قد يكون اسم صاحب المحل الذي دون على اللوحة الخارجية ثلاثياً، أو ربما رباعياً، لكنه ليس بالضرورة أن يكون المالك الفعلي لذلك المحل، وربما لم يدخله أبداً، إنها حكايات السوق السعودي والتي تعد حكاية التستر أكثرها جدلاً، وأكثرها وضوحاً للمواطن والمسؤول على حد سواء، فقد وجد المقيمون منذ أمد بعيد أن السعوديين شبه غائبين عن ممارسة العمل التجاري على الأقل في محلات التجزئة والمتاجر الصغيرة، ولم يجد المقيمون بداً من العبور لتلك المتاجر إلا عن طريق أسماء سعودية تُزين بها اللوحات وصفحات السجلات التجارية، وفي الوقت ذاته وجد سعوديون دخلاً إضافياً جراء هذه التجربة، لكنه وإن كان قليلاً إلا أنه يعينهم على متطلبات الحياة. وبالرغم من علم الحكومة حسب دراسات جهات عدة أن التستر التجاري يكسو وجه الاقتصاد الوطني منذ عقود، إلا أن محاربة التستر ظلت تدور في نطاقات العمل الحكومي البيروقراطي. وقد مضت المصالح المشتركة بين المتسترين والمتستر عليهم بالعملية قدماً، حتى رجح مراقبون أن التستر التجاري يعتري أكثر من 50% من النشاط التجاري في البلاد، وأن 60% من السجلات التي تكون في دائرة التستر تعود لأسماء سيدات سعوديات. وفي الوقت الذي كشفت فيه إحصائية رسمية أعلن عنها خلال افتتاح منتدى جدة التجاري 2013 أن الحجم التقديري للتستر التجاري في السعودية بلغ 236.5 مليار ريال، أفادت مصادر أن مجموع المبالغ المحولة من العمالة الأجنبية في السعودية خلال السنوات العشر الماضية بلغت 670 مليار ريال، معتبراً أن 97 في المائة من المنشآت الصغيرة تمارس فيها عمليات تستر تجاري. وإن بدت العلاقة بين المواطنين، ومن يتسترون عليهم في طريقها طيلة العقود الماضية، إلا أنها مشوبة بمواقف مختلفة، ومتباينة، فالمقيمون يرون أن على السعوديين أن يحمدوا الله على ما يهبهم إياه أولئك المقيمون من دراهم وإن بدت قليلة، وكما يرى ظفر – فني تكييف أن صيانة مكيفات منزل كفيله كل بداية صيف هو أمر كافٍ لأن يتستر عليه ذلك المواطن، يرى مقيمون آخرون أن السعوديين بدأوا يزيدون مطامعهم في رفع مبالغ التستر في الفترة الأخيرة، فصاحب مطعم بخاري يؤكد أن المواطن المتستر عليه كان يأخذ منه 2000 ريال في السنة، لكنه رفعها تدريجياً لتصبح 5000ريال، وهو أمر يبدو مزعجاً لذلك المقيم، لكنه عاد كي يعترف أن تلك الخمسة آلاف هي دخل يومين لذلك المطعم. مما يشير إلى أن الغالبية العظمى من المتسترين السعوديين لا يحصلون إلا على دخل أيام محدودة من مداخيل المشاريع التي تحمل أسماءهم، ويتحملون مسؤولياتها القانونية أمام الجهات المعنية. وقال د.أيمن بن صالح فاضل عميد كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز – المشرف على كرسي الأمير مشعل بن ماجد لدراسات وأبحاث قضايا التستر التجاري إن التستر يندرج ضمن الحروب الاقتصادية التي تلحق ضرراً بالغاً باقتصاديات الدول، كون العمل التجاري تحت مظلة التستر يوجد حراكاً غير مرصود، ويكون في الظل، مما يغيب أرقاماً كثيرة عن الجهات المعنية برصد حركة الاقتصاد، مما يوهم متخذي القرار في كثير من الأحيان. وشدد أن التستر التجاري هو جريمة اقتصادية، وأنه مهما كان العائد الذي يحصل عليه المواطنون جراء تسترهم على العمالة الوافدة لممارسة العمل التجاري بطريقة مخالفة للنظام يعد جريمة في حق الاقتصاد الوطني. وأشار إلى أن حجم المبالغ التي تحول من المملكة سنوياً ينذر بأن التستر يؤثر تأثيراً سلبياً في اقتصاد البلد، وأنه آن الأوان لمواجهة التستر التجاري بكافة أشكاله، مشيراً إلى أهمية وعي المواطن وتوعيته بمدى الضرر الذي يواجهه الاقتصاد الوطني جراء التستر. وبين أن الحاجة ملحة لمزيد من الدراسات التي تبين من هم السعوديين المتسترين، وما هي الظروف التي دفعتهم للتستر، مشيراً إلى أن بعض المتسترين قد تكون ظروفهم المادية ضعيفة مما يجعلهم يخالفون النظام. وحول سؤال عن تأثير منع الحكومة موظفيها من ممارسة العمل التجاري، وتأثير ذلك في مسألة التستر التجاري قال د. أيمن فاضل إن بعض دول العالم تمنع موظفيها الحكوميين من ممارسة العمل التجاري، إلا أن الأمور تحتاج إلى مزيد من المراجعات لهذه الأنظمة، ومعرفة حد الرفاهية للمواطن، ومستوى مداخيل المواطنين الحالية. أيمن فاضل