(قضيت شبابي فقيراً آكل الخبز الجاف إيدامي ماء نهر دجلة فقط، ووقتي كله للقراءة وطلب العلم، ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو).. هذا ما يقوله (ابن الجوزي) عن نفسه وهو صادق، فللبحث وطلب العلم متعة لا تعادلها متعة، ولعشاق الأدب وشداته طرب عجيب مع ما يجدون من روائعه وما يستخرجون من درره وهم يغوصون على مشقة الغوص.. وفي شبابهم يفتنون بالروائع وتتجه لها مواهبهم مسقطين الأدب الهزيل ثم -في البداية- يعملون على محاكاتهم والتأثر بها حتى يجد الواحد منهم أسلوبه الخاص فكأنما ملك (يختاً) فاخراً يسافر به إلى كل الدنيا سعيداً جداً.. برنارد شو احترف الأدب عشقاً ولم يكسب في السنوات العشر الأولى إلاّ ستة جنيهات فصلها مترجم حياته (أندريه موروا): 15 شلنا عن مقال 5 شلنات عن قصيدة جنيه عن رواية و4 جنيهات عن صياغة إعلانات! ورغم ان صياغة الإعلانات فن فقد اضطر لها كي يعيش! وبعد ذلك كسب ثروة لم يعبأ بها لأنه - يقول - متعته في القراءة والكتب موجودة مجاناً في المكتبة العامة وفي الكتابة والورق زهيد الثمن! لا يحب البذخ ولا الحفلات! وحين جامل فحضر حفلة قال كاتب مغمور(لكنه مليونير): أنا أفضل منك أكتب بحثاً عن الشرف وأنت تكتب بحثاً عن المال فقال: كل يبحث عما ينقصه! ولم تكن سعادة برنارد شو في المال قط وإنما في الكتابة الساخرة حيث يطرب! لكن (سومرست موم) يقدم لنا الفلسفة الصحيحة في علاقة الأديب بالمال: (مع المال جربت كل شيء وزهدت فيه عدا الكتابة! إن ميزة المال الحقيقية هي أنه يجعلني أكتب ما أريد.. يحررني من الحاجة التي تضطرني لكتابة ما لا أريد..) وحده توفيق الحكيم اهتم بالمال وقال (إن قلب الغانية والفنان يفتح بمفتاح من الذهب)!