أكَّد مختصون على أنَّ القضاء والعديد من الأجهزة الحكومية الأخرى تعاني من وجود عدد كبير من الدعاوى والشكاوى الكيدية، مشيرين إلى أنَّه على الرُغم من صدور توجيهات عليا من "مجلس الوزراء" وتنفيذية من "وزارة الداخلية" منذ عدة سنوات بضرورة التصدي الحازم لهذه الشكاوى، إلاَّ أنَّ ذلك -للأسف- لم يجد آذاناً صاغية من المؤسسة القضائية والأجهزة الحكومية الأخرى، موضحين أنَّها لم تتصدَ لها بالشكل المطلوب، مبينين أنَّ هذه البلاغات الكيدية تتحول عادة إلى معاملات وإجراءات مُرهقة تصل إلى كثير من المراسلات التي تستهلك وقت الأجهزة الرقابية والحقوقية والحكومية ذات العلاقة. وكان رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" قد أشار في وقت سابق إلى أنَّ الهيئة استقبلت العديد من البلاغات الكاذبة والكيدية التي تهدف إلى الإساءة لجهات حكومية وأشخاص، لافتاً إلى أنَّ "الهيئة" تثبتت من ذلك وتم إحالة هذه البلاغات لإمارات المناطق لتطبيق النظام والتعليمات بحق مقدميها، مضيفاً أنَّ نسبة منها ثبت أنَّها غير صحيحة، وبالتالي فإنَّها أُحيلت لإمارات المناطق لتطبيق ما صدر بخصوصها. "الرياض" ناقشت مع عدد من المختصين كيفية التصدِّي للبلاغات الكيدية، وأسباب عدم الكشف عن مجريات متابعتها لوسائل الإعلام. تطبيق النظام وقال "عقل الباهلي" -حقوقي- إن أولوية التنظيمات والإجراءات التي تُتخذ بشأن مسألة الفساد -خاصة في دول العالم الثالث- تكون في كيف نوقف الفساد أو الظلم أو الاعتداء على المال العام، ثم يأتي لاحقاً بعد تطبيق القانون أن يكون هناك ضحايا لهذا التطبيق، مبيناً أنه يتم بعد هذه الخطوة البدء في التفكير بكيفية أقلمة تطبيق النظام بحيث لا يكون هناك أناس أبرياء يتعرضون تعسفاً لمخاطر هذا الإجراء، سواءً بمعلومات تصل عنهم بالخطأ أو بعدم التزام من يُبلِّغ عن الأخطاء أو المخاطر أو السرقات أو الاعتداء عبر أنظمة تحمي الناس وأصحاب العلاقة والمُبلِّغ. وأضاف أنَّ الفساد الإداري لدى الأجهزة الحكومية والاعتداء على المال العام وسرقة الأراضي التي يتحزَّم فيها المسؤولون في الجهات الحكومية وينفذون هذا النوع من الفساد أو الإهمال حينما استفحل كانت له نزاهة بالمرصاد، موضحاً أنَّه لاحظ عدم وجود آلية لكيفية التبليغ في حال تمَّ اكتشاف الفساد، مشيراً إلى أنَّه كان من المفترض تحذير أفراد المجتمع، لافتاً إلى أنَّ الدفاع عن المال العام ومصالح الناس يجب ألاَّ يُستجلب معه مظالم لآخرين، مبيناً أنَّ محاولة الحد من السرقات يجب ألاَّ تجعلنا بعد فترة نشعر بوجود ضحايا لهذا النظام، مؤكداً على أنَّ البلاغات التي ترد إلى "نزاهة" تكون بالآلاف؛ لأنَّنا -للأسف- تأخرنا كثيراً في مراقبة المال العام والمشروعات والفاسدين. ودعا "هيئة مكافحة الفساد" والجهات المعنية الأخرى إلى تنفيذ حملات توعوية تبين أهمية وخطوات عملية التبليغ لأفراد المجتمع، مشيراً إلى أنه ربما كانت بعض البلاغات التي يتقدَّم بها البعض ضد آخرين كيدية، مضيفاً أنَّ الصورة ضبابية حيال حالة التبليغ؛ لذا فإنَّه لا يمكن اعتبار المُبلِّغ مزوراً، موضحاً أن ما يدفعه لذلك في الغالب هو الرغبة في خدمة بلده، وعندما تحقق نزاهة وتتابع القضية ربما تجد أن المعلومات غير صحيحة، لأنَّ المُبلِّغ في هذه الحالة لا يمتلك الآلية الصحيحة لعملية التبليغ، مشدداً على ضرورة نشر وتوزيع