إن البرهان الوحيد على التوافق بين الناس هو الود ونشر المحبة والألفة، والبعد عن البيروقراطية والمحسوبية واستغلال الموارد البشرية استغلالاً سيئاً مبالغاً فيه، لما فيها من إجحاف وظلم للناس، فحالما تضع الذات في سلوكها الإيجابي، تجد أن غايتها السعادة والفضيلة، وان الأدوات التي يمكن الاستعانة بها في الروابط الاجتماعية، هي القيمة الأخلاقية التي يحددها التسامي، ويوجد لها أولوية لمعرفة واقع البيئة وإنسانية العقد الاجتماعي مما يعني إذن أن منظور الإيجابية ينعكس على مطالب الحياة في ضوء مستقبل ذا إمكانية خلاقة مشرقة. وليس بنا حاجة إطلاقاً لتحسين صور العاطفة، بدعوى التباين بين الأمس واليوم، أو بين الماضي والحاضر، وزج الكثير من فضائل الماضي المعنوية وحالة الناس التي كانت عليها، وكيف كانت أواصر الروابط بينهم وشفافية الشعور وأيضا التكافل، وعلاقة العصر بالكثير من المستجدات التي محت الفروق بين الشمول والخصوص، فلا يمكن أن ننكر أن مشاغل الحاضر أكثر تعقيداً مما كانت عليه وأن مسألة العلم والصناعة ذات صلة وثيقة بكثير من المتغيرات وقد نتج عنها أعمال وتبعات تحتاج إلى وقت وجهد وفكر أكبر، وقد شغلت الكثير من الناس عن عواطفهم والاحتواء المعنوي، فإذا ما حصل هذا الاحتواء ساد بين الناس الحرمان، ثم انعطاف يؤدي إلى خلل في بنية العقد الاجتماعي يتضمن سمات جديدة وسلوكاً غريباً يغلب عليه العنف والفرقة والعنصرية وانقطاع التعاضد ونزعه دفينة لها صفات عرضية متفاوتة تجنح إلى الإرهاب والانتقام والحنق والسخط على المجتمع. فإذا كان وعي الناس اليوم بالتكنولوجيا والعلم حاضراً ومثالياً فإن لهذه المعايير درجة محددة تضبط هذا المزج، وتسخره للصالح العام وليس ضد التحالف الإنساني العاطفي، فقالت جيل لندنفيلد: (عن العاطفة ليست مصطلحاً سهل التعريف أو الوصف لأنها وصف لسلسلة من الأحداث المعقدة المرتبطة فيما بينها في عدة مواقع في الجسد والعقل، إن المهمة تصبح مخيفة بشكل أكبر حينما تدرك أن العاطفة يمكن وصفها إما كتجربة شخصية داخلية وإما كوقائع يمكن ملاحظتها علمياً). لقد تأثرت حياة الناس بالعولمة والانتقال من مفهوم المضامين والمقتضى الشخصي، إلى عالم أكثر انفتاحاً يضاهي ثمرة الشعور بالقدرة على استيعاب هذه التطور، والخروج من الخصوصية القديمة إلى الإحساس بالعجز لمواكبة واقع مغاير، استهلك جزءاً كبيراً من العاطفة والترابط الأسري، والاجتماعي، إلى جانب خطاب ديني لم يطور حسب الآلية الحديثة التي انتقلت لها عقول الناس، فلم يجد الفرد إلا مزيداً من الابتذال العنصري والقبلي والتطرف، فقد ظهر للجميع أن الأخذ بالأسباب حصيلة ظروف طارئة فقط، مما جعلها تستقر بذاتها وتستحدث إدارة للغضب والأسرار والآلام، ولكن بلا هدف أو وسائل تلغي التناقض وتولي هذا الجانب مزيداً من الرعاية والعناية، فيلزم بالمقابل إنشاء لغة حوار وسلوك صالح يشمل المقدرات العقلية التي تنتج وتخترع وتبلي حسناً في المجتمع الصناعي والسياسي والاقتصادي وفي الخفاء فشل عاطفي كبير نتج عنه خسائر أكبر وعادات مؤذية وشائعة تمتدح وتذم وتجمع وتفرق وشكل مفرط من السلبية، وممارسة لا تحمل قيما راسخة تحفل بعمل تعاوني يربط البشر بمصلحة واحدة تستجيب لما يحتاجه الإنسان من حقوق ذات إستراتيجية تساعد على بناء العاطفة وعلاج الخلل الذي اعتراها. ونستأنف هنا تلقائية الإنسان واختياراته وحنينه للعصور القديمة وأصل العلاقة، والحفاوة التي عاشها داخل أسوار الجماعة، رغم الحاجة والفقر والعوز في تلك الحقب ولكن كان الإنصاف حاضراً والمساواة عقداً بين الناس ووفاقاً تاماً، فإذا فهم الجميع غاية العاطفة تضاءلت الوحشية والمكر والعنف من حياة الناس، فكلما ازدادت الرغبة في الهروب من هذه المسؤولية لن يتحقق التوازن في الحياة، ويغلب شيء على آخر، ويتعرض الحاضر لكثير من الضغوط وتعاني المجتمعات من الاستغلال والخوف والمواقف غير العادلة.