كانت شوارع مدينة الرياض قبل أربعة وخمسة عقود تزخر بالتنوع التجاري والاستثماري، حيث الأسواق المتنوعة من الملابس والأواني والأثاث وأسواق الخضار ومحال الأجهزة والمواد الكهربائية، والمولدات التي لا تبتعد كثيراً عن مقار تشليح السيارات وبيع قطع الغيار وصالات العرض للوكالات المتعددة، والتي يحرص الشباب آنذاك بعد أن يظفر أحدهم بسيارته الجديدة أو حتى المستعملة؛ على زيارة بعض الشوارع التي عُرفت بين أبناء ذلك الجيل بشوارع الزينة، والتي تعني "زينة السيارات"، حيث تشتهر هذه الشوارع بمحال التنجيد وزخرفة سيارات النقل والسيارات الصغيرة، التي يحرص ملاكها على زخرفتها وتزيينها ب"الإكسسوارات" و"الدناديش" الحديثة الصنع، لا توجد آنذاك إلاّ في شوارع محددة لا تغيب عن مخيلة وذاكرة ذلك الجيل الذي تجاوز الآن العقد الخامس من عمره. جيل مضى بأيامه وكشخته وزينة سياراته.. ولن يعود «الجمس» المصفح مطرز بقول الشاعر: (على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب) شارع الغرابي كان شارع الغرابي في بداياته زاخراً بالحركة التجارية المتنوعة، كما كان زاخراً بالمقاهي والمطاعم ومحال التنجيد ومواقف سيارات الأجرة، إلاّ أنه انفرد بعد ذلك بمحال الزينة وتوفير قطع غيار السيارات، وحيث كان ولا يزال الشارع الأول لدى هواة وعشاق السيارات، الذين يجدون في المحال والورش المتناثرة على جنباته كل ما يحتاجونه من "اكسسوارات" وغرائب لسياراتهم سواء الشبابية منها أو العائلية، كما يوفر لهم هذا الشارع ما يحتاجونه من أجهزة ولوازم لا توفرها وكالات السيارات، أو أنها توفرها في الفئات العليا من السيارة وهو ما يضطر هؤلاء الشباب إلى أن يرضوا بالفئات المتوسطة أو ال"ستاندر" كي يوفروا باقي المزايا عن طريق شارع الغرابي الذي يزخر منذ أكثر من أربعة عقود بأبناء اليمن؛ ممن يتفننون في تدليل وترفيه السيارات الفارهة وحتى المتواضعة إذ بقدر ما تدفع من الأموال بقدر ما تحظى سيارتك بالرفاهية والدلال. شارع الحجاز لم يكن شارع الغرابي آنذاك منفرداً بزينة السيارات، بل يشهد أبناء جيل الثمانينيات والسبعينيات الهجرية أن "الغرابي" عاش تنافساً محموماً مع أجزاء كبيرة في شارع الحجاز القديم الذي يشهد حركة تجارية استثنائية ومتنوعة، حيث كان لزينة السيارات منها نصيب وافر، كما كان لشارع "الريل" نصيب من ذلك حيث "تنجيد" وتلبيس السيارات التي كانت تحظى أنذاك برعاية، لا سيما من الداخل، حيث تُفرش ب"الجاعد" وتلبّس مقاعدها بقماش "الجوخ" والمخمل، كما تزيّن بالوسائد الدائرية التي لا تتوفر إلاّ في شارع "الريل"، كما يحظى شارع الحجاز بتوافد "أبناء الذوات" الذين قدموا من الأحياء الشمالية لتزيين سياراتهم قبل الاستعراض بها في شارعي الوزير والعصارات، كما كان "سواق المعازيب" يحضر سيارة أعمامه ليجهزها بالستائر أو يعدها لرحلات المقناص أو ليعيد تسليك هاتفها السيار والذي كان يباع في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات الميلادية بما يقارب الخمسين ألف ريال. شارع الغرابي وسط الرياض يضم في جنباته أشهر محال زينة السيارات على مستوى المملكة بواري و"زبرقة" في شوارع الزينة بالرياض لك أن تسأل شباب ذلك الزمان عن الدافع وراء ارتياد هذه الشوارع، بل قد تسأل أصحاب الورش والمحال عن رغبات الزبائن وطلباتهم، وحينذاك سيقول لك أصحاب السيارات ان ما دفعهم للقدوم إلى هذه الورش هو "دندشة" و"زبرقة" سياراتهم، ومثل هذه المصطلحات المتداولة بينهم