هذه الآلية في الدوائر الحكومية والأماكن العامة؛ لكي لا يقع المُبلِّغ في الخطأ، لافتاً إلى أهمية إيقاع العقوبة اللازمة عليه في حال تم اكتشاف تلاعبه. إجراءات مُرهقة وأكد "ماجد قاروب" -محام- أنَّ القضاء والأجهزة الحكومية المختلفة تعاني من وجود عدد كبير من الدعاوى والشكاوى الكيدية، مضيفاً أنَّه على الرغم من صدور توجيهات عليا من "مجلس الوزراء" و"وزارة الداخلية" منذ عدة سنوات بضرورة التصدي الحازم للشكاوى الكيدية، إلاَّ أنَّ ذلك -للأسف- لم يجد آذاناً صاغية من المؤسسة القضائية والأجهزة الحكومية الأخرى، موضحاً أنَّها لم تتصدَ لها بالشكل المطلوب، مشيراً إلى أنَّها تتحول عادة إلى معاملات وإجراءات مُرهقة تصل إلى كثير من المراسلات التي تستهلك وقت الأجهزة الرقابية والحقوقية والحكومية ذات العلاقة. وأضاف أنَّ تلك الشكاوى تنتهي عادةً إلى لا شيء، مبيناً أنَّ السبب الرئيس في ذلك هو الثقافة الحقوقية وضعفها والتعامل التقليدي الروتيني "البيرواقراطي" البعيد عن أيّ مهنية أو احترافية في العمل الحكومي. وقال:"بكل بساطة انتصرت تلك المبادئ والمفاهيم إلى كل جهاز حكومي جديد، حتى إن كان المبتغي الخاص به التطوير والتحديث النوعي والجذري لاختصاصاته وأعماله، ومنها هيئة مكافحة الفساد التي كان يجب عليها وهي تتصدى للفساد أن تتصدى تحديداً لهذا النوع من الفساد الذي أرهق دوائر أمنية وحكومية وإدارية وأحبط كل محاولات التطوير والتحديث والشجاعة لدى الأجهزة الحكومية التي لها الحق في اتخاذ ما تراه مناسباً في إطار سلطته التقديرية في تنفيذ الأنظمة بما يحقق الصالح والمنفعة العامة". ولفت إلى أنَّ "هيئة مكافحة الفساد" تصدت لقشور سطحية فيما يتعلق بمظاهر الفساد وأنهكت نفسها في البحث عن كبش فداء أو صيد ثمين تتحدث عنه لإظهار أدائها مهام عملها، مضيفاً -من وجهة نظره- أنَّها لم تنجح حتى الآن في إنجاز أي شيء يذكر تجاه المعالجة الجذرية الحقيقية لأيّ من مظاهر الفساد في النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية، موضحاً أنَّه في حال ثبت عدم صحة البلاغ، فإنَّه يجب اتخاذ الإجراء النظامي بحق المبلغ، مشيراً إلى أنَّ التشهير لا يتم إلاَّ بأحكام قضائية، متمنياً أن تعمل "هيئة مكافحة الفساد" و"وسائل الإعلام" على إلغاء فكرة التشهير الذي لا يكون إلاَّ بحكم قضائي في بعض الجرائم المنصوص عليها. وثائق رسمية وأوضح "بندر المحرج" -محام-، ومستشار قانوني أنَّ الهدف من وجود "هيئة مكافحة الفساد" الإبلاغ أو المتابعة والحد من فساد المشروعات والأعمال قدر المستطاع، مضيفاً أنَّ من أدوات عمل "نزاهة" تلقِّي البلاغات والشكاوى والمعلومات، مبيناً أنَّ تنظيم "نزاهة" لم ينص على أن يكون هناك عقوبة، مشيراً إلى أنَّ ذلك عمل ايجابيّ من المُشرِّع بسبب أنَّ إيجاد مثل هذا النص قد يُقيِّد بعض المبلغين ممن قد يكون لديهم معلومة وليس لديهم بيّنة ويكون حاضرا في مجلس واطّلع على أنَّ هناك رشوة أو فسادا لمشروع ما، فيُمرِّر المعلومة دون بيِّنة، ومن ذلك وجود صورة أو وثائق أو أوراق أو تسجيل صوتي. وأشار إلى أنَّ إظهار بعض الوثائق الرسمية ذات الطابع الرسمي الحكومي أمر مخالف للنظام في بعض الحالات، مضيفاً أنَّ ذلك يجعل فاعله تحت طائلة القانون والعقوبة، وبالتالي فإنَّ إيجاد النص على أنَّ هناك عقوبات قد يُقيِّد الأشخاص ذوي الذمم والنوايا