مهم تماماً توسيع دوائر العلاقات مع كل الدول، وصياغة سياسة تتسم بالموضوعية والتدقيق بمفاهيم تبادل المنافع وفقاً لقدرات كل بلد واحتياجاتنا الأساسية منها، وكما ذهبنا إلى الغرب لم نقطع علاقاتنا مع الشرق إلاّ في ظروف موجات الشيوعية التي قيمت اتجاهاتها على من تتطابق معه أيدلوجيتها ومن كان خارجها عدو وهذه الموجة من التدافع من قبل بعض دول آسيا أعاقت التواصل، ولم تكن تتسبب في قطيعة مطلقة معها.. موضوع عقد صفقات تسلح مع الغرب لم تمنع المملكة من الذهاب شرقاً لأن حالات الاضطراب التي تعيشها المنطقة فرضت أن نتحصن بقوتنا الذاتية، وأن لا يكون رهاننا على دولة بعينها لتكون المصدر الثابت والمطور أو المدرب لقواتنا المسلحة، ولعل هذا التنويع يجعلنا خارج الاحتكار وإملاء الوصايا، أو إيقاف التسلح لأي سبب تفرضه ظروف طارئة.. وكما في مواقف كثيرة تستخدم فيها الضغوط السياسية والاقتصادية، فالتسلح قد يكون جزءاً من وسيلة ضغط، وقد عرفت منطقتنا العربية كيف أصبحت رهينة للسلاح السوفيتي، ثم لاحقاً الروسي، وأيضاً للسلاح الغربي من أمريكا وأوروبا ووقعت تلك البلدان في مأزق الخلافات السياسية التي جرت معها حظر السلاح، ونفس الحكاية مع الاشتراطات التي يفرضها الغربيون وأمريكا بأن لا يكون هذا السلاح موجهاً لإسرائيل ونزع تقنيات معينة منه حتى لا يتقارب أي سلاح مع أسلحة إسرائيل المتطورة وكذلك الضجة التي يحدثها «اللوبي» الصهيوني أمام أي صفقة حتى لو كانت من الدرجة الرابعة من حيث الحداثة مع العرب.. وكما هناك عرف صار من قواعد العلاقات الدولية بأن لا «صداقات ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة» فنحن لم نخلق عداوات مع أحد، وحتى مشروع السلام العربي مع إسرائيل كان منشؤه منا، لكن طالما لا أمان واحترام للسيادة الوطنية إلاّ بوجود القوة الرادعة فإن تنويع مصادر السلاح سياسة تتطابق ومصالحنا غير أن الأهمية الأخرى السعي لتوطين تقنيتها وتصنيعها، وهو ما يضيف لنا بعداً إستراتيجياً في خلق كوادر وعلماء وتقنيين من شبابنا، ولذلك لابد من إيجاد نظرة بعيدة لترسيخ هذه العقيدة العسكرية.. فخدمة العلم، أو التجنيد الإجباري أو الخدمة العسكرية، كما اصطلح عليها أو اختيار مسميات تتطابق مع هذا الواجب، كقوة احتياط للجيش النظامي، وقد كتبت مثل غيري في هذا الموضوع وضروراته الأساسية، فإننا نحتاج عملياً إلى تأكيد هذه الخدمة من قبل شبابنا.. فهو تربية نفسية واجتماعية وتقوية للاعتماد على الذات، ونشر لثقافة حق الدفاع عن الوطن في أي اعتداء عليه وتميز مرحلتنا الراهنة لو طبق هذا الإجراء، بأن لدينا جيلاً من الشباب بدأ يتخذ التقنيات الحديثة أسلوباً ضرورياً جديداً للعبور للعالم الحديث، والتعاطي مع الحواسيب ووسائل الاتصال الأخرى، يجعل قابلية تدريبهم العسكري على حروب ما بعد مرحلة الجيوش التقليدية إلى التقنية، سوف يضعنا أمام عنصر بشري يستطيع التعامل مع أعقد العمليات بفهم وقائعها، خاصة وأن العالم مقبل على تحديث كل شيء في الترسانة العسكرية ونحن لدينا نفس القابلية من تجنيد جيل جديد يسجل حضوراً لافتاً مع عصره، ويستطيع ليس فقط استعمال السلاح المستورد، وإنما إنتاجه وابتكار علوم جديدة له، لأنه لا احتكار للعقل إذا وجد البيئة الملائمة لتطوره وهذه القابلية موجودة لدينا وتحتاج فقط من يستثمرها ويغذي فيها روح العمل الوطني..