تعني الاهتمام بالسيارة وتزيينها من الداخل والخارج، وقل حينها أن الدافع لذلك هو مواكبة المرحلة العمرية وإشباع الرغبة الجامحة بالتميّز وإظهار الجديد والاستعراض أمام "شلة" الأصحاب والرفاق الذين كانوا هم المحفز الأول لهذا الشاب أو ذلك للظهور بمظهر "البطل" بينهم. لكن السؤال الذي يطرحه شباب هذا الجيل، حول نوعية "التقليعات" التي كان شباب الثمانينيات والتسعينيات الهجرية يمارسونها في تجميل سياراتهم والتي كان من أهمها "بواري الهوى" أو المحاقين كما يسمونها، وفي المنبهات الهوائية ذات الأصوات المدويّة والتي تستخدم الآن ومنذ زمن في الملاعب والمسابقات الرياضية العالمية، كما كان ل"بواري بوش" في المرسيدس و"البواري الموسيقية" التي تعزف أكثر من نغمة وربما أنها ما زالت في زمننا هذا تستخدم لبعض سيارات ال"دينّا" التي تحمل أنابيب الغاز والتي تجوب الشوارع صبيحة كل يوم، وهي التي كان لها تاريخ طويل مع الشباب والزكرت أيام الثمانينيات والتسعينيات الهجرية. «تسعاوي يجرح ويداوي».. ترفيع وسحب «سست»، «فليورات»، إضاءة صفراء، «تغبيرة»، جنوط «خليجية»، صور «سنوكا»، عقال وكرت معطر فوق المرايا "طيس" وعلامة فرت كما كان ل"طيس البرمان" و"طيس الشبك" و"التسعاوي" ومن قبله "السبعاوي" وهي كناية عن "موديلات" وسنوات تصنيع سيارة "الكابرس" التي وجدت رواجاً ورغبة جامحة لدى شباب ذلك الجيل، الذي أظهر شغفه وجنونه في زخرفة سيارته الشبابية، بداية في تلبيس "الطارة"، ووضع علامة الفرت في مقدمة السيارة -كما كان آباؤهم الذين سبقوهم والذين أدركوا بداية دخول السيارة للمملكة يضعون مجسمات النسور والطيور الجارحة على مقدمة "الكبوت"- ولعلها "تقليعة" متوارثة، حيث ظل هؤلاء الشباب يزخرفون سياراتهم اليابانية والأمريكية وحتى الأوروبية بالوسائد المدورة التي يطرزون عليها عبارات الشوق والغرام والحب والهيام؛ كقولهم "ألا ياهل الطايف متى ينتهي المشوار" أو أن يكتب أحدهم على "الزجاج الخلفي": اليوم أبشرك يا سيدي تعلمنا وبدلت نوم الحزن بفراش ووسادة ولا بأس عند البعض منهم، خاصة أصحاب السفر والطرقات الطويلة أن يتحلوا ببعض "الركادة" قليلاً، وأن يكتبوا في وسائدهم بعض الحكم والأمثال السائرة بين أبناء ذلك الجيل، حيث يصادفك ذلك "الونيت" بعبارة (أنسى اللي جرى ولا ترجع ورى)، أو ذلك "الجمس" المصفح مطرزاً بقول الشاعر: (على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب)، وكانت مثل هذه العبارات والأشعار تقطّع عن بعضهم هموم الطريق ومتاعب السفر. صورة وإضاءة وكرت معطر! وعليه فقلما تشاهد سيارة من سيارات أبناء ذلك الجيل من دون أن تشم فيها رائحة ذلك الكرت المعطر ذي الشكل المخروطي، والذي يعلّق في المرآة العاكسة أمام السائق، كما تشاهد تنجيد "الطبلون" بالمخمل المطرز بالهدب والقمور والدبابيس والمرايا الدائرية العاكسة، كما قد يلفت انتباهك حجم السماعات وصور بعض مشاهير ذلك الزمان في مقدمة السيارة، ولا بأس حينها، أن تستعرض مع السائق بعض أشرطة ال"كاترج" التي جمعها بعلبة حاكها له أحد أصحاب الورش بحيث يستخدمها ك"مركى" أو وسادة للجلوس المريح، ولا تتعجب حين تركب أحد اللواري وتشاهد مروحة صغيرة فوق رأس السائق، إذ لعل نسميها اللافح يطفي لهيب شهر آب ويجفف بعض العرق المنساب على أكتاف سائقه الذي ترك مكاناً خاصاً "للعجرى" أسفل مقعده، كما حرص على تزيين سيارته بإضاءة داخلية بيضاء أو ربما حمراء التي تميّزه عن غيره بقدر ما تتيح له رؤية