منذ ستينيات القرن الماضي، ومنذ زمن الدهشة والاحتفال بكل من يعتمر قميصاً وبنطالاً، إلى زمن التقنية والانفتاح، والجامعات، والابتعاث، والنضج الاجتماعي الكبير ، ظل الشارع التجاري السعودي مختطفاً، وضائعاً من أيدي السعوديين لعقود. قطاع التجزئة مليء بالفرص الاستثمارية وعلى المواطن أن يتحلى بالشجاعة لاقتحامه وقد ساهمت الطفرة الاقتصادية التي عاشتها المملكة في أواخر سبعينيات القرن الماضي في وجود فجوة كبيرة بين رغبات وتطلعات المواطنين وبين طبيعة العمل التجاري بكل تبعاته، إلا أن تراجع الطفرة، وندرة الوظائف الحكومية، وقلة دخل المواطنين جعلتهم يشرئبون إلى الفرص التجارية المتاحة لهم في الشارع التجاري بغية الانفكاك من عقدة الوظيفة، والتخلص من براثن البطالة التي بدأت واقعاً ملموساً يشعر به كل بيت. شارع البطحاء التجاري يبدو فيه السعودي غريباً وعلى الرغم من محاولات مواطنين اقتحام العمل التجاري، مدفوعين بطموح كبير ورغبة جامحة في الاستفادة من الزخم التجاري المهول الذي يزخر به القطاع التجاري في المملكة، إلا أن الشارع التجاري بقي عصياً على السعوديين، إن لم يكن طارداً لهم، مدفوعاً بتخاذل حكومي ومسلحاً بتكتلات العمالة التي توارثت بعض المهن في زوايا كثيرة من ذلك الشارع. فقد ساهم فشل وزارة التجارة في محاربة التستر التجاري لعقود إلى وقوع الشارع التجاري في أيدي المقيمين بشكل كامل، وبقي السعوديون مجرد متسوقين، أو متسترين يحصلون على فتات كعكة السوق الكبير، راضخين للقيام بدور المتسترين بعدما عجزوا عن اقتحام السوق جراء المنازلة الشرسة التي يبديها المقيمون في سبيل إحكام قبضتهم عليه بشكل كامل. مواطنان كانا يعملان في محل للخضارعام2010 ترى ما هي البؤر التي أدت إلى طغيان التستر بشكل أفقد السعوديين سوقهم الكبير، وهل حقاً يلعب النمط الذي تدار به التجارة في المملكة دوراً أساسياً في إقصاء المواطنين عن ذلك الشارع خاصة نمط المحال الصغيرة وغياب الجمعيات والمنشآت المؤسساتية التي يتملك المواطنون رؤوس أموالها كمساهمين مما يعني استحالة التستر؟ أم أن التستر حالة سعودية مزمنة يستحيل إصلاحها؟!. ضياع السوق يشير د. عبدالعزيز داغستاني – الخبير الاقتصادي – إلى أن عدم قدرة السعوديين على استعادة شارعهم التجاري مرده إلى عدة عوامل مختلفة، وقال: إن مشكلة فقدان الشارع التجاري في المملكة وسقوطه كل هذه العقود بيد المقيمين بسبب عاملين أساسيين، أولهما عدم قدرة الحكومة على التعامل مع هذا الملف، وعدم استماعها للمختصين الذين يطرحون حلولاً لهذه المشكلة، والعامل الآخر هو سلبية المواطن وتعامله بمجال التستر التجاري بشكل عقد المسألة، وجعلها تكاد تكون جزءاً من ثقافة المجتمع وسلوكه. وأضاف: كان يجب على الجهات المعنية وخاصة وزارة العمل، وربما وزارة التجارة أن تمنعا منعاً باتاً عمل المقيمين في قطاع التجزئة بكامله، وأن تحصر البيع فيه على المواطنين خاصة ونحن في مرحلة الشعب مهيأ فيها إلى العمل في أي مجال يوفر له دخلاً كريماً، ولو فعلت الحكومة ذلك، وحصرت البيع على السعوديين في قطاع التجزئة لما وجدت سعودياً عاطلاً عن العمل. جانب من الشارع التجاري السعودي وأكد داغستاني أن السوق اليوم يخضع للوبي من المقيمين يحكمون عليه قبضتهم في صورة تشبه الاحتكار التام، وقال: إن إدارة ملف العمل التجاري في المملكة لم يتم التعامل معه بالشكل المطلوب، خاصة من قبل وزارتي العمل والتجارة، وهذا التقصير من قبل الجهات الحكومية خلق كل هذه المشكلة التي نما فيها اقتصاد الظل، وخرجت من خلاله مليارات الدولارات خارج الوطن، وساهمت كثيراً في خلق البطالة بين صفوف المواطنين. وأضاف: إن المواطن السعودي اليوم مستعد لاقتحام العمل التجاري بكافة أشكاله، إنه يحتاج من الحكومة دعما مباشرا من خلال القضاء على ظاهرة التستر، والحماية التامة من خلال حصر مهن بعينها على السعوديين، وكذلك توفر قنوات تمويل مرنة. عبدالعزيز داغستاني معقل التستر د. محمد مسعود القحطاني الباحث الاقتصادي قال إن طبيعة الشارع التجاري السعودي تمثل أرضاً خصبة للتستر والغش التجاري، منتقداً اعتماد السوق على سلسلة الدكاكين والبقالات التي تمثل المصدر الأساسي للتستر. وقال القحطاني: إن البقالات والمحلات الصغيرة تعد المرتع الخصب للتستر التجاري، وعلى اقتصادنا أن يغير من هويته بما يضيق الخناق على التستر والمتسترين، وأن تتحول تلك البقالات والمحلات المتناثرة إلى متاجر كبيرة تمثل كيانات يملكها المواطنون، وتشغل الشباب عوضاً عن هذه الدكاكين الصغيرة. وأضاف: إن وجود شركات مساهمة كبرى يملكها المواطنون وتنتشر فروعها الكبيرة في الشوارع التجارية في المدن والأقاليم ستحد من التستر التجاري، وستتيح آلاف الوظائف لأبناء الوطن، وسيصبح على المقيم أن يكون مجرد موظف وليس مالكاً لتلك المتاجر تحت غطاء التستر. وإذا وصلنا إلى هذه المرحلة فإن الغش التجاري، وتضارب الأسعار سيتلاشيان، وسيكون السوق التجاري صحياً وقادرا على التأثير بشكل إيجابي على خارطة الاقتصاد المحلي. د. محمد القحطاني وتابع يقول: إن القطاع التجاري في المملكة سيساهم في تحسين أوضاع المواطنين بشكل كبير لو تم تمكينهم من هذا القطاع الذي يجني منه المقيمون مليارات الريالات سنوياً ويتم تحويلها للخارج، خاصة وأن نسبة كبيرة من المواطنين لديهم القدرة والرغبة في اقتحام العمل الحر بحثاً عن دخل يعينهم على مواجهة صعوبات الحياة.