سعدتُ عندما لاحظت في الأسابيع الأخيرة أن بعض شيوخ التحريض أخذوا في التبرؤ من تنظيم داعش ومهاجمة قياداته، كما حملت تغريداتهم على التويتر مطالبة الشباب بالتوقف عن التبرع له أو الالتحاق بصفوفه. لكي أبعد الريبة التي أقلقت سعادتي قررت أن أتفحص آراء شيوخ التحريض الآخرين. فاكتشفت أن الأمر ابعد شيء عما تصورت. هذا الهجوم على داعش مؤشر على أن أمر التحريض بلغ مرحلة عميقة. كل من هاجم داعش من المحرضين لم يكن ضد داعش من حيث المبدأ باعتبارها منظمة إرهابية. لا تتضمن تغريداتهم أي رغبة في نصح صغار السن من الزج بأرواحهم فداء لمخابرات العالم المتصارعة على أرض سورية. مشكلتهم مع داعش أنها لم تتفق مع المنظمات الأخرى التي يؤيدونها كتنظيم النصرة الإرهابي. هؤلاء تجاوزوا مرحلة التأييد ومرحلة المؤازرة وجمع التبرعات وتحريض صغار السن، وانتقلوا إلى مرحلة الانقسام الداخلي (في المملكة)، هذا يساند هذه الحركة والآخر يساند الأخرى. أصبحوا امتدادا نشطا لما يحدث على الأرض بين الإرهابيين. عندما أشار الأستاذ داود الشريان في إحدى حلقات برنامج الثامنة إلى بعض المحرضين وعينهم بالاسم تطايرت الاتهامات للبرنامج ليس فقط من أفواه أصحاب الشأن ولكن من كل المحرضين ومن والاهم. ما لبثوا أن عبروا عن فرحهم الشديد عندما أقدم إعلام النظام السوري على بث مقاطع من الحلقة، متجاهلين تماما أنهم هم من قدم الدليل العملي للنظام السوري ليؤكد أكاذيبه التي أطلقها في بداية الثورة السلمية عندما شرع في قتل المتظاهرين العزل تحت دعوى قتل الإرهابيين. لا يستبعد كثير من المراقبين أن يكون هو الذي يسهل دخول الإرهابيين إلى الأراضي السورية فساندوا خطته الجهنمية واصطفوا معه كما أراد. الأمر الذي افقد الثورة السورية تعاطف العالم وعطل مسيرة الشعب السوري نحو الحرية. تلاحظ اليوم أن المنظمات الإرهابية في سورية ومن يواليها في المملكة تفرغوا للتعبير عن أمراضهم وأحقادهم. كفوا عن مقاتلة النظام السوري وذهبوا يتقاتلون فيما بينهم أو يقاتلون الجيش الحر وعمدوا إلى قهر المواطن السوري بتطبيق التشريعات الطالبانية على الأراضي التي يسيطرون عليها لإثارة فزع العالم المتمدن من الإسلام. بعد صدور الأمر الملكي الكريم الذي يجرم التحريض على الذهاب إلى مناطق التقاتل سواء في سورية او غيرها، ويجرم من يصطف مع المنظمات المدانة من بلادها أو من المجتمع الدولي يصبح الأمر أكثر وضوحا أمام المواطن السعودي العادي. ستتضح امام المجتمع السعودي طبيعة وأهداف هؤلاء المحرضين المندسين (علنا) في المساجد وفي مدارس تحفيظ القرآن وغيرها من الأماكن التي يتحقق فيها الاتصال بصغار السن والبسطاء من الناس تحت ستار الدعوة والإرشاد والدروس الدينية.. هذا القرار سوف يدمر منظومة التعاون القائمة بين العملاء الذين يجندون الصغار سرا، وبين الدعاة الذين يهيجون الصغار علنا. جريمة الإرهاب لا تقتصر على من يقوم بالأعمال الإرهابية المباشرة أو الذي يقوم بعملية التجنيد سرا. بل تتعداها إلى المحرضين والمشجعين والمؤيدين للمنظمات الإرهابية ومن يبدون تعاطفاً معها. هؤلاء هم الأشد خطرا على أمن المملكة ومكتسباتها. في زمن الحرب أو الاضطراب تكون الأولوية القصوى لصيانة الجبهة الداخلية، هذه أحد مرامي الأمر الملكي الكريم وأرجو من الله أن يصار إلى تطبيقه بحزم لا يلين إنفاذاً للأمر الكريم وإنقاذاً لأرواح الصغار الأبرياء..