يستطيع من خلالها أن يميّز بين "زمزمية" الشاي من "زمزمية" القهوة. تنجيد «الطبلون» بالمخمل المطرز بالهدب والقمور والدبابيس والمرايا الدائرية العاكسة جنوط وشنابر ونسافات ربما ورث جيل الثمانينيات الميلادية تقليعات من سبقه في "دندشة" السيارات وزخرفتها؛ بيد أن هذا الجيل على وجه الخصوص تميّز عن غيره من الأجيال السابقة واللاحقة بل وتفوق عليهم بصنعة "تدليل" السيارة، إذ عرف شباب ذلك الجيل الترفيع وسحب "السست" و"الفليورات" والإضاءة الصفراء والتغبيرة والجنوط "15" أو "الخليجية"، أو تلك التي تأتي على شكل "نجمة"، ناهيك عن النسافات والعوارض والحنايا التي توضع على "الونيت" لتحمل الكشافات الصفراء، وأعلام الفريق الفائز، كانت مقدمة السيارة تحمل قربة الماء ليس للضرورة إنما للزينة والاستعراض، كما كانوا يتفاخرون بإغلاق الأنوار الأمامية والاكتفاء بإضاءة "السكن" كما يسمونه، ناهيك عن تقليعة وضع علبة المناديل فوق الرأس وبالشكل المقلوب، وترك غمارة "الونيت" الذي يسمونه انذاك "السوبر" لتتزيّن ب"العقال" وهو عارض أسود اللون يوضع فوق غمارة "الونيت" ويحمل في أعلاه إضاءات عديدة ربما تدفع بطارية السيارة ثمن تكلفتها. وسائد مدورة مطرز عليها عبارات الشوق والغرام: «ألا ياهل الطايف متى ينتهي المشوار» كانت الرموش التي توضع فوق مكعبات الإضاءت الأمامية غاية في الروعة، خاصة إن ازدانت هذه الإضاءة بالمساحات التي تزيل عنها ما علق من الغبار والوحل أثناء السير في الأمطار والسيول، والتي تتطلب ضرورة توسيع حجم "الكفرات" وزيادة عرضها، لا سيما أن هذه "الكفرات" تجد حظها من الزخرفة والتدليل، حيث تغسل بسائل ال"فيري" مثل "كفرات البالون" التي توضع لها البخاخات المختارة، كما تزيّن بالخط الأبيض لكي يطلق علهيا "كفرات خط"، وبعيداً عن الخيوط المتنوعة فقد كانت الأغطية و"الكعكات"، و"الشنابر" و"النسافات"، وتحديداً التي تزين ب"الاصطباب" والاضاءات العاكسة، كل ذلك تدليلاً لعجلات السيارة، كما كان "التدليل" يطال الزجاج الأمامي بالتظليل الملون، وغالباً ما يُختار له اللون الأزرق الأرجواني أو الأحمر الأقحواني، أما الزجاج الخلفي التي كثيراً ما تزدان بشعاري النصر والهلال أو الأهلي والاتحاد فقد كان لها نصيب من علامة "سنوكا" التي تشير إلى المصارع الأمريكي من أصل زنجي الملقب "جيمي سوبر فلاي سنوكا" الذي كان حديث فتوات ذلك الزمان. تظليل وبرقع كما كان تظليل الزجاج بالتدرج والتظليل المموج، ووضع الشبوك على "الاصطبات" ووضع ما يسمونه "البرقع" في مقدمة السيارة وتلبيس مقدمة "القير" برأس الصقر والطيور الجارحة، وترك إضاءات خافتة دخل مقصورة السيارة ووضع الإضاءة المتحركة على إطار لوحة السيارة، أو وضع إطار على غطاء "البنزين"، كما كان لشباب الثمانينيات تقليعات يعرفون بها حيث يتمايزون فيما بينهم بتسليك منبهات السيارة و"البواري" المحظور استخدامها ووضعها محل مؤشر مسّاحات الزجاج الأمامي وغالباً ما تقرن هذه المنبهات بالتحية بين بعضهم البعض، كما أنهم كثيراً ما يعمدون إلى إمالة المرايا العاكسة في جانبي السيارة وكذلك المرآة العاكسة التي تعلو رأس السائق، ووضعها على شكل طولي "رأسي" ولا معنى لهذا بينهم إلاّ أنه شعار للإقلاع كما يقولون وعنوان للفتوة و"الفشخرة" التي تستدعى ألاّ يضع السائق مفاتيح سيارته في ميدالية أو "بوك"، بل لا بد له أن يضعها في سلسلة يلهو ويزهو بها بين أقرانه. مخالفة المرور تهدد هواة زينة السيارات لحظة