حزب الله الذي يقتل لبنان لم يعد يستطيع الاختفاء خلف أفعاله وعبر شبكته الإرهابية حيث يسعى إلى السيطرة على هذه الدولة الصغيرة، في محاولة لفرض سيطرته على لبنان كما كانت سورية تفعل السلوك السياسي المحلي والدولي تجاه حزب الله تغيرت معاييره بعد أن قام حزب الله بالتدخل مباشرة في سورية كذراع إيراني تحت الطلب أضف إلى ذلك تقطع التيار الإيراني القادم من طهران أثناء العملية السياسية المرتبطة بالاتفاق مع دول الغرب فيما يخص السلاح النووي الإيراني. التحليل السياسي للمجتمع اللبناني يجب أن ينطلق من بعد استقرائي لتركيبة هذه الدولة والتي تتكون في سماتها من تنوع طائفي تقوده الفئات الدينية والتي تمثل التنوع الأكثر وضوحاً في هذه الدولة التي تعتبر ساحة خلفية للكثير من المعارك السياسية التي تنشأ في مساحات العالم العربي. تعيش الدولة اللبنانية سياسياً معتمدة على مسارين المسار الأول يقوم على حقيقة أن لبنان مقسمة من الداخل طائفياً بشكل كبير ويقوم على حماية هذا التقسيم فأكثر من عشرين طائفة وفرقة تلعب فيها الأدوار السياسية وأبعاد ايديولوجية وأبعاد فكرية مختلفة دوراً بارزاً في صياغة أهدافها. المسار الثاني يتمثل في لبنان ما بعد الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان حيث أجبرت لبنان دولياً على أن يكون فيها حكومة ممثلة قدر الإمكان لذلك التنوع الطائفي والمذهبي مع إخفاء حقيقي لعدد كل طائفة ونسبتها في المجتمع اللبناني وتقوم هذه الحكومات الهشة بشكل دائم والتي تتعاقب على إدارة لبنان صورياً بالبعد عن مناقشة القضايا الأساسية التي تساهم فعلياً في إخراج لبنان من أزمته الدائمة ولعل السبب في تلك الهشاشة هو ترسخ البعد الطائفي وفقاً لمبادئ فرض القوة وليس وفقاً للمبادئ الوطنية. الشعب اللبناني يحاول أن يصمد تحت مظلة التنوع الطائفي قدر الإمكان لذلك يحاول الكثير من أفراد المجتمع اللبناني بعث صور للأمل بأن يكون التعايش الطائفي أمراً ممكناً وهذه حقيقة حاول الكثير من المفكرين استخدامها لدرء معاودة النشاط البركاني الطائفي انفجاراته. يقول الدكتور حليم بركات في كتابه (الهوية أزمة الحداثة والوعي التقليدي) عن الدكتور كمال صليبي في محاضرة ألقيت عام 1968 م قوله "ومهما قيل في النظام الطائفي الذي يقوم عليه لبنان اليوم، فمن الواضح تاريخياً أن هذا النظام... وليد الخبرة اللبنانية عبر القرون... والفرد اللبناني باعتزاز طائفي أصيل هو أهم من معطيات الوضع اللبناني..". هذه الصورة عن لبنان تشرح لنا تاريخياً الوضع الذي أعقب مقولة الدكتور كمال صليبي حيث نشبت الحرب الأهلية وبقيت الطائفة في قلب اللبناني ودمرت لبنان، وفي استقراء مبسط يمكن الحكم اليوم وغداً وبعد غد بأنه لا يوجد لبناني سوف تهمه لبنان بالصورة التي نتوقعها من هذا الشعب بل بشكل أقسى أي سياسي أو محنك أو مفكر لبناني أو حتى الفرد اللبناني لا يمكن أن يجد الفرصة بأن يكون لبنان محور اهتمامه لأن لبنان التي تشبه كثيراً أحياء تجار الأسلحة لن تسمح لأي فرد مهما كانت طائفته أن يفكر فيها كوطن للجميع. هذا التاريخ الطائفي في لبنان مرتبط بالظهور الدائم والبارز للحركات الطائفية والنزعات الدينية التي تجتاح لبنان أو العالم المحيط به فبعد الثورة الإيرانية أصبح حزب الله وبمساعدة النظام الإيراني ونظام حافظ الأسد أكثر الطوائف المكتظة بها لبنان من حيث الدعم المادي والعسكري حيث ينشر حزب الله أفكاره كالسرطان في جسد هذه الدولة الهشة. عبر تاريخ هذا الحزب الذي يقتل لبنان وليس يقاتل من أجلها تشكلت الكثير من الممارسات السياسية والايديولوجية الخاطئة فلقد كان خطأ تاريخياً أن يمجد العالم الإسلامي ممارسات حزب الله وبطولات السيد نصر الله في العام 2006م ، فلم تكن الصفة السياسية التي دخل بها هذا الحزب تلك الحرب مكتملة فلم يكن يمثل سوى نفسه في تلك الحرب كما أن إسرائيل التي اعتقد أنه هزمها كانت المستفيد الأول من تلك الحرب بل حققت منها الكثير من المكاسب على حساب الدولة اللبنانية. حزب الله الذي يقتل لبنان لم يعد يستطيع الاختفاء خلف أفعاله وعبر شبكته الإرهابية حيث يسعى إلى السيطرة على هذه الدولة الصغيرة، في محاولة لفرض سيطرته على لبنان كما كانت سورية تفعل، لقد كانت هذه هي الكلمات الأخيرة للشهيد محمد شطح قبل أن يتم تفجير موكبه في عملية قذرة كتلك التي راح ضحيتها الرئيس اللبناني رفيق الحريري. حزب الله الذي يدعي المقاومة هو يقاوم لبنان وليس عدو لبنان فهو في عملياته تلك يعلن أن المعادلة السياسية التي جاءت بالحزب ودعمته إلى أن أصبح بهذه الصورة هذه المعادلة بدأت تتغير وخاصة من داعمي حزب الله فالدور الإيراني في المنطقة يعاد تشكيله إجبارياً والنتيجة الحتمية التي يذهب إليها الاتفاق بين إيران والغرب هي: إما اتفاق نهائي سلمي مع إيران تحقق فيه إيران مكاسبها أو فشل يتطلب مواجهة سياسية وفي كلتا الحالتين سيكون حزب الله الضحية الأقرب لأن وجوده بعد الاتفاق أو عدمه لن يكون ممكناً فالمرحلة الرمادية قاربت على النهاية فبعد ستة أشهر من اليوم سيكون على العالم وإيران تقرير المرحلة الثانية من الاتفاق بينهما. منذ العام 2005 م عندما تم تفجير موكب الرئيس اللبناني رفيق الحريري رحمه الله والمؤشرات السياسية تقول بقرب نهاية حزب الله وداعميه وخاصة النظام السوري، واليوم تعطي هذه المؤشرات أدلة أكبر على أن النهاية أصبحت قريبة وممكنة، فسورية لا يمكن أن تعود كما كانت ومن المستحيل أن يستعيد الأسد سيطرته على سورية وحزب الله أيضا لا يمكن أن يبقى كما هو في ظل انهيار النظام السوري بشكل تدريجي حتى وإن كانت النتيجة حرباً أهلية طاحنة تستمر لسنوات في سورية، وسوف يكون خطاب نصر الله المعتاد بعد أيام صورة واضحة للحالة المرتبكة التي يعيشها حزب الله.