حين انفعل داوود الشريان وتحدث غاضباً إلى دُعاة "تويتر" فهو بالتأكيد كان يتحدث بلسان الآباء والأمهات المكلومين والباحثين عن أبنائهم المفقودين في حروب لا علاقة لهم بها. وحين طلب الشريان من هؤلاء الدعاة أن يخافوا الله في شبابنا ولا يساعدوا في أخذهم إلى عالم مجهول؛ فهو بالتأكيد يتحدث بحرقة ولوعة أم فهد والكثيرات مثلها اللاواتي فقدن فلذات أكبادهن في رحلة الموت المحقق متأثرين بفتاوي ودعوات صريحة وغير صريحة لدعاة الفضائيات. بكى الشريان وبكينا نحن معه ونحن نسمع نحيب أم فهد واستنجادها للعثور على ابنها الذي غرر به مجموعة من الشيوخ والدعاة الذين صوروا له ولغيره طريق الجنة في تألٍ واضح على الله عز وجل وكأنهم هم الذين يملكون مفاتيح الجنة، والطرق المؤدية إليها. انفعل الشريان وهو يعلم يقيناً مدى ما عانى منه المجتمع جراء الدعوات المشبوهة للجهاد ونصرة إخوانهم بالعالم والتي تنتهي دائماً إلى دعم التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وغيرها. دعوات يطلقها أشخاص يوهمون الناس أنهم يريدون بها وجه الله وهم في حقيقة الأمر بعيدون عن ذلك لأنه كان ينبغي عليهم وهم أصحاب الدعوات المتتالية للجهاد أن يكونوا مع أولادهم في أول قوافل الذاهبين إلى أماكن الفتن والقلاقل. ما تكشف من حقائق مثيرة خلال حلقة برنامج الثامنة ليس جديداً ولم تكن تلك الدعوات والتحريضات وليدة الحالة السورية فلم يشهد العالم مكاناً على الخارطة يعاني من مشكلات إلا وتأتي الدعوات من هؤلاء بنصرة الحق والجهاد لدحر الكفار والمشركين فيكون الشباب السعودي المسكين والمغرر به هو الوقود الرئيسي لتلك الحروب الطاحنة في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك والآن سورية والتي مع الأسف لم تأت الدعوات للجهاد إلا من خلال التطرف المقيت والتحزّب لطوائف وفرق تقاتل بعضها بعضاً بينما ينعم شيوخ الفضائيات والتويتر بقضاء إجازاتهم في ربوع الدول الأوروبية يباركون الخطوات المباركة التي يقدم عليها شباب الإسلام في نصرة الإسلام!. إن ما قام به الشريان يمثل النموذج المثالي لما ينبغي أن يقوم به الإعلام الفضائي السعودي والمتمثل في تنبيه المجتمع وتوعيته إلى أخطار التنظيمات الإرهابية وفضح دعادة التحريض، وحين أعد حلقته المثيرة والمحزنة لم يكن يفكر بما سيتعرض له شخصياً من الهجوم وحملات التخوين والانهزامية وتعامل مع الحدث على أنه مصيبة حقيقية لابد للمجتمع أن ينتبه لها وأن تعالج بكل الطرق والوسائل بعد أن استفحل الداء ولم يعد له دواء إلا بالمواجهة والمكاشفة. بعد نهاية الحلقة ظهر بعض المغردين -كعادتهم- لينالوا من الشريان واستخدموا كل وسائل التحريض ضده؛ حيث قالوا إن الشريان منح أعداء الوطن فرصة للنيل من المملكة، مستغلين تناول بعض وسائل الإعلام السورية والإيرانية للحلقة بأنها دليل على خطأ الشريان وعدم تقديره لحساسية القضية، وحاولوا إيهام المجتمع بأن الخطأ يكمن في داوود الشريان فقط، متجاهلين أصل القضية التي طرحها البرنامج والتي هي بالتأكيد أهم وأخطر من أي تبعات يمكن أن تنشأ عن الحلقة، فلا يمكن السكوت عن هذا التحريض وعن دفع أبنائنا إلى أتون حرب طاحنة وتغذيتهم بمبادئ التكفير والتفجير التي ستنعكس سلباً على مجتمعنا في المستقبل. الشريان حين أثار القضية من خلال برنامجه كان ينطلق من بعد اجتماعي لا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد. إنه ينقل معاناة الأمهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم في هذه الحروب، وكان يبحث عن حل لقضيةٍ ستخلف وراءها مجتمعاً دموياً حين يعود بعض من سلم من أولئك الشباب إلى الوطن، وحين انفعل فهو بالتأكيد يصرخ محذرا من كارثة أخرى قد تودي بالمجتمع إلى هاوية الإرهاب والرعب وخشية تكرار سيناريو 2004 حين فجر هؤلاء في وطنهم قبل أن يتم اجتثاثهم بنجاح من قبل القوى الأمنية السعودية. شكراً داوود الشريان على ما قدمت .. فالمجتمع بحاجة إلى مزيد من الإضاءات التي تفضح نوايا بعض من ابتلينا بهم من الداخل والخارج، والمجتمع بحاجة إلى مزيد من الوقفات الطويلة أمام جذور الإرهاب قبل أن تتحول إلى كارثة.