أخذنا من العولمة الكثير من سلبياتها حتى أصبحنا نتجه في أفكارنا وسلوكياتنا إلى ما هو غريب عنا، وعلى سبيل المثال نشهد كل عام ميلادي ظهور بصّارين وفلكيين يعلنون موت زعماء ومشاهير، وزوابع تطيح بدول، وإعلان حروب، لأن النجم الفلاني يلتقي مع الآخر العلاني، وسيد الفلكيين «نوستراداموس» الطبيب الفرنسي الذي صار إمام الفلكيين وجمعياتهم المنتشرة في كل مكان، تنبأ عن كل شيء بما فيه فناء العالم بسبب حدوث فيضانات وجفاف وزلازل ومجاعات وأمراض إلى آخر تلك السوداوية التي طبع بها الوجود وصدقها مروّجو الخرافة.. في الوطن العربي لم نكن الاستثناء، فقد أصبح الترويج للفلكيين في الصحف ومحطات الفضاء ومواقع التواصل الاجتماعي يجذب أصحاب الاستطلاع، وهذه المرة البعض تغلبه عاطفته السياسية أو المذهبية، فيعلن موت أو قتل أو اختفاء من ينازعون اتجاهه، ويأتي آخر ويكون الضد، ولا تجد تجانساً بين رؤاهم، وهناك من يحوّلون الفقير إلى غني، ويطلّقون أزواجاً أو فك سحر حبيبة، وكل ذلك باسم (العلم) وهي نسيج من خرافات يصدقها السذج وخاصة حين تكون عقلية الفلكي ذات قدرة جاذبة ومسيطرة على عقلية الآخر فيوهمه أن تاريخ ميلاده يصادف الجرم السماوي زحل مثلاً ويقرنه بمستقبله، وهي مهنة تحولت إلى كسب بطرق الحيل لا حقيقة ما يصدقه العقل.. التنجيم مهنة أقبل عليها زعماء وقادة، ورجال أعمال حتى إن الرئيس الأمريكي «ريجان» كان يهتم بما تتنبأ عنه بصارة البيت الأبيض أكثر من مستشاريه من أصحاب العقول التي تحلل بناء على جمع معلومات من كل الاتجاهات، وغيره كثيرون ممن سُلبت عقولهم، والمشكل ليس بالإنسان العادي، ولكن بأصحاب القرارات الخطيرة، ومتخذيها.. ذكاء أولئك الذي يجعلهم موضع احترام وتصديق ما يقولون أنهم يتابعون أحوال المشاهير، حالاتهم الصحية، ومن يكون قريباً من الموت، وكذلك حالات القراءات الخاصة بالطقس وحالات المتغيرات المناخية التي تأتي من خلال رصد أقمار وتحليل تلك الظروف، ليتخذها المنجم جزءاً إضافة لفراسته، وهي في حقيقتها ليست إلا جزءاً من رؤى علمية بعيدة عن محترفي الخرافة.. قرأنا وسمعنا الكثير عن العام الجديد (2014م)، وأتمنى أن يرصد أصحاب العقول كيف صارت الخرافة مهنة ليتبعوا جميع ما يقوله المنجمون، ليواجهوهم في مطلع العام القادم بما ثبت من تنبؤات، وما تبخر من صور وأحلام.. بالمقابل هناك من يحتفلون بتلقائية بميلاد عام يتفاءلون ويسعدون لأن الإنسان بفطرته متفائل وليس أسير الكآبة، وصور العالم عندما يحتفل كل شعب بأسلوبه الخاص على أمل أن تزول الأحقاد ويولد السلام العام العالمي، وهي تقاليد صارت جزءاً من عالم تضيق حدوده ويتأثر ويؤثر في بعضه.. وكل عام وأنتم بخير..