يلاحظ على كثير من الشباب أنهم لا يخططون لمستقبلهم، بل يكتفون بالتحليق في سماء الأحلام غير الواقعية، فتجد أحدهم يمنِّي نفسه بأن يصبح طبيباً مشهوراً، في الوقت الذي تكون قدراته في المجال الأدبي أفضل مما هي في المجال العلمي، بينما يحلم الآخر بأن يصبح لاعباً مرموقاً وتكون بنيته الجسدية ضعيفة ولا تسمح له بممارسة الكرة. وبعضهم يطمح في أن يصبح مسؤولاً كبيراً وقدراته الفعلية أقل كثيراً من ذلك الطموح. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تتناسب أحلام هؤلاء مع قدراتهم؟ وهل تم تحديد هذا الحلم بواقعية أم أنه مجرد هوى نفس ورغبة هلامية لم يرافقها تفكير واقعي؟ ألا يؤثر عدم تحقيق هذه الرغبات غير الواقعية على نفسية البعض فيصيبهم بالكآبة أو الفشل في بقية الحياة؟ كيف لهؤلاء أن يحددوا أهدافهم ويرسموا مستقبلهم؟ «الرسالة» حملت هذا الهم وتوجهت بتلك الأسئلة لبعض الأكاديميين والمختصين وطرحتها عليهم فأفادوا بما تجدونه بين السطور التالية: غياب الدافع بداية يوضح الدكتور أيمن عرقسوسي استشاري النفس بمستشفى الأمل بجدة أن الشباب لهم آمال، لكنها لا تتحقق لأنهم لا يبذلوا جهدهم في تحقيق طموحاتهم، لذلك تتحول هذه الآمال إلى ما يشبه الأوهام. وقال: السبب الرئيسي هو وضع آمال غير قابلة للتحقيق، فهم لم يبحثوا في أنفسهم عن مقدراتهم الحقيقية، لذلك فالشباب بحاجة إلى تدريب ليتعودوا عليها، ومن المفترض أن يحددوا آمالهم وطموحاتهم وينظروا إلى ما يستطيعون تحقيقه منها بما تتناسب مع هواياتهم ورغباتهم وليس وفقاً لما يريده الآخرون، لأن جميع التخصصات لو تفوق المرء في أي منها فإنها ستكون في مستوى واحد ومنزلة واحدة، فعندما يأتينا طالب غير مجتهد بالمدرسة سيقول عنه الجميع إنه كسول، لكن لو أنه كان لاعباً ماهراً في رياضة ما سيشيد به من كانوا ينتقدوه. وهذا سيحقق له مكاسب عديدة ويساعده ليساهم في بناء المجتمع بشكل جميل جدا ويحقق له مكانة اجتماعية مميزة، فهو ليس مرفوضاً لذاته، إنما المرفوض عدم التميز والنجاح. وضرب عرقسوسي مثلاً بالشاب الذي يريد أن يصبح طبيباً وهو لا يمتلك التميز العلمي كالبروز في الأحياء والفيزياء، ولا يميل إلى هذه العلوم ولا يجتهد فيها ، وبالتالي لا يستطيع أن يتفهمها وتكون قدرته على فهمها واستيعابها ضعيفة. في الوقت الذي نجده مبدعاً في أشياء أخرى كالأدب والشعر أو الجغرافيا والتاريخ، فهو يهمل الجانب الذي يبدع فيه ويتمسك بالجانب الآخر الذي يستصعب عليه، وبالتالي لن ينجح لأنه سيشعر بالإحباط والدونية، فهنا لن يستطيع أن يكمل لأنه لم يضع هدفاً واقعياً يتناسب مع قدراته، فعليه أولاً أن يحدد قدراته، وأن يضع أهدافاً تتناسب مع قدراته، وأن يمهد لطموحاته بأهداف صغيرة يمكن تحقيقها. فلو أن الشاب التزم بهذه الأمور الثلاثة فإنه سوف يحقق المطلوب بإذن الله