هناك أشخاص يحبون الشقاء، قد يستغرب القارئ من كلامي ولكن فعلا بعض الناس يستعذب التعاسة ويقتات منها، وكأنه يستكثر الفرح على نفسه، ربما يجد وجوده وقوته في الحزن، فهو لا يكف عن الشكوى والتذمر، وتجده يتلقف أي فكرة تناسب حالته، ولا يتجاوب مع أي أفكار تقترح عليه، بل بالعكس يقاومها ويهزأ بها، لأنه لايريد الخروج من شرنقته. من الطبيعي أن نلجأ للشكوى بغرض التنفيس وإيجاد الحلول فلا أحد منا لا يمر بظروف صعبة، ولكن من غير الطبيعي أن ينغلق الأشخاص على أفكارهم ومشاعرهم، وأنا لا أتكلم هنا عن حالات الاكتئاب المرضية الدائمة أو المؤقتة التي يتعرض لها الناس، ولكن عن ردود الأفعال المتكررة التي تصدر عنهم تجاه أحداث الحياة، ولأن ذلك النمط من الشخصيات يلقي بظلاله الكئيبة على حياة من حوله فقد حاولت أن أعرف لماذا يتصرف هؤلاء بهذه الطريقة؟ من بين التفسيرات أن بعض الأشخاص يحبون توجه الاهتمام لهم، ولأنهم لا يحسنون اتباع الطرق الإيجابية لتحقيق هدفهم فإنهم يستخدمون طريقة شغل الآخرين بشكواهم وربما نجحت معهم في مواقف كثيرة. البعض الآخر يحب لعب دور الضحية ويوجه اللوم لأي عامل خارجي لأنه لا يريد تحمل مسؤولية تصرفاته، آخرون فقدوا شوق الحياة فهم يعيشون بلا هدف وبلا رغبة في الانخراط في أوجه الحياة. في مقالة لمؤلفة أمريكية اسمها (جنيفر روثشايلد) تسعى في كتاباتها إلى بث الروح والأمل في نفوس قرائها رغم إصابتها بعاهة العمى، وجهت الكاتبة مقترحات لمن يريد عيش حياة بائسة، وهي طبعا لا تريد التعاسة له، ولكنها تريد أن تنبهه إلى تجنب العيش بهذه العقلية لأنها ستقوده حتما إلى البؤس.. تتلخص النصائح بالآتي : - فكر في نفسك أولا واعتبر أن كل من حولك معنيّ بك، وقارن وضعك باستمرار بغيرك حتى تظل في حالة تركيز على نفسك. - كن سلبيا قدر استطاعتك،لأن ذلك سيضمن لك رؤية الأشياء بأسوأ صورة. - عش حسب توقعاتك البعيدة عن الواقع، وأطلق العنان لنفسك بالشكوى عندما لا تأتي الرياح بما تشتهي سفنك. - ابق مفرط الحساسية، عندها ستجد أن كل شيء يقال أو يحدث موجه لك شخصيا. - افترض أنك دوما على حق والآخرين على خطأ، وسيكون ذلك مبررا للعزلة والشعور بالتعاسة. في النهاية لا الكاتبة ولا أحد يأمل بأن يوجد شخص يحب تطبيق هذه النصائح. أذكر أننا درسنا في المرحلة المتوسطة أبياتا جميلة لشاعر التفاؤل إيليا أبو ماضي تقول: إن شر الجناة في الأرض نفسٌ تتوخى قبل الرحيل الرحيلا وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى الندى فوقه إكليلا هو عبء على الحياة ثقيلٌ من يظن الحياة عبئاً ثقيلا لم نكن ندرك في الصبا كيف تكون الحياة صعبة وكئيبة في ظل مثل أولئك الأشقياء!