تُعد المياه الجوفية من أهم مصادر المياه في معظم مناطق «المملكة»، باستثناء بعض المدن التي وصلتها مياه الشبكة المحلاة، ومن المعلوم أن حفر الآبار يعد من أهم الوسائل للحصول على المياه الجوفية لاستخدامها في أغراض الشرب والزراعة وغيرها من الاستخدامات الأخرى، بيد أن الحفر العشوائي لهذه الآبار من قبل البعض، إلى جانب عدم المتابعة والرقابة من قبل الجهات المعنية للتأكد من التصاريح اللازمة له عواقب وخيمة فيما يتعلق بالسلامة العامة واستنزاف المياه الجوفية. عمالة سائبة بمبلغ وقدره تستنزف «المياه الجوفية» على حساب «رقيب في سابع نومه» تعقب المخالفين في البداية قال «عبدالله آل مداوي» -مزارع– :»حبذا لو تم توحيد الجهود بين أجهزة الدولة المختلفة لمتابعة الآبار الارتوازية وتعقب المخالفين، سواءً كانوا مواطنين أو من العمالة المخالفة، إذ إن هناك أكثر من جهة لها علاقة بالآبار، ومنها وزارة المياه ووزارة الزراعة والدفاع المدني»، وهذا من الممكن أن يؤدي إلى التراخي في تطبيق الأنظمة»، مضيفاً أن لهذه الآبار مخاطر كبيرة في حال لم يتم إغلاقها بشكل محكم، إلى جانب أثرها السلبي في استنزاف المياه الجوفية، وليس أدل على ذلك من أن المياه في محافظة «تنومة» كانت إلى عهد قريب موجودة في آبار سطحية كبيرة ومفتوحة لا يتجاوز عمقها (20م)، بيد أنه بعد استخدام الآبار الارتوازية قل منسوب المياه في الآبار السطحية حتى جفت تماماً في معظم المحافظة. وجود مثل هذه البئر المكشوفة يثير التساؤل عن مدى تطبيق العقوبات الرادعة بحق المخالفين الحصول على التصاريح وأكد «يحيى الزهراني» -مزارع- على أن المزارعين والمواطنين بشكل عام بحاجة ماسة إلى هذه الآبار، لا سيما في القرى والمحافظات والمراكز الصغيرة؛ وذلك للإفادة منها في الاستخدامات المنزلية وأغراض الزراعة، مشيراً إلى ان الماء هو سر بقاء المخلوقات الحية، مشدداً على ضرورة الحصول على التصاريح اللازمة من الجهات المعنية قبل البدء بعملية الحفر؛ وذلك لمنع الآبار العشوائية التي تستنزف المياه الجوفية بشكل كبير؛ مما يؤدي إلى جفاف بعض الآبار، ومن ثم يضطر المزارع إلى زيادة عمق بئره أو حفر بئر أخرى. وأضاف أن ذلك يعني استنزافاً للمخزون المائي في الأرض، موضحاً أن هناك من يترك البئر مكشوفاً دون تغطية؛ مما يشكل تهديداً كبيرا لحياة السكان. مبادئ عامة وأشار «م. عبدالله اللامي» –موظف حكومي– إلى أن حفر الآبار الارتوازية لا يتم إلا بعد أخذ التصاريح اللازمة للحفر، وذلك بعد استيفاء بعض الشروط اللازمة قبل الحفر، ومنها طبيعة المكان وبعده عن الآبار المجاورة؛ لكي لا يؤثر ذلك عليها فيؤدي إلى جفاف الآبار القائمة، إلى جانب بعض الاشتراطات المتعلقة بالسلامة، مثل إغلاق البئر، وصب ما حولها بالاسمنت لمنعها من الانهيار والتسرب، لافتاً إلى أن هناك بعض العقوبات المتخذة بحق المخالفين ممن يحفرون هذه الآبار بشكل عشوائي دون وجود ترخيص. وبين أن العقوبة المالية على المخالفين تصل إلى دفع مبلغ مالي يبلغ (25) ألف ريال مع ردم البئر على حسابه الخاص، وفي حال تكرار المخالفة فإن الغرامة تطبق بالحد الأعلى مع السجن، مشيراً إلى أن من ضمن الاشتراطات أيضاً ألا تقل المسافة عن (250) متراً عن أقرب بئر مجاورة، موضحاً أن هناك مبادئ عامة يحسن أن يعمل بها من يرغب في حفر بئر، ومنها تجنب الحفر في المناطق المرتفعة، وألا يكون الحفر قريباً من «البيارات» أو مكبات الصرف الصحي؛ حتى لا يتسرب جزء منها للبئر، داعياً الجميع إلى الحصول على رخصة حفر قبل البدء بعملية حفر أي بئر، وذلك تطبيقاً للأنظمة المرعية. حفر الآبار بشكل عشوائي أدى إلى استنزاف المياه الجوفية قرار حاسم ودعا «م. علي القاسمي»-موظف في مياه عسير- الجهات المعنية بحفر الآبار إلى الوقوف بقوة ضد الحفر العشوائي للآبار الارتوازية؛ وذلك لمنع تكرار مآسي السقوط في هذه الآبار، خصوصاً من قبل الأطفال، مستشهداً في هذا الشأن بحادثة الطفلة «لمى الروقي» التي كانت حديث المجالس في الأيام القليلة الماضية، موضحاً أن هذه الحادثة تدل بوضوح على خطورة التهاون في حفر الآبار العشوائية، متسائلاً عن ماهية الجهة المسؤولة عن متابعة الآبار العشوائية، لافتاً إلى وجود أكثر من جهة، ومنها «الدفاع المدني» و»وزارة الزراعة» و»وزارة