سمع عمر بن عبدالعزيز قول طرفة بن العبد: «إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟! فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبق العاذلات بشرية كميت متى ما تعل بالماء تزبد وكري إذا نادى المضاف مجنباً كسيد الغضا نبهته المتورد وتقصير يوم الدجن والدجن معجب(1) ببهكنة تحت الخباء المعمد» قال أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، وكان عادلاً تقياً اعتبر في التاريخ الإسلامي (خامس الخلفاء الراشدين): - وأنا والله لو لا ثلاث لم أحفل متى قام عودي: 1 - لولا أن أعدل في الرعية 2 - وأقسم بالسوية 3 - وأنفر في السرية.. فالفرق شاسع بين ثلاث طرفة وثلاث عمر، ومع أن طرفة جاهلي، وشاعر مبدع من أصحاب المعلقات (والأبيات أعلاه من معلقته) إلا أن إدمانه الخمر أعدم صحته وماله وسمعته فنفاه قومه كما ينفى البعير الأجرب ، وفي ذلك يقول: «وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي(2) إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير الُمعَبّدِ» وقد حرم قوم على أنفسهم الخمر في الجاهلية لما رأوا فيها من ذهاب العقل والمروءة، ومنهم (صفوان بن أمية) الذي يقول: «رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تفسد الرجل الكريما فلا والله أشربها حياتي ولا أشفي بها أبداً سقيما» أما الإسلام فقد حرمها البتة.. * * * ورغم موهبة طرفة بن العبد البكري التي نبغت وهو صغير، فقد كان ذكياً جداً حاد الذهن، سمع وهو غلام المسيب بن علس يمدح عمرو بن هند، فحين قال: «وقد تلاقي الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكدم» ضحك طرفة وقال عبارته المشهورة: «استنوق الجمل» لأن الصعيرية من سمات النوق دون الجمال، فغضب المسيب - وكان شاعراً مشهوراً - وقال: - من هذا الغلام؟! فقال: - ليقتلنه لسانه! فكان كما تفرس فيه، قتله لسانه وهو شاب لم يبلغ الثلاثين في قصة مأثورة قد نوردها هنا، ذلك أن إحساس طرفة بالتفوق أصابه بالغرور وطول اللسان فدفع حياته ثمناً لطول لسانه. هوامش: (1) الدّجن: الغيم والعرب يحبونه ومن أمثالهم (يوم الدجن قصير) لأنهم يستمتعون به ويرجون الغيث فيمر سريعاً، وأيام السرور قصار. بهنكة: المرأة المكتملة الأنوثة الميالة قليلاً للسمنة في مواضع مختارة. (2) الطريف من المال الجديد والمتلد القديم الموروث.