قال "فولتير" في معرض تأكيده على أنّ الأبناء كثيراً ما يحققون أحلام وتطلعات آبائهم: "إذا مات الأب حمل تابوته ابنه، ومعه أحلامه.."، وقد قالت القدماء في أمثالهم: "من خلّف ما مات"، وكل هذا يعني أنّ العديد من الأبناء كانوا يحملون راية الآباء، بل كثير منهم كانوا يسيرون على ذات الدرب، وفي مجال التجارة -مثلاً- العديد من النماذج لشركات ومؤسسات يترأسها الأبناء بعدما أسسها الأجداد والآباء، محققين بذلك المقولة الشهيرة: "زرعوا فحصدنا، ونزرع فيحصدون"، ومن هنا نجد أنّ الكثير من الآباء والأمهات الذين لم يوفقهم الله في إكمال دراستهم وتحقيق أحلامهم المختلفة، سعوا إلى تمهيد الطريق لأبنائهم حتى يحققوها، ويصلوا إلى أهدافهم التي رسموها لأنفسهم، سواءً كان ذلك حصول على شهادة عليا أو وظيفة متميزة أو النجاح في مجال عمل ما. مبتعثون في لحظة الحصاد ودعوات أسرهم سبقت كل الطموحات إكمال الدراسة وكشفت "صالحة الدعاك" -متقاعدة- أنّها كانت تحلم بإكمال تعليمها، لكنها لم تتوفق في ذلك، حيث إنّها تزوجت مبكراً، وانتقلت مع زوجها إلى منطقة شبه نائية، لا تتوفر فيها مدارس ثانوية في تلك الأيام، موضحة أنّها اقتنعت بالواقع ورضت بنصيبها، إلاّ أنّها راحت تعتني بأبنائها، وحرصت على دراساتهم، ومتابعة سير عملية تعليمهم، حتى تعوض ما حرمت من إكمال الدراسة، مضيفةً: "-الحمد لله- بعد سنوات عدت إلى المدينة، وواصل الأبناء دراستهم، وهاهم يحققون أحلامي، وحتى تطلعات والدهم، فأحد أبنائي مهندس يعمل في شركة كبرى، وآخر يدرس في الخارج، ولدي ابنة تدرس في الدراسات العليا، وهذا فضل من الله". حلم قديم وذكرت "شيخه الغنام" -متقاعدة- أنّها منذ أن كانت طفلة وقبل زواجها كانت تحلم بأن يكون أبنائها متفوقين وناجحين، يكملون مشوار حياتها وزوجها، معتبرةً أنّ هذه سنة الحياة، إذ كان والدهم يحلم بأن يكون يوماً ما مهندساً، لكن الظروف أجبرته على قطع دراسته، والالتحاق بالعمل الحكومي، ومع الايام خفت حدة رغبته في إكمال دراسته، لكن داخله "يعشعش" الحلم القديم، وهي الحصول على شهادة الهندسة، مضيفةً: "الحمد لله كبر الأبناء وواحد منهم بات مهندساً، ويعمل في مؤسسة وطنية كبرى، إضافةً إلى مشاركته في مكتب هندسي خاص"، مبديةً سعادتها العظيمة بنجاح ولدها وتحقيقه حلم والده. حلم وطن ولفتت "فوز المهنا" -طالبة ماجستير- إلى أنّ أمنية والدتها أن تكمل دراستها، لكن عملها كمعلمة وإدارية بعد ذلك أخذ الكثير من وقتها وجهدها، ففضلت الاكتفاء بدبلوم المعلمات، لكنها وبحكم وعيها بأهمية العلم والاستزادة منه راحت تغرس داخل أبنائها حب الدراسة والنجاح والتفوق، موضحةً أنّ هذا ما حصل، حيث واصلوا دراستهم، بعضهم حصل على الشهادة الجامعية واكتفى بها، فيما أحبت أن تكمل دراستها العليا، وواصلت دراسة "الماجستير"، مضيفة: "كم هو رائع أن يسعى الأبناء لتحقيق أحلام وتطلعات أبائهم، الذين لم تتح لهم الفرصة لإكمال دراستهم، وما ذكرته ينسحب على الآلاف من الطلبة والطالبات الذي يحققون بدراستهم أحلام أبائهم وأمهاتهم، ونحن في سيرنا نحو المستقبل نحقق ما يتطلع إليه الآباء والوطن، ليرى أبناءه وبناته في خير حال، وهاهي نجاحات أبناء الوطن في كل مكان شاهد على تحقيق الأبناء لتلك الأحلام". برنامج الابتعاث وأكّدت "مهرة العنزي" -موظفة- على أنّ الأبناء والبنات يحققون أحلام الأباء والأمهات، فالحياة وما فيها من متاعب وإشكالات وظروف قد تكون قاسية على البعض؛ مما يؤدي إلى حرمانهم من تحقيق تطلعاتهم في إكمال دراستهم، أو حتى بناء بيت للأسرة أو السفر، لكن عندما يكبر الأبناء والبنات قد يستطيعون تحقيق