ويصل لما يهدف إليه وذلك بمراعاة جميع هذه الجوانب بعد توفيق الله عز وجل. أما الشاب الذي لا يحدد هذه الأمور وتكون لديه طموحات عالية ولم يأخذ بأسبابها فهنا الشاب سيكون مريضاً ب «الوهم». غياب التخطيط من جانبه يضيف عبد الرحمن بن سعيد الشهراني المستشار الاجتماعي أن مشكلة الشباب في هذا الجانب أنهم لا يخططون لمستقبل حياتهم، ولا يفكرون إلا في اللحظة الراهنة، ولا ينظرون إلى فرص وتحديات المستقبل، ويقول: لذلك يفقدون القدرة على التعامل مع تحديات المستقبل وفرصه، ومن ثم يعيشون حالة من ضبابية الرؤية، وعدم معرفة متطلبات الزمان مما يدفعهم للوقوع في دائرة الفشل والشقاء! ويعد التخطيط للمستقبل من أقوى العوامل للوصول للأهداف المطلوبة، وتحقيق الغايات المرسومة، فالنجاح في الحياة ما هو إلا ثمرة من ثمار التخطيط الناجح. أما الفشل فيعود لغياب التخطيط للمستقبل، وعدم وضوح الأهداف، وغياب أية رؤية لاستشراف آفاق المستقبل وتحدياته. ويمضي الشهراني قائلاً: من يريد أن يحقق أهدافه في المستقبل، ويرسم لنفسه تصورا لمستقبل أيامه، فعليه أن يخطط لذلك المستقبل من الحاضر، فالتخطيط للمستقبل هو: رسْم تصورات للمستقبل في الحاضر، ليعمل بعد ذلك على تحقيق تلك التصورات التي رسمها على أرض الواقع، أو بعبارة أخرى هو: أن تحدد أهدافك التي تريد تحقيقها في المستقبل، ثم تضع الخطوات والوسائل لتحقيقها عملياً. إلا أن القليل من الشباب يعتمد على التخطيط المنظم لمستقبله، في حين أن الكثير منهم يتركون مستقبلهم للظروف المستجدة، وربما للحظ والصدفة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا نفكر بالمستقبل؟ وما الذي يمنعنا من التخطيط له؟ وما هي الأسباب التي تجعلنا لا نخطط لمستقبلنا؟ ويتولى الإجابة على التساؤلات السابقة بالقول: توجد مجموعة من الأسباب التي تجعل الإنسان لا يخطط للمستقبل، ولا يفكر فيه، أهمها، غياب الأهداف والتطلعات الكبيرة، وعدم الشعور والإحساس بالمسؤولية، والمفاهيم الخاطئة. .. وشباب يرفضون الواسطة ويدعون للواقعية وبحثت «الرسالة» في عقول بعض الشباب واستفسرتهم عن رغباتهم وكيفية تحقيقها فأفادوا بالتالي: الاعتماد على الواسطة ويقول الشاب نايف الحداد إن هناك شبابا يتكاسلون عن الدراسة ويمنون أنفسهم الأماني ويعود ذلك لبعض الآباء الذين يساعدوهم عن طريق الواسطات، مما يجعل الابن في حالة تبلد وعدم شعور بالمسؤولية وذلك بخلاف من يكافح بنفسه ويترك اللعب والتكاسل والنوم لأجل تحقيق حلمه المنشود والمراد منذ أيام الطفولة. هناك شباب كثيرون أضاعوا مستقبلهم، لا لشيء سوى أصدقاء السوء، فتجدهم يلعبون ويتساهلون بأمر الجد والدراسة وفي النهاية تذهب أحلامهم سدى. أحلام في المنام وبصراحة يقول الشاب طارق البريم : البعض يتأثر بالأفلام وعندما يشاهدها في التلفزيون يغرقون في بحر الأوهام، ويفكرون