شكلت الحرب الدموية في سورية مصدر «جذب» لكثيرين ممن أخذتهم الحماسة الدينية، وشكلت المأساة الإنسانية حافزاً نفسياً لهم، للذهاب والقتال مع الفصائل المعارضة، ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وهو القتال الذي انحرفت بصولته عن أهدافها الصحيحة، وعوض أن يكون طريقاً نحو حرية الشعب السوري وكرامته وأمنه واستقراره، استحال لخطر حقيقي قوض السلم الاجتماعي، وانتهك كثيراً من الحرمات البشرية، وبات خطرً ليس على الداخل السوري وحسب، بل تعداه للجوار الإقليمي والدولي. سورية التي باتت ساحة لتدفق المقاتلين الأجانب، هي اليوم ملاذ للتنظيمات الأصولية، التي تعاود ترتيب صفوفها وتشكيل خلاياها وتدرب مقاتليها، مستغلة شعارات «الثورة» التي سرقتها من أهلها، ومستفيدة من ضعف الدولة المركزية وهشاشتها، ومجيرة جزءاً من الدعم الذي يأتي للشعب السوري لصالحها. وهي أيضا أثبتت دهاء في لعبها على الخلافات الإقليمية، وصراع الدول الكبرى، لتدخل كلاعب رئيس على الأرض، وتحكم قبضتها على كثير من المدن والقرى. الجماعات الأصولية شكل عصبها الحقيقي الشباب القادم من وراء الحدود، وهم شباب في مقتبل العمر، كثير منهم لم يصل إلى الثلاثين من عمره. البعض منهم جاء بسبب الشحن والتعبئة المتواصلة من الوعاظ ورجال الدين الحركيين، والبعض الآخر تأثر بما يشاهد من صور القتل والدمار، وقسم وجدها فرصة للسفر للتدريب على القتال لكي يعود تالياً إلى موطنه وينفذ أعمالاً «إرهابية» بداخله. معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، وفي مادة أعدها الباحث هارون ي. زيلين، نشرت في ديسمبر 2013، قدر فيها عدد المقاتلين الأجانب في سورية بأكثر من 11 ألف مقاتل، وفق معلومات استقاها المعهد من نحو 1500 مصدر، مع الحفاظ في تزايد أعداد المقاتلين القادمين من أوروبا. الدول العربية، والمملكة العربية السعودية، كان لها نصيب مهم في قائمة المقاتلين القادمين بحثا عن «الفردوس المفقود»، حيث «لا يزال الأفراد من بلدان الشرق الأوسط يمثلون أغلبية المقاتلين الأجانب (بنسبة 70% تقريباً). ونقدر أن ما يصل إلى 6,774 من العرب غير السوريين و 523 مقاتلاً إضافياً غير عربي من المنطقة (الأوسع) توجهوا إلى سورية». وفق تقرير المعهد، الذي أوضح أن «جميع الدول الخمس التي قدم منها أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في سورية هي جزء من الشرق الأوسط: فالأردن هي أكبر مساهمة منفردة (ما يصل إلى2,089)، تليها المملكة العربية السعودية (1,016)، وتونس (970)، ولبنان (890)، وليبيا (556)». وهي أرقام يعتقد أنها في ازدياد مضطرد، خصوصا أن المصادر في الشرق الأوسط أقل إفصاحاً عن الرقم الحقيقي الذي وصل إليه المقاتلون. المقاتلون السعوديون، ووفق ما ذكر الباحث هاري ي. زيلين، فإنه وحتى ديسمبر 2013، قتل منهم نحو 267 فرداً. وهو رقم تشير الوقائع أنه في ارتفاع، خصوصاً مع استمرار المواجهات بين «داعش» و»جبهة النصرة»، وهما التنظيمان اللذان ينتمي لهما غالبية المقاتلين القادمين إلى سورية. الأرقام السابقة تجعلنا نفهم لماذا أصدر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أمراً ملكياً يجرم فيه من يقاتل من السعوديين خارج البلاد، أو ينتمي لمجموعات دينية وفكرية متطرفة تصنف كمجموعات «إرهابية». وهو الأمر الذي صدر، كي يضع حداً للخطابات التحريضية والتعبوية التي تغرر بالشباب في الداخل، وتدفعهم للذهاب إلى الخارج والمشاركة في حروب عبثية، لا يعون مدى خطورتها وضررها على المنطقة بأسرها!. إن الإشكالية تتمثل في نفعية دعاة «التحريض» الذين من جهة يثيرون النعرات الطائفية ويشيعون الكراهية، في الوقت الذي يعيش فيه كثير منهم في بحبوحة وثراء، في سلوك يناقض خطاباتهم «التعبوية» التي ستكون بعد اليوم موضع مساءلة ومحاسبة أمام القانون، لأن دماء الناس وأعراضهم، ليس حقاً مشاعاً، يعبث به تجار الدين والسياسة!.