لنا في كل عامٍ موعدٌ مع الجنادرية، تلتقي فيه معاني الأصالة والمعاصرة والفكر والثقافة والتراث والتجديد، وتتعانق فيه أمجاد الماضي مع انتصارات الحاضر وطموح المستقبل تأكيداً عميقاً ومؤشراً واضحاً للدلالة على اهتمام قيادتنا الحكيمة بالتراث والثقافة والتقاليد والقيم العربية، فالتراث والثقافة هما سياج الهوية وتاريخ الأمة ومنجم الإبداع وحلقة التواتر وتحفة الناظر ونزهة الخاطر وزاد الروح وغذاء الفكر. ومهرجان الجنادرية أثبت أنَّ هذا الوطن "المملكة العربية السعودية " ماجدٌ خالد، ماجدٌ بمجد هذا الدين القويم، وخالدٌ بخلود شرع الله المستقيم، فكان له تراثه الأصيل ومجده العاطر، وسيرته الزاخرة التي شملت جوانب الحياة المختلفة. وعندما تبنَّى رمز هذا الوطن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – أيَّده الله - فكرة المهرجان منذ بداياته عندما كان يقتصر على سباق الهجن، حتى تطور هذا المهرجان ووصل إلى العالمية، كان يدرك تمام الإدراك بالأهمية القصوى لهذه التظاهرة الوطنية الكبيرة التي تدلُّ على مدى التطور الذي يعيشه الإنسان السعودي في تفاعله وانفتاحه على كافة الآفاق والرؤى والقضايا من أجل تفعيل أدواره الإنسانية والحضارية. وكان يعلم أيضاً أنَّه بهذه الخطوة يمنح أبناء وبنات هذا الوطن مساحات واسعة من نشر الثقافة والتراث لكل منطقة من المناطق وإيجاد صيغة للتقارب بين الموروث الشعبي وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها بلادنا، والسعي للاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال. بالإضافة إلى حثهم على صقل قيم الموروث الشعبي ودفعهم إلى واجهة المخيلة الإبداعية عبر ألوان فنون الفن والأدب تقارُباً بين الموروث الشعبي وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة في مشهدٍ جميلٍ يتلاحم فيه الماضي بالحاضر المزدهر بالأمل في صورة تشرح لها الصدور وتقرُّ بها العيون. وقد تميَّزت أنشطة المهرجان الثقافية لهذا العام في دورتها ال (29) بالتنوِّع والعمق والمباشرة والجرأة في طرح القضايا دون مواربة أو استحياء فإضافة إلى موضوع "الإسلام السياسي وعلاقته بالدولة الوطنية" ، هناك موضوعات أخرى لا تقل أهمية كموضوع (السعودية والتيارات السلفية في العالم العربي التوافق والاختلاف) و (الإسلام السياسي وتجربة السلطة والحكم) و (الرؤية الغربية للإسلام السياسي في الوطن العربي) و (التحولات السياسية في الوطن العربي رؤية من الداخل) و (حركات الإسلام السياسي ومفهوم المواطنة) ، كما سيطرح المهرجان موضوعات أخرى حول (المرأة السعودية وقضايا المجتمع) و(شبكات التواصل الاجتماعي.. فرص ومخاطر). في تقديري انَّ المهرجان الوطني للتراث والثقافة ال 29 سيدخل منعطفاً مهماً في تاريخه من خلال هذه الموضوعات التي سيكون لها صدى قوي وبعيد المدى ، وستكون أطروحات أنشطته الثقافية حديث العالم، ولا أبالغ إنْ قلت إنَّ ما سيُطرح من موضوعات سيكون له تأثير مباشر بشكل أو بآخر على أحداث الساحة الإقليمية والدولية ومجرياتها. سوف نعيش أياماً جميلة بلا شك مع هذا المهرجان وفعالياته، وسوف يجد الجميع في المهرجان ميداناً رحباً لطرح الرأي والرأي الآخر والنقاش والاستماع والخروج بحصيلة ثريَّةٍ من الرؤى الجديدة والمتلاقحة. إنَّنا بإذن الله تعالى سنعيش الجنادرية ال 29 وسنرى سيقانها الباسقة شموخاً وعزة؛ لتتفرع أغصانها الفارعة أفناناً خضراء، تلتوي في عناق وألفة، ناثرة أزهارها المُضْمخة عطراً فوَّاحاً يضوع أريجاً زكيَّاً، بل وثمرات تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، في ظلِّ قيادةٍ جعلت المواطن محور اهتمامها ورعايتها. منهُ تبدأ التنمية وإليه تنتهي. ونسأل الله وحدَه الإعانة والتوفيق وإلهام السداد. وقفة: بلدي ربيع الدهر مجد خالد بلدي منار الكون صرح ماجد بلدي ثراء الفخر في أمصاره وفرائد الأعلام شعب راشد يكفيك عين الفضل أنَّك مرتع ومرافئ الترحال بحر رافد وعلى الرمال الحمر شيدت دولة يزهو بها التاريخ رسم شاهد هي نجمة ألقت فسرَّ بها الورى وتنفَّس الفجر السنيُّ الوافد حوت المآثر والمفاخر والمنى مهد الحضارة والسناء الرائد