أو توفير ما حرم منه أبائهم، موضحةً أنّ في الحياة الاجتماعية نماذج كثيرة لذلك، مضيفةً: "أذكر باعتزاز وتقدير برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، فكثير من الأباء والأمهات سافروا إلى دول أجنبية، بفضل البرنامج المتميز، إضافةً إلى وجود الأبناء والبنات هناك"، كاشفةً أنّ لها صديقة من الأسرة كان والدها يحلم بأن يزور الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن ظروفه لم تكن تسمح بذلك أبداً، لكن كُتب أن يبتعث ابنه للدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية، وحقق الوالد حلمه بزيارة أمريكا. الخير والبركة وتساءلت "سارة العلي": كيف أحدد له هدفا قد لا يستطيع تحقيقه؟، مستدركةً: "نعم أنا أريد لابني أن يكون متفوقاً وناجحاً في كل شيء، لكن الأمر يتوقف على ما يمكن أن يحققه هو، لا ما أحلم به أنا"، مبيّنةً أنّ زوجها كان يحلم أن يكون رجل أعمال أو صحاب مؤسسة تجارية، لكن لم يكن لديه المال الكافي، حيث إنّ عمله كان بسيطاً، وراتبه محدوداً، وهذا يعني استحالة أن يؤسس مؤسسة أو محلاً تجارياً ناجحاً؛ لذلك استكان على أحلامه وآماله، وسايرته هي كذلك، لكن ومع الأيام كبر الأبناء، واستطاع أحدهم أن يفتح "بقالة" في إحدى القرى، ونجح المشروع، وراح وفتح أخرى في قرية ثانية، واليوم لديه ثلاث "بقالات"، يشرف عليها والده بعد تقاعده، وتدر دخلاً جيداً جعلهم يشعرون باطمئنان لمستقبل الأسرة والأحفاد، مضيفةً: "هذا ببركة الله سبحانه وتعالى، المهم أنّ الإنسان يحلم والذي لا يستطيع تحقيقه الأبناء يحققونه، فيهم الخير والبركة -إن شاء الله -". الابن البار واستشهدت "منيرة السالم" بالمثل المعروف: "كل إنسان له مكان تحت الشمس"، موضحةً أنّ كل منهم سوف يجد فرصته يوماً ما، والمهم أن يسعى العبد والله وراه، كاشفةً أنّ زوجها كان يحلم وهي تشاركه ذات الحلم أن يكون لهم بيت مناسب في حي معروف، ولكن لم يكن لديهم أرض، حيث ارتفعت أسعار الأراضي بشكل خيالي؛ مما جعلهم يكتفون بالإيجار، الذي يأكل كل شهر جزءاً كبيراً من رواتبهم، مبيّنةً أنّ أحد الأبناء عمل في شركة مختصة في "النفط" وكان راتبه مرتفعاً؛ مما ساعدهم على تحقيق حلمهم والسكنى بمنزل كبير في أحد الأحياء المرموقة، فيه حديقة يستمتعون بالجلوس فيها كل مساء، وتناول الشاي بها. صنع المستقبل وقالت "فهيمة السعد" -أخصائية اجتماعية- "الوصول لنجاح الابناء ليس عملاً سهلاً، ولا شك أنّ وراء النجاح يقف الآباء، فهم وحدهم الذين يعلمون مدى قدرات الأبناء في تحقيق تطلعاتهم، وجعل أحلامهم في المستقبل واقعاً ملموساً؛ لذلك إذا حلمت الأم بأنّ ابنها سوف يحقق لها أمنيتها في أن يكون طبيباً أو تاجراً أو حتى موظفاً ناجحاً، فمن الضروري أن تسعى مع والده لتحضيره لذلك منذ البداية"، كاشفةً أنّ هذه العملية شاقة ومتعبة، وتحتاج لصبر واهتمام كبيرين، مشددةً على أنّ النجاح لا يمكن أن يثمر بين يوم وليلة، وهذا يضع على عاتق الأسرة مسؤولية، وعليها أن تعمل بجد في تنمية الأبناء، وبالتالي يستطيعون تحقيق أحلامهم وآمالهم وتطلعاتهم المختلفة. وأضافت أنّ الحلم الذي لم يتحقق للوالدين سوف يحققه الأبناء المتميزون، الذين حصلوا على جرعة كبيرة من التربية الجادة والهادفة، لافتةً إلى أنّ هذه النظرة نجد لها انعكاساً واضحاً في حياتنا، فجميع الأبناء الذين نجحوا كان وراءهم أسرة رائعة متماسكة، جادة في تربيتها وحُسن إدارتها لمختلف جوانب الحياة، مستشهدة بقول: "فاقد الشيء لا يعطيه"، مشددةً أنّ على جميع الأسر أن تنتبه لذلك؛ سعياً للفوز بنجاح الأبناء ليحققوا لهم طموحاتهم، فهم المستقبل.