أُعْجِب الكثير من أهلنا في جزيرة العرب برحلات المستشرقين وبالذات الرحالة العلماء، أو العارفين أمثال تشارلس داوتي (1843 – 1926م). والمجالس من النخبة وغيرهم لا زالوا يستشهدون بتعليقاته ومروره على بلداتهم والإشارة إليها بالاسم وربما ذكر أسماء بعض عوائلها. في الخامس من يوليو / تموز 1878م توجه مع قافلة للحجاج إلى الحجاز، ووصل الطائف ثم توجه إلى جدة في أغسطس / آب 1878م، وكتب كتابه الجزيرة العربية الصحراوية، ورسم فيه صورة فريدة من نوعها عن الجزيرة كما كتب عن حياة البدو وما يقاسونه من معاناة وشدة، وأبرز كثيراً من المفارقات في حياتهم الاجتماعية، وكجيولوجي أدرك الرتابة الفائقة لصحراء التيه القاحلة، كما أنه يعد من أكثر الرحالة الذين عانوا من الذل والهوان ومشاق الحياة. Travels in Arabia Deserta هذا هو اسم كتابه المؤلف من مجلدين، لكنه كتبه بلغة أكاديمية راقية جدا واستعمل لغة كتابية (أهل الكتابة اللاتينية التي تصعب على القارئ العادي، وتعريبه صعب وان حاول أحد ذلك فسيفقد السرد جماله الذى أراده المؤلف. وهو أهم أعماله. ويمكن أن نُعرب العنوان لنقول : (الترحال في صحاري العرب). قال لورنس العرب إنه قرأ كتاب داوتي عدة مرات قبل البدء برحلته إلى البلاد العربية . وهناك آخرون في عهود متأخرة مثل (ثيزيجر) وفيلبي وغيرهما . ومن فرط إعجابنا بأولئك الرحالة رجعنا إلى ما قالوه وما شاهدوه، ولا بأس بذلك (علميا) فالغربيون رجعوا إلى رحالة عرب أمثال ابن بطوطة والإدريسي وابن جبير وابن فضلان وابن ماجد. وكما قلتُ سابقا دفع الحماس بعض قومنا إلى ترجمة أو تعريب ما يخص مناطقهم قي نجد فقط، وتلك الترجمات المتناثرة هنا وهناك ظهرت كوصف وسرد لأشياء نعرفها عن القبائل و(سلومهم) وطرق عيشهم وكره بعضهم للأجنبي أو تعلقهم به. قلت لمن حاول معي ترجمة العمل كاملا (إن داوتي لم يكتب رحلات، بل كتب أدبا، وترجمة ذلك العمل إلى العربية يُفسد رونقه من ناحية ولا يزوّد مكتبة التراث والجغرافيا بشيء جديد. كتب الرحالة جيدة للغرض الذي من أجله جاء بها كاتبها. ونفود كذا، ووادي كذ،ا وهجرة وبئر، الآباء يتحدثون عنها أدق.