المتقاعد سواء كان مدنياً أو عسكرياً يشتكي من قلة معاشه التقاعدي، وهو محق، حيث إن قيمة راتب المعاش قبل 30 عاماً لا تساوي القيمة الحقيقية له الآن حتى ولو ارتفعت قيمته الاسمية، فجزء كبير منه يلتهمه التضخم فلا يستطيع ان يعيش في حياة متوازنة. هذا الامر لا شك فيه بأن معاشات التقاعد متدنية سواء كانت مبنية على النسبة المستقطعة من راتب الموظف أو على المدة قبل تقاعده، لكن الاهم كيف نجعل المتقاعد أكثر سعادة في ظل الموارد المتاحة لدى المؤسسة العامة للتقاعد؟ وان لا نتركه مهملا وكأن حياته العملية قد انتهت عند عمر 50 سنة او 60 سنة، فماذا تستطيع المؤسسة عمله لهؤلاء المتقاعدين قبل تقاعدهم وبعده؟ وان لا تصبح المؤسسة بدون شعور وإحساس اتجاه منسوبيها بعد فترة طويلة من العمر وبعد ان تطورت برامج التقاعد في كثير من بلدان العالم لحماية المتقاعدين من الاضرار الجسيمة التي قد تلحق بهم وأسرهم والمجتمع ككل. فقد أوضح تقرير المؤسسة الإحصائي السنوي لعام 2012، بارتفاع أعداد المتقاعدين من 203373 متقاعدا في 2000 الى 571367 متقاعدا في 2012 أي بنسبة 181%، بينما ارتفعت المبالغ المصروفة للمتقاعدين وأصحاب الدفعة الواحدة من 11.580 مليار ريال الى 44.588 مليار ريال خلال نفس الفترة أي بزيادة قدرها 285%. لذا ينبغي التركيز على تنظيم أعمار المتقاعدين طبقا لموارد المؤسسة لجعل عملية توزيع ايرادات المؤسسة في تناسب مع عدد المتقاعدين، حيث يستخدم تحليل الكهورت (Cohort Analysis) وربطه بالتغير في دخول المشتركين حتى تتقلص المخاطره واحتمالية عدم قدرة المؤسسة على الوفاء بالتزاماتها في إطار مواردها المالية المتاحة، حيث يتم تحفيز بعض المشتركين على التقاعد عند العمر الذي يحقق التوازن بين عدد المتقاعدين ومستحقاتهم المفروض صرفها حتى لا تتجاوز مصروفات المؤسسة قدرتها على الدفع وبهذا تتفادى أي عجز مستقبلي مقابل صرف معاشات هؤلاء المتقاعدين. كما ان اعتماد برنامج للادخار كجزء من اعمال المؤسسة سوف يكون له تأثير ايجابي على زيادة السيولة النقدية لديها لاستخدامها في تغطية أي نقص في التزاماتها من خلال تحفيز المشتركين على الادخار مقابل اتاحة فرص استثمارية لهم بعوائد مجزية، مما يرفع دخل المشترك عند التقاعد ويضمن له ولجميع المشتركين في هذا البرنامج حياة معيشية كريمة ويعزز العلاقة بين المؤسسه والمشترك مما يمكنها من طرح مبادرات اخرى. ففي كثير من دول العالم يعطى المستفيدون خيار الادخار بنسب متفاوتة جنبا إلى جنب مع معاشات التقاعد، على سبيل المثال، أنشأت نيوزيلاند أول خطة للادخار للمتقاعدين "KiwiSaver" plan على المستوى الوطني في 2007 والتي تدعمها الحكومة وتقدمها شركات القطاع الخاص. فالعمال الجدد الذي يصبحون جزءا من القوه العاملة في وظائف دائمة من عمر 18 سنة وأكثر يسجلون تلقائيا في خطة الادخار ولكن لهم الخيار في عدم البقاء في الخطة. كما انه يسمح لجميع الأفراد الذين تقل أعمارهم عن سن 65 سنة، بما في ذلك أي شخص ليس في قوة العمل، بفتح حساب كيويسافير. لذا يشجع «النيوزيلنديين» على المزيد من الادخار لتقاعدهم من اجل دعم استحقاقات تقاعدهم ومعاش الشيخوخة ذي المعدل الثابت. كما ان اصحاب الدخول المتدنية يستفيدون من دخل التقاعد، بينما اصحاب الدخل المتوسط والعالٍي أيضا يستفيدون من هذا البرنامج للمحافظة على مستوى معيشتهم. وأخيرا، فان خلق وظائف للمتقاعدين من خلال تخصيص جزء من استثمارات المؤسسة في مشروعات انتاجية ذات عوائد يعمل فيها هؤلاء المتقاعدون سوف يكون له اثر ايجابي على مستوى معيشة المتقاعدين ويحفزهم على التقاعد المبكر بما يتفق مع تنظيم اعمار لمتقاعدين وكذلك من خلال التنسيق مع الادارات العامة والخاصة مثل المكتبات والحراسات ذات الاخطار المتدنية وغيرها من الاعمال التي تناسب المتقاعدين وبأجور تناسب إنتاجيتهم.