خروجهم من الغرابي حملات تفتيش كانت سيارات المرور التي تمثّل جهة الرقابة على تجاوزات الشباب والمتمثلة في تغيير هوية السيارة وما يخلفه هذا التغيير من آثار سلبية على أمن المركبات وسرقتها، كما كانت الأنظمة تمنع منعاً باتاً وضع "بوادي الهوى" وشق "الكنداسة" ووضع العبارات و"الشكمانات" الاضافية نظراً للإزعاج المترتب على تركيبها، كما تمنع "الإريل" والهوائيات والشعارات والعبارات الخادشة والمخالفة، ناهيك عن مظاهر "الترفيع" و"التغبير" و"الترهيم" ووضع الألوان أو الخطوط التي تغيّر هوية السيارة لتصبح أكثر حداثة، وهو ما يستدعي إدارات المرور أن تقيم حملات التفتيش المفاجئ، لا سيما في الشوارع والمحال التي يكثر فيها استعراض الشباب في سياراتهم، كما ترفع التقارير للجهات المعنية في وزارة التجارة لضبط المحلات والورش التي تخالف تعليمات الوزارة والأنظمة المرورية المتبعة. مزايين السيارات غاب عن الانظار كثير من شوارع الزينة القديمة، كما ظهرت شوارع أخرى واكبت بدورها جيل عصرها ومتطلباته المتنوعة، كما توزعت كثير من المحال والورش في المدن والمحافظات والتي ما زال بعضها قائماً يستثمر صاحبها رغبات واحتياجات الشباب لتزيين سياراتهم. وعلى الرغم من أن متطلبات شباب اليوم تختلف باختلاف عصرهم عن شباب الأجيال السابقة، إلاّ أن الاسم الأول في هذه الصنعة ظل كما هو، حيث يحتل شارع الغرابي مكان الصدارة في مدينة الرياض وما حولها، كما يظل هو الشارع الوحيد الذي يستطيع أن يؤمن ويوفّر كثيراً من متطلبات الشباب المواكبة للتقدم التقني والصناعي، حيث يطلب شباب اليوم إضاءة "الزنون" و"نفيقيش" والأصباغ والمواد العازلة التي يرش ويطلى بها جسم وهيكل السيارة، كما يطلب الشباب الآن أنواعا من "الجنوط" التي قد يصل سعر "الجنط" الواحد منها إلى ثمانية أو تسعة آلاف، كما يتسابقون على ورش التلميع والتسطيع وتظليل السيارات بأنواع من التظليل العاكس والتظليل المقاوم للحراة والتظليل المخفي، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى تغيير هوية السيارة بالكامل حيث يتباهى ويتنافس بعض الشباب في تغيير مقدمات سياراتهم بتركيب مقدمات سيارات باهظة الثمن، كما يتسابقون على تغيير ماكينة السيارة وتحويل أبوابها من أربعة أبواب إلى اثنين، أو جعل أبوابها تفتح بارتقاء الباب إلى أعلى بدلاً من فتحه من الجوانب. وبالقدر الذي تحظى به بعض المدن والمحافظات والمواقع الإلكترونية بالمزادات والمعارض المتنقلة للسيارات القديمة بقدر ذلك؛ ستجد أن شباب هذا الجيل فتح باب الاستعراض على مصراعيه، حيث معارض مزايين السيارات التي يتم من خلالها اختيار السيارة الفائزة والتي سوف تنال لقب "ملكة جمال السيارات"، كما حدث في حلبة "رايب واي" في جدة ويحدث في مدن ومواقع عديدة، ولم يكن هذا ليكون لولا توفّر الاستثمار في لوازم السيارات وتزيينها، وهو النشاط التجاري الذي ظل منذ عدة عقود قائماً وتتخصص به شوارع وطرق معينة ومحددة، ولكن يظل شارع الغرابي أحدها بل أكبرها وأوسعها نشاطاً على مستوى المملكة، رغم منافسة الورش الحديثة له، والتي حلت في منافستها لهذا الشارع محل شارع "الحجاز" وشارع "الريل" التي كانت قبل أكثر من أربعة عقود تسمى شوارع الزينة، وغالباً ما تعج بزبائنها قبل موسم الإجازات والأعياد أو حين انتصار المنتخب السعودي. كرسيدا.. عروس الشارع وقناعة البسطاء «ددتسن» وكفرات خطوط ومتعة إضاءة الصدام هايلكس تحول إلى سيارة كشف جميلة مع «صناعة الترهيم»