يعاني الملايين من البشر من سلس البول أو تسرب البول والذي تختلف حدته من تسرب بسيط عند السعال/ الكحة أو حمل أي شيء ثقيل إلى فقدان القدرة على التحكم الكلي في البول. هذه الحالة تصيب السيدات والرجال على حد سواء لكنه أكثر انتشارا في السيدات إذ تبلغ نسبة إصابة السيدات به ضعف الرجال، وذلك نتيجة تعرض السيدات للحمل والولادة وفترة انقطاع الطمث مما يؤدي إلى زيادة فرصة الإصابة بسلس البول خاصة مع تقدم السن. ومن الأخطاء الشائعة اعتبار سلس البول حالة طبيعية مع تقدم السن أو نتيجة الولادات المتكررة للسيدات أو عند بلوغهن سن انقطاع الطمث، والصحيح أن سلس البول حالة مرضية تحتاج التوجه للطبيب لتوفر العديد من طرق العلاج لها. ومن اهم انواع سلس البول والتي تصيب الرجال والنساء والكبار والصغار سلس البول الإلحاحي، وفي هذا النوع يحدث تسرب لكمية من البول فجأة دون سابق إنذار ودون أي سبب واضح، ويشعر المريض فجأة بالرغبة الملحة في التبول ولكنه قد لا يستطيع كبحه اوالتحكم به فيتسرب البول منه قبل وصوله إلى الحمام، وقد تحدث هذه الحالة ايضا أثناء النوم. ويترابط هذا الإلحاح عادة مع تكرار التبول نهاراً وليلاً بمعدل 9 مرات أو أكثر خلال 24 ساعة أي ما بين كل نصف ساعة وساعة تقريباً مع حصول أحياناً تسرب البول غير الإرادي قبل الوصول إلى الحمام. ويعود السبب الرئيسي في ذلك الى تشنجات تصيب عضلة المثانة لاسباب عضوية او نفسية تؤدي الى انقباضها المفاجيء في غير الاوقات الملائمة والمناسبة للشخص مما يؤدي الى الحاح شديد في التبول مع ملاحظة انه وفي حالة التبول تكون كمية البول المخرجة في الغالب قليلة ولاتتناسب ومدى الشعور الحاصل كما انه في حالة تاخر الوصول للتبول قد يحدث خروج لا ارادي للبول يطلق عليه سلس البول الالحاحي وعلينا قبل مناقشة تلك الحالة تميزها عن الحالة الطبيعية حين يشعر الإنسان المعافى بالرغبة الملحة إلى تفريغ المثانة عند امتلائها بالبول والتي يمكن كبتها لفترة من الوقت. وقد أظهرت بعض الدراسات الميدانية أن تلك الحالة المرضية تصيب حوالي 17% من النساء وحوالي 16% من الرجال الذين تجاوزوا 18 سنة من العمر في الولاياتالمتحدة مع تزايد معدلها مع تقدم السن من حوالي 10% ما بين سن 25 إلى 34 سنة إلى حوالي 30% عند المسنين الذين تعدوا 75 سنة من العمر مع حصول سلس بولي لدى حوالي 30% من المرضى المصابين بها. وقد أكدت الدراسات الأوروبية تلك النتائج إذ إنها أظهرت حصول الإلحاح البولي الشديد لدى المرضى المصابين بفرط نشاط المثانة بنسبة حوالي 13% عند النساء و11% عند الرجال. وقد أبرزت هذه الدراسات إهمال المرضى لحالتهم هذه وتقبل أعراضها المزعجة إذ إن حوالي 60% منهم فقط استشاروا طبيباً بسببها وحوالي 27% منهم عولجوا لتحسين أعراضهم السريرية المنغصة التي قد تسبب لهم الارتباك والقنوط والقلق والمشاكل العائلية والاجتماعية والمهنية والجنسية. ومن أبرز الأسباب الخاطئة التي أوردها