في توقعاتهم وتطلعاتهم ولا يفكرون في كيفية تحقيقها، فهؤلاء الشباب أو الفتيات تجدهم غارقون فقط في التفكير وتجد لهم خيالاً واسعاً، فهذا يريد أن يصبح ممثلاً عالمياً، والآخر لاعباً مشهوراً، لكن ذلك لا يحدث إلا أثناء نومهم فقط بسبب تأثرهم بالأفلام، وعليهم أن يكونوا واقعيين قبل كل شيء، وألا يجعلوا مثل هذه الأمور تسيطر عليهم لأنها ستكون خصماً عليهم وليست لصالحهم وستحبطهم مستقبلاً . الواقعية أولاً وللشاب علي القرني رأي مخالف حيث يقول : الزمن الذي نعيشه صعب وعلى كل إنسان أن يفكر بشيء يستطيع أن يعمله وليس بشيء يحلم به فقط أو يتمناه لأنه يجعل للمرء مركزاً وقيمة، فعليه أن يكون واقعياً قبل كل شيء. صديق: هناك عقبات تمنعهم من تحقيق الطموحات ومن جانب آخر تقول الدكتورة آمنة صديق الأستاذ المشارك بكلية العلوم للبنات بجامعة الملك عبدالعزيز أن عدم تطبيق الشباب لطموحاتهم لا تعتبره كسلا بل هو ردة فعل وتراكمات نتيجة انصدامهم بالواقع. مبينة لو أنه غرست أمنيات الشباب منذ الصغر وغذيت من قبل الأهل والمجتمع، فكل فرد في الأسرة عليه أن يوجه للطفل هذا السؤال: ماذا تتمنى أن تصبح في المستقبل؟ ومن ثم يؤيده ويبشره. وتتأسف صديق بقولها: هناك عدة عقبات يكتشفها الشاب في بداية مراحله الدراسية المتوسطة والثانوية والتي تمنعه من تحقيق ما يطمح إليه، وأولهم الأسرة الداعمة حيث ترفض تحقيق أمنيته نتيجة الضغوط المادية أو الالتزامات الأسرية ووجود أحد الأخوان الذي أنهوا دراستهم ولم يجدوا وظيفة، وتأتي عقبة أخرى من المجتمع في صعوبة تحقيق أمنياتهم و كذلك نشر الرسائل السلبية عن الشباب السعودي فتجده يسمع ويقرأ لا توجد وظائف أو رواتب مغرية والشباب لا يتحملوا المسؤولية وغير ملتزمين بدوامهم، وهكذا تأتيه أنواع من الاحباطات المختلفة وهو مازال في مرحلة الدراسة فيصدم بالواقع ومن ثم تنتج تراكمات تولد الكسل والخمول، ويبدأ الانتقام من أسرته وذلك بإهمال دروسه وكثرة الخروج من المنزل وأيضا ينتقم من المجتمع بجلوسه في المقاهي وأماكن التفحيط والأسواق وغيرها. موضحة أن هناك عدة طرق لإزالة الإحباط عنهم وتكون بالتحفيز بكل وسائله، فمثلا الشاب في المرحلة المتوسطة ويتمنى بأن يكون طيارا فعلى الوالدين القيام بزيارات ميدانية للمطار بين الفترة والأخرى والذي يطمح أن يكون طبيبا أو مهندسا أن يزور المستشفيات والمصانع ليتعرف عن التخصص بشكل مبسط ويكون له حافز للاجتهاد. مضيفة بأن نشر الرسائل الإيجابية عن الشباب مع إتاحة فرص عمل للخرجين تعطي حافز للطلاب في المدارس لإكمال مشوارهم التعليمي بالإضافة لربط الشباب بعلماء المسلمين وانجازاتهم العظيمة في العلوم والتي ينهل منها الغرب إلى الآن مثل ابن سيناء في الطب والخوارزمي في الرياضيات وبإذن الله سنرى بعد ذلك شبابنا في قمة نشاطهم و يحققوا طموحاتهم.