الطيبة، إلى جانب أنَّ الضرر الذي يقع على المُبلَّغ عنه من جانب سمعته يُعد أحد الحقوق الخاصة، موضحاً أنَّه لا يوجد ما يمنع أصحاب الحق الخاص من إقامة دعاوى كيدية ضد من أضرَّ بهم، مؤكداً على أنَّ التشدُّد في تلقي البلاغات وطلب إرفاق المستندات مع أيّ شكوى أو بلاغ تُعدُّ من العوائق التي تمنع من الكشف عن الفساد. ودعا "هيئة مكافحة الفساد" إلى توثيق البلاغات عبر جمع المعلومات عن المُبلِّغ، موضحاً أنَّه في حال تكرر منه التبليغ غير الدقيق فإنَّه من الممكن أن تتم محاسبته، مشدداً على ضرورة إضافة هذا النص ضمن تنظيم "نزاهة"؛ لكي لا يُستغل هذا التنظيم في الإضرار بالآخرين، إلى جانب عدم إفشال "نزاهة" في مهمتها، مؤكداً على أنَّها إن كانت تتحدث عن فساد غير مثبت فإنَّها ستفقد ثقة الجمهور والمسؤولين فيها، لافتاً إلى أنَّ للتبليغ حق عام وخاص يُعرض أمام القضاء. وأضاف أنَّ إعلان "نزاهة" عن البلاغ الكيدي وصاحبه يدخل في دائرة التشهير التي يجب أن تتضح هل هي عقوبة أساسية أو تبعية، فإذا لم ينص نظام "نزاهة" على أن من ثبت أنَّ بلاغه كيدي، فإنَّه يتم الشهير به، موضحاً أنَّ ذلك لا يجوز إلاَّ بحكم القاضي، مبيناً أنَّ ذلك يُعدُّ من باب العقوبات التعزيرية للردع. وقال: "بالنسبة للحق الخاص أرى أنَّ على المتضرر أن يطلب من القضاء التشهير إذا ثبت أنَّ مجريات التحقيق انتشرت عن طريق الصحف أو البرامج الاجتماعية وستضر بسمعته وسمعة شركته"، مشيراً إلى أنَّه يحق للمتضرِّر طلب التشهير لإنصاف نفسه. حق خاص وقال "د. عوض العساف" -نائب محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات للشؤون القانونية الأسبق-: "صدر قرار من مجلس الوزراء يقضي بمعاقبة من يتسبَّب في الدعاوى الكيدية، بيد أنَّ هذه الدعاوى هي حق خاص لا يتم تحريكها إلاَّ إذا طالب المُتضرِّر بمعاقبة المُدعى عليه، بمعنى أنَّ الجهة التي يصلها البلاغ الكيدي لا تتصدى لمعاقبة المُدعى عليه من تلقاء نفسها، وإلاَّ عزف من يتضرِّر عن التبليغ، إلاَّ إذا بلَّغ المُتضرر عن إشاعة أثَّرت عليه، وعندها قد يتم إحالة الأمر للمحكمة، ومن ثم يتم توقيع العقوبة المناسبة عليه وتعويض المُتضرِّر". وبين أنَّه لا يوجد لدى "نزاهة" ضمن إجراءاتها ما يجعلها تتحقق من البلاغات التي تصلها واتخاذ ما يلزم للتأكّد من جدية البلاغ، مضيفاً أنَّ نشر بيان يكشف المُبلِّغ الكيدي بحد ذاته يُعدُّ عقوبة، وبالتالي فإنَّه لا يجوز نشر أيّ عقوبة ما لم ينص النظام على نشرها، مشيراً إلى أنَّ نظام الدعاوى الكيدية عندما صدر لم ينص على النشر عنها وتستثنى من ذلك الجرائم التي تعلن عنها "وزارة التجارة"، لافتاً إلى أنَّ لدى "وزارة العدل" كُتيِّب عن القضايا التي ينص النظام بإعلانها والتشهير بمرتكبها، موضحاً أنَّه لا يطلع عليه غالباً إلاَّ المحامون. وأضاف أنَّ مجتمعنا مجتمع محافظ مترابط يحرص على الستر؛ لذلك لا يجوز النشر إلا بنظام مُلزم، مبيناً أنَّه لا عقوبة إلا بنص، مشيراً إلى أنَّه لا يجوز إيقاع العقوبة على أيّ شخص ما لم ينص النظام على ذلك، وبالتالي لا يجوز التشهير بالمُبلِّغ الكيدي الذي سيستعين بالقضاء إذا تعرض للتشهير، مؤكداً على أنَّ البلاغات الكيدية لا يمكن تصنيفها على أنَّها ظاهرة. ماجد قاروب بندر المحرج البلاغات الكيدية تتحول إلى معاملات تستهلك وقت الأجهزة الرقابية والقضائية