الأشخاص الذين تقبلوا تلك الحالة بدون استشارة أي أخصائي أن تلك الحالة طبيعية وعليهم التكييف معها أو انها نتيجة طبيعية للتقدم بالسن أو أنها لا تعتبر مرضاً يستدعي التشخيص والمعالجة أو أن أعراضهم طفيفة لا تؤثر على جودة حياتهم أو أنها نتيجة السلوك والنشاطات اليومية ناهيك أن حوالي 28% من النساء وحوالي 19% من الرجال يعتقدون أنه لايوجد حالياً أية معالجة فعالة لتلك الحالة. وتبين أيضاً أن حوالي 47% منهم يستعملون وسائل غير طبية في معالجتها خصوصاً عند وجود السلس البولي وأبرزها تقليل شرب السوائل والمكوث قرب الحمام لاستعماله عاجلاً واستعمال الحفاضات أو ملابس خاصة لاخفاء آثار السلس البولي الخارجي. ومن المهم ولكي يتسنى لقرائنا الأعزاء استيعاب الآلية المرضية لتلك الحالة نود أولاً شرح الفسيولوجية الطبيعية لعملية التبول. إذ أن للمثانة عند البالغين سعة تتراوح بين 400 و 500 ميلي ليتر وحيث إن الشخص العادي يفرغ حوالي ليتراً أو ليترين من البول يومياً فذلك يدفعه إلى التبول عدة مرات أثناء النهار بواسطة تقلصات عضلات المثانة وارتخاء الصمام الداخلي حول عنقها والصمام الخارجي حول الاحليل وبداخله. وبسبب مطاوعة عضلات المثانة يمكنها استيعاب حوالي 25% إلى 50% من سعتها البولية بدون ارتفاع الضغط داخلها الذي لا يتعدى 5 إلى 15سنتم، وأما إذا تجاوز حجم البول 50% من سعة المثانة فإنه يحث بعض الأعصاب الحسية من فئة ألفا دلتا التي تنشأ من أعصاب الحوض إلى تنبيه الشخص حول امتلائها بالبول وعندما تصل تلك الكمية إلى حوالي 75% من سعتها فإن ذلك يسبب إلحاحاً شديداً ورغبة جامحة للتبول يمكنه كبته لبعض الوقت. الجدير بالذكر أن هنالك عدد من المستقبلات العصبية الموجودة على جدار المثانة تلعب دوراً هاماً في تنظيم علمية تخزين وإفراغ البول من المثانة كما ان خللها يؤدي الى الإصابة بالمثانة المفرطة النشاط (الإلحاحية). وسائل العلاج الطبية: يمثل العلاج السلوكي التحفظي الخط الاول من اساليب المداواة المعتبرة في حالة المثانة الالحاحية. ويتمثل في الاعتدال في شرب السوائل والبعد عن المشروبات والمأكولات التي من الممكن ان تهيج المثانة كالمشروبات الغازية والمنبهات المدرة للبول، كما ينصح المصاب بتجنب الامساك والانتظام في اكل الاطعمة التي تحتوي على كمية جيدة من الالياف كالخضار والفواكه. وبالنسبة إلى العلاج الدوائي للإلحاح البولي الشديد هنالك ثمة عقاقير مضادة للمستقبلات المسكارينية التي قد تعطي نتائج جيدة في معظم تلك الحالات - الا أنها قد تسبب بعض الأعراض الجانبية السريرية كجفاف الحلق والفم والنعاس والصداع وضبابية النظر والإمساك والتشوش الذهني وفقدان الذاكرة التي قد تدفع حوالي 25% من المرضى للتوقف عن استعمالها على المدى الطويل. ومن أبرز تلك العقاقير: التولتيرودين (Tolterodine) والأوكسيبيوتينين Oxybutinin)) وداريفيناسين Darifenacin)) والسوليفيناسين Solifenacin)) والتروسبيوم (Trospium) وغيرها، والجدير بالذكر أنه يحظر استعمال جميع تلك العقاقير في حالات الاحتباس البولي وكسل الامعاء وفي حالة الاصابة بارتفاع ضغط العين الغير معالج (الجلوكوما). وتتساوى معظم تلك العقاقير بالنسبة إلى فعاليتها إلا أنها تختلف بأعراضها الجانبية بناء على تأثيرها الخاص على المستقبلات المسكارينية الموجودة في باقي اعضاء الجسم مما يستدعي استعمال بعضها دون الآخر نتيجة فعاليتها وقلة أعراضها الجانبية عند بعض المرضى خصوصاً المسنين منهم. وبصفة عامة أكدت عدة اختبارات سلامة استعمال هذه العقاقير وخلوها من المضاعفات الخطيرة، كما أثبتت نجاح تلك العقاقير في زيادة سعة المثانة وتمديد المدة بين الشعور بالإلحاح البولي والتبول وبين التبول والشعور بالإلحاح وتخفيض نسبة تكرار التبول نهاراً وليلاً ووضع حد للسلس البولي في حوالي 60% إلى 80% من تلك الحالات خصوصاً إذا ما استعملت مع التغيير السلوكي. وأما في حال فشل تلك الوسائل أو عدم تحملها أو رفضها من قبل المريض فيمكن في تلك الحالات استعمال سبل علاجية أخرى كالتعديل العصبي (Neuromodulation) الذي يقوم على غرس مجس كهربائي في الأعصاب العجزية المسؤولة عن عملية التبول ووصلها بجهاز إلكتروني يوضع تحت الجلد يمكن برمجته والتحكم به بواسطة جهاز التحكم مع نجاح يتجاوز حوالي 50% للأعراض البولية وخصوصاً السلس البولي على مدى 3سنوات أو حقن عضلات المثانة بمادة البوتوكس التي تستعمل عادة في العمليات التجميلية كإزالة تجاعيد الوجه مع نتائج جيدة بنسبة حوالي 66% إلى 86% الا ان مايعيب الحقن بهذه المادة هو الحاجة الى اعادة الحقن في فترات تتراوح بين 6-8 اشهر كما أنه في بعض تلك الحالات قد يحصل احتباس بولي أو صعوبة في التبول بعد العلاج. كما يمكن استعمال مادة ريزينيفيراتوكسين ((Resiniferatoxin التي تعمل على تخدير الأعصاب الحساسة في بطانة المثانة وتثبط تقلصات عضلاتها غير الإرادية مع تحسين السلس بنسبة حوالي 33% إلى 91% والأعراض البولية الأخرى في حوالي 42% من تلك الحالات. وأما إذا ما فشلت جميع تلك المحاولات مع اشتداد الأعراض البولية المنغصة والمؤلمة والتي تؤثر سلبياً بدرجة عالية على جودة حياة المريض فيمكن عندئذ زيادة سعة المثانة جراحياً بترقيعها بقطعة من الامعاء الا أن مثل تلك العمليات يجب ان تكون الحل الاخير بعد مناقشة الاثار المترتبة عليها مع المريض والتي قد تشمل الاحتباس البولي الذي يستدعي ادخال قسطرة إلى المثانة دورياً لافراغها كل حوالي 4 ساعات تقريباً وذلك بنسبة 15% إلى 75% مع احتمال حدوث مضاعفات خطيرة بعد تلك العملية التي تشمل خللا وظيفيا في الامعاء وحدوث ثقب في المثانة وحصول التهابات بولية متكررة. وقانا الله واياكم من الامراض ومن على المصابين بالشفاء انه سميع مجيب. الاعتدال في شرب السوائل أحد الحلول التحفظية في المثانة الإلحاحية المكوث قرب الحمام لاستعماله عاجلاً أحد الحلول عند بعض المصابين بسلس البول