المتأمل لحراك الربيع المختلف هذا العام لابد وأن يلاحظ تلك المقطورات الضخمة أو "الكرفانات" المتنقلة وهي تجوب طرق الشمال لتزف مواكب الإبل وهي تلحق بركب المنتجعين، إلى حيث الربيع والكلأ الوافر الذي سيوفر عليهم تكاليف الأعلاف وأعبائها، إذ تغص الكثير من طرقنا هذه الأيام بتلك النوعية والمكونة من "غرف الزنك" و"كرفانات" الصفيح المقطورة -محلية الصنع- بأطوال وأعراض غير معتادة، وهي تسير الهوينا مستحوذة على الجزء الأكبر من الطريق، حتى تواكب مسير الرعايا الضاعنة، غير آبهة بما قد تسببه من مضايقة وتهديد للمسافرين ومستخدمي الطريق، مما أثار تساؤل البعض: هل سيرها على هذه الطريقة يُعد نظامياً؟، وهل تخضع لشروط السلامة ومعاييرها التي تسمح لمثلها بالسير على الطرق العامة متى ما تشاء؟، وكيف وأين تصنع؟، ولماذا انتشرت لدينا في الأعوام الأخيرة إلى هذه الدرجة من الإزعاج؟. ويتمثّل خطر هذه "الكرفانات" في عدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس، خاصةً المتعلقة بالطول والعرض والارتفاع والأمان، إضافةً إلى افتقادها لاحتياطات السلامة، خاصةً وهي تسلك الطرق الضيقة، وهو ما يجعلها تُسيطر على معظم المسار، ناهيك عن احتمالية الانفلات أو السقوط الناتج عن عيوب التصميم، وقد شوهدت مقطورات تسير على الطرق العامة ويفترض أن تكون قد مرت بالعديد من نقاط وسيارات التفتيش، لا تحمل لوحات ولا مصابيح تحذير ولا أنواراً خلفية، وهو ما يُثبت تهاون الجهات المعنية في متابعتها والحد منها على الطرق، فالرقابة معدومة والتنظيم مفقود أيضاً. «موسم الربيع» زاد من حجم الطلب رغم صعوبة نقلها.. والخوف من انفلاتها أو الاصطدام بها ليلاً فشخرة و"هياط"! ويغلب على هذه "الكرفانات" النظرة العامة على أنها إحدى متلازمات الفخر و"الهياط" المرتبط بالإبل وبعض ملاكها تحديداً، إلاّ أن اقتناءها يعد عند شريحة من هؤلاء ضرورة ملحة تفرضها الحاجة وطبيعة النشاط وواجبات الضيافة العربية، خاصةً لدى فئات أو واجهات اجتماعية يستهويها البر وتستقبل زواراً وضيوفاً، وتسهم هذه المساكن في توفير سبل الراحة لهم وللقادمين إليهم في حلهم وترحالهم المرتبط بالصحراء وتقلباتها، وهي أيضاً عند فئة أخرى تتخذها مساكن دائمة أو موسمية، بدلاّ من الخيام وبيوت الشعر، وتمثّل بالنسبة لهم حاجة وضرورة أخرى تخدمهم في تنقلاتهم، بل وتؤوي أسرهم حيث وفرت لهم كل سبل الراحة والرفاهية التي يتمتع بها سكان المدن. نصف مليون وبين هؤلاء وهؤلاء هناك من ركب الموجة فاقتناها من باب الاستعراض والمفاخرة، متحملاً تكاليفها التي قد تلامس النصف مليون ريال، بعد أن وجدوا من يعزف لهم على وتر الإغراء من بعض مروجيها وعلى لحن: "أقبل يا ناشد التميز، أفلح ياراعي الهياط"، وهم يعددون لهم مزاياها وآخر ما وصلت اليه هذه الصناعة، والتي لابد أن يشار خلالها إلى ما تزود به من قطع غيار خاصة ب"الطائرات"، وبالتالي فقد بات من الطبيعي أن تسمع في مجالسهم وهم يتحدثون عن غرفة "فلان الفلاني" مصطلحات جديدة مثل "كفر طائرة بيونج 737"، أو "عكوس إيرباص"، أما كفر الطيارة مقاس (20/ 1800) فلم يعد لافتاً كما كان بعد ما حفظ اسمه الجميع وتحول إلى دقة قديمة. خطورة وتعطيل ويتمثّل خطر هذه "الكرفانات" المصنع أغلبها محلياً في عدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس المتعارف عليها، خاصةً المتعلقة بالطول والعرض والارتفاع ومستوى الأمان، إضافةً إلى افتقاد الكثير منها لاحتياطات السلامة والمطبقة بدول العالم الأخرى التي تسمح بتصنيعها واستخدامها على الطرق العامة، لا سيما وأن مقطوراتنا تضطر كما يحصل هذه