المياه» و»البلديات» و»إمارات المناطق». ولفت إلى أن هذه الجهات تتعامل مع الموضوع وفق ما بين أيديها من مستندات وتوجيهات، بيد أن ما يغيب عن الذهن أن جل هذه الآبار تُنفذ في الظلام بعيداً عن أعين هذه الجهات، ومن هنا تولد المفاجآت وتبدأ الحكايات الموجعة والمفزعة، موضحاً أن الأمر بحاجة إلى قرار حاسم تجاه هذه الآبار الارتوازية غير النظامية، منتقداً سلوك اللامبالاة الموجود لدى بعض الجهات المعنية تجاه هذه الآبار، مشيراً إلى أن الاهتمام الرسمي لا يخرج عن أوراق تنتقل من جهة إلى أخرى دون شرح أو تدقيق أو وضوح في الرؤية. تأجير المزارع وأوضح «عبدالرحمن آل فرحان» –معلم علم أرض– أن هناك خطورة أخرى للتوسع في حفر الآبار الارتوازية تتمثل في إمكانية حدوث انخفاض المخزون المائي من المياه الجوفية في باطن الأرض؛ وذلك لأن حفر الآبار الارتوازية يستهدف الوصول إلى هذه المياه على مسافات بعيدة في باطن الأرض، مضيفاً أن زيادة استهلاك المياه للشرب والزراعة تجعل هذا المخزون ينخفض بشكل سنوي، خصوصاً أن «المملكة» تعد من البلدان قليلة الأمطار، وبالتالي فإن هذا المخزون لا يتجدد بالسرعة التي يتم بها استهلاكه. إغلاق البئر بشكل محكم يقلل من المخاطر التي قد تنتج عنها واستشهد «آل فرحان» بتقرير صادر عن المنظمة العالمية للأغذية والزراعة «الفاو» عن وضع المياه الجوفية في «المملكة»، موضحاً أنها أشارت إلى أن حجم استهلاك «المملكة» للمياه الجوفية من إجمالي ما يتجدد من مياهها الطبيعية فاق (936%)، مضيفاً أنه على الرغم من التقديرات المخيفة التي تضمنها تقرير المنظمة العالمية، إلا أن سلوكنا مع مصادرنا المائية لم يتغير، وهذا ما يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف الذي نهانا عن الإسراف، خصوصاً في الماء، مشيراً إلى أن هذه النسبة الموغلة في الاستنزاف وضعتنا أمام مفارقات كبرى مع أنفسنا والعالم. وأضاف أن هناك من يؤجرون المزارع على العمالة الأجنبية ممن يعملون على حفر آبار ارتوازية فيها على حساب هذا العامل أو ذاك بطريقة غير نظامية ودون وجود ترخيص، ومن ثم تبدأ هذه العمالة في استنزاف المياه الجوفية المحدودة ليلاً ونهاراً طمعاً في الكسب المادي غير آبهين بما يستنزفونه من مياه جوفية، وبالتالي تراجع منسوب المياه الجوفية وأصبح لا يعثر عليه إلا على أعماق تزيد على (200م)، في حين كان يتم العثور عليه قبل سنوات على عمق (20) أو (30) متراً. م. علي القاسمي شروط الحفر وأشار «م. محمد المحيا» –موظف- إلى أن أهم الاشتراطات الواجب توفرها لحصول الفرد على تصريح لحفر بئر تتمثل في تقييم الحاجة الفعلية لحفر البئر، وتحديد نوع البئر المراد حفرها، سواءً كانت أنبوبية أو يدوية، وتوفير ما يثبت ملكية الأرض المطلوب حفر البئر بها وخلوها من المنازعات الفردية، إلى جانب عدم وقوع الأراضي ضمن المناطق المحظور الحفر فيها، موضحاً أن هناك مناطق يُمنع الحفر فيها؛ للمحافظة على مصادر المياه، خاصة القريبة من مشروعات مياه الشرب، مبيناً أن مواصفات الآبار تختلف من منطقة لأخرى تبعاً لنوع وعمق الطبقة المراد الحفر فيها. وأضاف أن الآبار اليدوية تتميز بأنها ذات أقطار كبيرة وأعماق تتراوح بين (20) إلى (50) متراً، أما الآبار الأنبوبية فلها مواصفات فنية يلزم إتباعها عند حفر البئر، وأهمها تحديد الأعماق وتحديد أطوال أنابيب التبطين «الكسينج» وضرورة تسميت أجزاء منها؛ للمحافظة على المياه الجوفية في الطبقات المائية المختلفة، موضحاً أن التصميم الهندسي الصحيح للآبار يختلف من بئر لأخرى حسب العمق والطبقة المائية المستهدفة. وبين أنه يتم تصميم الآبار بشكل يضمن الوصول إلى الطبقة المائية المنتجة، وتبطين الأجزاء التي تعلو هذه الطبقة بأنابيب تبطين تختلف عن بعضها البعض في أقطارها وسماكتها وأنواعها، كما أنه يتم تسميت الأجزاء التي تعلو الطبقة المائية المنتجة بأسمنت ذي مواصفات خاصة تحت ضغط معين بحيث يعزل الطبقات العلوية بعضها عن بعض ويحول دون اختلاط المياه المالحة بالمياه العذبة ويحول كذلك دون تسرب المياه ذات النوعية الرديئة أو الملوثة إلى داخل الطبقة المنتجة، مشيراً إلى أن رخصة الحفر التي يتم الحصول عليها من «وزارة المياه» تشتمل على الشروط والمواصفات الواجب إتباعها عند الرغبة في حفر أي بئر. عبدالرحمن آل فرحان