرج بعشرين بيتاً فيرد عليه هذا بخمسين!.. ويخاطبه ابن فرج بخمسين فيرد عليه بعشرين. قضى ابن فوزان جل حياته في فاقة وعوز شديدين على عكس ابن فرج الذي ترك له والده ثروة طائلة جداً أصبحت حديث المجالس وقد ظن الناس في وقته أنها لا تفنى ولو عمل ما عمل، ولكنه - ابن فرج - مات ميتة رجْلٍ معه مال ولا هوب بذّالْ لا خير في ماله وكثر اجتماعه الفقراء المعدمين عام 1319ه بعد وفاة صديقه الفوزان بخمس سنوات.. أمّا ابن فوزان فقد ذكر لي أحد الطاعنين في السن ممن عاصروه أنه مات شيخاً كبيراً..) خيار ما يلتقط ج2 ص237 (بتصرف يسير). ثم يورد المؤلف أشعاراً كثيرة يتناوب معانيها هذان الشاعران.. نختصر منها بعض رؤيتهما للمال لنعرف رأي المقل المعدوم (ابن فوزان) ورأي الثري وقتها (ابن فرج..) الله من كثر الهواجيس بالبال يا ليت بفراق الهواجيس ساعه ها الوقت لو حطيت في عدَّال عقل ثقيل، ما تدل السناعه يضيع عقلك فيه من كثر الأهوال ويطيش بك لو كنت راعي وقاعه أصحابنا ها الوقت يا خيبة الفال لو هربدوا ويّاك، عدوان قاعه الصاحب اللي ما يفيدك إلى مال وقتك، فذا منه بيان القطاعه واعرف ترى بالمال تصليح الأحوال والاّ الفقر ما فيه كود الشناعه رجل بلا مال ما هو برجّال لو هو على الجسره طويل ذراعه ورجل معه مال لو شفته احوال مقبول عند الناس لو هو رعاعه ورجل معه مال ولا هو بذال لا خير في ماله وكثر اجتماعه ما هذه من المال ما هو له بمال أموضّع عنده سوات الوداعه إصبر إلى ما شفت تغيير الأحوال صبر الحسام بكف راعي الشجاعه كم من صبور نال غايات الآمال وكم من جزوع فلسته الجزاعه وهي قصيدة طويلة تجري في سهولة جريان الماء العذب في الأنهار.. فرد عليه صديقه عبدالله الفرج بقصيدة مشابهة في الطول والسلاسة نختار منها قوله: يا محمد الفوزان فزنا بمرسال أحكمت فيه من البديع الصناعه تشكي زمان شايف فيه الأهوال ومصدّع راسك بكثرة صداعه لا تسترتب من الدهر مثلك امال أوري بهم جوره وسوى الفناعه فاليوم وين اللي قال فعّال ما ينثني عزمه، طويل ذراعه؟ أقول ذا والوقت يحصل به ارجال ما هو خلي من رجال الشجاعه لكن على ما قيل في ضرب الأمثال بالألف تلقى واحدٍ بالجماعه والحق لا تعتب على كل من نال مالٍ، إلى عانه زمانه وطاعه أعتب على حظك إذا كنت عذال لا شك ما بيدك عليه استطاعه والحظ ما يخفاك حاله إلى مال بك محمله لزماً يكرف شراعه عنّز على المعطي وهو الواحد الوال منشي مراهيش المزن بانهماعه فهو الذي رزق الملا منه ينهال دوم، ولا ينخاف منه انقطاعه وايّاك يغشى الهم بالك ولا وجال ويضيق بك منه الفضا باتساعه ومن العسر بالك تعول وتهتال او تاخذك مثل الجزوع الجزاعه اصبر ومرجوعه من اليسر ينجال وتشوف ما يوفيك بالمدّ صاعه وعموماً فقد أذهل كثيراً من الشعراء مفارقة الحظ والمال، وقديماً رأى كثير منهم أن المال لا يأتي بالعقل والذكاء وإنما هو يأتي بالحظ وربما يخص أهل الحمق، وهي رؤية غير صحيحة على الإطلاق، فالله عز وجل هو الرزاق المتين، وقد جعل للزرق أسباباً أهمها العمل والمثابرة والصير والتوفير، وهي خصال لا تتوفر - في الغالب - لكثير من الشعراء، وربما أحس الشاعر أن موهبته الفذة كافية لجعله من الأغنياء المرفهين، وهذا ليس شرطاً وليست كافية، وإذا كان الشاعر المدّاح قد يغتني من مديحه فهذا أمر لا يتوفر في كل عصر، ومن الخير للشعر ألا يتوفر دائماً. على أي حال يقول الشاعر القديم: لو كان بالحيل الغنى لوجدتني بنجوم أقطار السما تعلقي لكن من رزق الحجا حرم الغنى ضدّان مفترقان أي تفرقِ وأحق خلق الله بالهمّ امرؤ ذو همّةٍ يُبلى برزقٍ ضيقِ ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمقِ ونسبت هذه الأبيات للإمام الشافعي في بعض المصادر، وذلك غير صحيح فقد سبق أن حققت ديوان الشافعي فلم تثبت. ولأبي تمام: ولو كانت الأرزاق تجرى على الحجا هلكن اذن من جهلهنّ البهائمُ والشعر كثير في هذا المعنى. والخلاوي يعرف تغير الأحوال حين قال: فقولوا لبيت الفقر لا يامن الغنى وبيت الغنى لا ما من الفقر عايد وأقرب دليل قصة ابن فرج التي أوردها الحاتم في أول المقال.. ثم ذهب الجميع تغمدهم الله برحمة منه ورضوان.. فدوام الحال من المحال.. وسبحان مغير الأحوال.