الفترة وبشكل لافت إلى سلك طرق مثل طريق (القصيم- سامودة- لينة)، أو طريق (الأجفر- الزبيرة- تربة)، وهي طرق ضيقة جداًّ، وغير مهيأة، بل ولا تزال عبارة عن طريق واحد باتجاهين متعاكسين وغير مغطاة عند أكثر أجزائها مرورياً، مما أحدث فوضى وبطئاً وتعطيلاً للمسافرين الآخرين الذين لا يتمكنون من التجاوز إلاّ بشق الأنفس، لاستحواذها على معظم مسار الطريق الضيق في الأصل، ناهيك عن احتمالية الانفلات أو السقوط الناتج عن عيوب التصميم، إذ إن الكثير منها يصنع إلى جوار الأبواب ومعالف المواشي في ورش حدادة متواضعة بواسطة عمالة آسيوية غير متخصصة ينقصها الخبرة والمعرفة ودون أي رقابة من أي جهة. أوزان مُقررة وينص نظام المرور في الباب الثالث الخاص بأوزان المركبات وأبعادها وفحصها؛ المادة (22) على أنه يجب التقيد بالأوزان والأبعاد المقررة نظاماً للمركبات الواردة في المواصفات القياسية السعودية المعتمدة، على أن لا يزيد الطول الكلي للشاحنة المنفردة أو الحافلة على (12.5م)، وللقاطرة ونصف المقطورة على (23م)، وللشاحنة والمقطورة على (20م)، وألاّ يزيد العرض الكلي لأي مركبة على (2.6م)، والارتفاع الكلي بدون أحمال (4.5) و(4.80) بالأحمال، كذلك المركبات ذات الأبعاد أو الأوزان التي تتعدى الحدود الواردة في هذه المواصفات القياسية وتدعو الحاجة إلى ضرورة استخدامها فإنه يجب الحصول على موافقة مسبقة من الجهات المعنية بالنقل قبل دخول البلاد وقبل السماح بسيرها على الطرق، وحدّد النظام غرامة الابعاد (1000) ريال عن الزيادة المقررة نظاماً، وفي حال تكرار مخالفات الأوزان والأبعاد يوجه المخالف من جهة الضبط إلى المحكمة المختصة للنظر في مضاعفة العقوبة. غياب التنظيم وما يحصل لدينا إذ لم نتوصل في الحقيقة إلى جهة معينة نستطيع القول أنها تشرف وتنظم وتصدار التراخيص، وبعد ما تعذر التواصل مع مرور منطقة القصيم علمنا أن أكثر هذه النوعية من المقطورات يتم تصميمها وتصنيعها بورش حدادة عادية غير متخصصة، وبلا أي مواصفات أو معايير معينة غير ما يتم من شروط بين المصنّع والزبون، والدليل أننا وجدنا "كرفانات" محلية التصنيع صممت بطول يصل إلى (25م)، وتصل مع القاطرة وهي الشاحنة التي تقوم بجرها إلى ما يزيد عن (29م)، أما العرض فانه يصل في المتوسط إلى (4.25م)، كما أن هناك من يصل بها إلى عرض (4.55م)، وشوهدت مقطورات تسير على الطرق العامة قاطعة آلاف الكيلو مترات ويفترض أن تكون قد مرت بالعديد من نقاط وسيارات التفتيش، لا تحمل لوحات ولا مصابيح تحذير ولا أنواراً خلفية، إذ إنها لم تزود بأنوار أساساً، لهذا فإنه لم يعد من المستغرب أن يلاقي المسافر "كرفاناً" قد انفصل أثناء سيره على الطريق ليقفز الرصيف ويجثو على مركبة في الاتجاه المعاكس أو تلتصق بجدار أو عمود كهرباء، هذا غير حوادث الاصطدام من الخلف والانقلاب والانفلات وسقوط العجلات. تنام مستمر ويشبه وضع هذه النوعية من المقطورات حكم المسكوت عنه، من بداية فوضى التصنيع في ورش الحدادة، إلى تنقلها وتجاوزها نقاط ودوريات التفتيش، فهي تصنع وتصمم في الورشة على أساس أن تؤخذ وتستخدم في تنقلات الفلاة بعيداًَ عن الطرق العامة والمناطق المأهولة، واستمر الوضع في تنام مستمر، حتى أصبحت أمراً واقعاً فرض وجوده حتى على أجهزة مسؤولة عن أمن وسلامة الطريق، التي قابلت الأمر بشيء من التسامح، والنتيجة هذه الكتل الضخمة من الحديد والصفيح وهي تجوب الطرق بلا هوية ولا لوحات ولا شهادة منشأ ولا رخصة سير ولا وسائل سلامة. .. وهنا تسيطر على جزء كبير من الطريق أغلبها لا تُطابق المقاييس المطلوبة على الطريق انفلتت واستقرت في عمود إنارة